بائعة الكبريت تلملم أعوادها وأحلامها وتعانق الصقيع والظلام وتذوي

تعلمت من بائعة الكبريت الصغيرة ...

أنه عندما يعم الظلام ، وينتشر الصقيع، لا تنفع أعواد الكبريت ، ولا تدفئ الأحلام ، وأن رؤية الشبعى لا تشبع..

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لصاحب الكظة وسط الجوعى : كفّ عنا جشاءك ، ألا ليتهم يتعظون !!

وأردت التعليق على انعكاسات انخفاض قيمة الليرة السورية على سورية وعلى السوريين، وأنا كل السوريين أهلي إلا قاتلا ومن أعانه على القتل ..

وغدا الدولار بأربعة آلاف، وما أظن قاتلا يجوع ...!!

وكنت في الثاني الثانوي عندما طلب منا أستاذنا فاضل ضياء الدين أن نشرح قول حافظ إبراهيم :

أيها المصلحون ضاق بِنَا العيـ      ش ولم تحسـنوا عليه القيامـا

عزت السـلعة الذليلــة حتى     بات مسح الحذاء خطبا جساما

وغدا القوت  في يد الناس كاليا     قوت حتى نوى الفقير الصيامـا

فشرحتها شرحا طرب له الأستاذ الأديب واستعادني ما كتبت وأنا تلميذ صغير أكثر من عشر مرات!! يظل يقول لي أعد علي ما كتبت، اليوم يقولون بضاعتك مردودة مزجاة !!! واشتكت بنو تميم سيدنا سعد خال رسول الله ، أنه لا يحسن يصلي!!

وما أجمل ما يكتبه عوض الذي لا يكتب لأخيه عوضين الذي لا يقرأ .. والحياة دولاب.

أردت أن أعلق على المِحنة الإضافية التي أنزلها بِنَا الطاغية والطغاة ، ثم رأيت جيوش النقمة قد سبقتني إلى التعليق على ارتفاع قيمة السلعة الذليلة بإعلان الفرحة والولوغ في الشماتة بجوع الجائعين وعري المستورين!!! وكنت أحفظ :

أخي ستبيد جيوش الظلام    ويشرق في الكون فجر جديد

وأدرك اليوم أن وراء ظلامنا ظلمات جهل وغشم ..

وأدرك اليوم أن بأعواد الثقاب لا تبيد ظلمات ولا ظلمة !!

وحسب إنجيل متى، عندما جاء جنود الرومان للقبض على سيدنا المسيح ..

قال : "ولكن هذه الساعة لكم والسلطة الآن للظلام " وأقول : " والسلطة الآن للظلم والظلام "

صحيح في عقيدتنا أن سيدنا المسيح لم يصلب .. ولكن في حديث نبينا أن أصحابه وحواريه " رفعوا على الخشب ونشروا بالمناشير "

ويبدو أن هذا هو قدرنا وعلينا كما على إخواننا في زنازين الأسد أن نصبر ونحتسب.. ولعل الصبر على وقع سياط أهل الجهل أشد..

في القرآن الكريم ( ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ ) ظلمات بشار الأسد وظلمات الأدعياء الناقمين يمثلهم قول الرسول الكريم " اتخذ الناس رؤوسا جهالا فضلوا وأضلوا "

وفِي قوله صلى الله عليه وسلم " اتخذ الناس رؤوس جهالا " تلخيص للألف والياء. ويحرجني من يسألني المشكلة في الرؤوس أو المشكلة في الناس ؟؟؟ !!!والرؤوس الجهال هؤلاء هم الذين يجب أن نخاف وأن نحذر ...

و أخبرنا الرسول الكريم أن الله غفر لمومس بسقيا كلب عطشان !!

فماذا سيكون من الأجر لمن يستر في سورية على طالب ستر قعد به الزمان ؟؟ ماذا سيكون لمن يحنو على طفل وامرأة وعلى من تقطعت بهم سبل الحياة !!

وفي كتاب الله ( وَأُوْلُواْ الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ ) !!

ويقول الناطقون باسم الظلام : " لا تسقوا الورد فيشرب الشوك " وقال الأحكم

جبلت على كدر وأنت تريدها     صفوا من الأقذاء والأكدار

ويقول البستاني : كرمال الورد بيشرب العليق !!

وأخيرا يبدو أن على بائعة الكبريت الصغيرة أن تلملم أعواد ثقابها ، وأن تلملم أطراف حلمها، وتترك " الموتى يدفنون موتاهم ".

يقول العرب : اقنِ حياءك...!!

شهد الله ، والله يشهد .. أننا ما أردنا علوا في الأرض ولا فسادا ، ولا اختيالا على رفات العباد.

وإن دماء مليون شهيد ، وعذابات ١٥ مليون مهجر ، وبعضهم تمتد هجرتهم على مدى أربعين سنة، حين تدفع ثمنا لكراسي مثخنة في مؤسسات مقعدة ؛ لتدل على ما إذا صار إلى قاض رشيد أخذ على يد شاريه وبائعه !!! ولو علمنا مقصدهم من أول يوم لصغنا لهم كراسي من ذهب ووسدناهم ودفعنا عن أنفسنا غائلتهم.

شر المعارضين الذين اشتقوا قلوبهم من قلوب أعدائهم فكانوا يحقدون كما يحقدون وينقمون كما ينقمون ..

على بغلة السلطة ، وليس على نفع الناس ، يتصارعون!!!

اللهم أسبغ ثوب الستر على طالبيه وقنا شرور الحاقدين والناقمين والمفرطين المضيعين .

*مدير مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وسوم: العدد 919