سنة عاشرة ثورة .. وُلدوا في سورية عام 2011 ...

أحاول أن أتسلل فوق وسائدهم عند المنام ..

أطفال سورية .. من جيل الثورة ، أينما كانوا ، كيفما عاشوا ، لن يكونوا جيل الطلائع ، ولا الشبيبة ولا الخوف .. هو .. وهي وإن باعوا علب المناديل على تقاطع مدن الملح الماطرة أو الغائمة ، فقد صاروا أشجع من أن يخافوا عصا المعلم والمخبر مهما كانت غليظة ...

أطفال سورية، صبيانا وصبيات ، ستعلمهم رجولتهم ونسويتهم المبكرة ، كيف يكونون ، في سورية وحدها تصبح ابنة العاشرة والتاسعة والسابعة أما كافلة حانية ، وما طاف بها مثل العذراء بشر ، في سورية وحدها يصبح ابن السابعة والثامنة والعاشرة أخا كبيرا فيحتل مكانة الأب ، ويخرج مبكرا يسعى على أخيه الرضيعة ، بل أبيه الكسير ..

وخلال عشر سنوات من عمر الثورة العصيّة على الاحتواء والتدمير قد كبرت الصبية وكبر كما يقولون الصبي ..

" قد كبر الصبي" وقد " كبرت الصبية " في ظل معطيات كل ما فيها جديد ، ومفيد، حتى القسوة تجعل الحديد أصلب، يقولون سيف مسقيٌ وكذلك هم أطفال سورية اليوم ..

والذي كان في الأيام الأولى للثورة تدمع عيناه ويقول " يعني حكم القوي على الضعيف" صار رجلا .. وصار يعي جيدا ما قال إذ هو صبي صغير ..

الصبي الذي لخص المشهد بدمعه وبقوله " يعني حكم القوي على الضعيف" لم يفهم النظامَ والمعارضةَ فقط؛ ولكنه فهم العالم الذي لخصه علاقاته وهو في السابعة بلفظين موجزين ، فهذه إذن حضارة الإنسان ، وهذا إذن سر التدافع الكوني !!

عشر سنوات استشهد فيها من أمثال حمزة الخطيب وهاجر الشرعي عشرات الألوف ، جزارهم ما زال موضع أمل ورجاء عند الذين يملكون حكم الأقوياء ، ولا تصدقوا ما يقوله الكذابون ، وكذا ما زال جزارهم موضع أمل مع الأسف عند بعض السوريين ، ومع الأسف الأشد عند بعض " المعارضين" !!

جيلنا السبعيني عشنا بعض مرارات طفولتنا في ظل البعث ، عشنا الخوف، أتذكر أنهم كلما حاولوا أن يرهبوننا أكثر كانوا يورثوننا التحدي أكبر وأكبر ..

أحاول أن أسبح في فضاء طفل سوري يضع رأسه على الوسادة عند المساء، أو أطوف فوق رأس ذاك الذي يتوسد رصيفا من حجر ..!!أطوف بخيالات رأسها الصغير ملكة على رصيف ، تحتضن ملكة أصغر منها وأضعف ..تراهما ماذا يتذكرون ؟؟؟ وبماذا في غدهم القريب يأملون ..

كثير من الشعراء والحزانى شكوا من طول الليل ، ورأوا نجومه قد شدت بيذبل ، ولكن الكثير من الحزانى المتعبين يستمرئون ظلمة الليل وعتمته وبرده ، ويرون فيه سترا وظلا وأخوف ما يخافون أن يطلع عليهم نهار بشمس لا تحمل نورا ولا دفئا ..

أحاول أن أعرف كيف يذكر الصبي والصبية برميل بشار الأسد الذي قتل أباه وأمه وأخته وأخاه ...

ارتد حسيرا فأنا بالفعل لا أملك جناحيه ..

أحاول أن أعايش أحلام طفلة دفعتها جريمة الأسد لأن تقف على تقاطع مروري في مدينة من مدن العالم المتناثرة تبيع علبة المناديل ..وهي ترى مثيلاتها من كل لون وجنس تضعن أيديهن بأيدي الآباء والأمهات وتستشعرن المعاني التي ..

أجوب في مخيلات " أطفال الشوارع" الأطفال تربيهن الجدات العاجزات والجدود العواثر ..

أحاول أن أحلق مع الأطفال الذين يذكرون الأب والدار والأنس...

 والأطفال الذين ولدوا في العماء فلا يذكرون ...وكلهم يعلمون شيئا واحدا فقط أن قاتل آبائهم وأمهاتهم ومدمر قصورهم التي كانت أكواخا من طين هو بشار الأسد وبشار الأسد فقط ...

حين يفكر البعض بالحل السياسي ، يجدر بهم أن يدخلوا إلى عقول وقلوب هؤلاء .. قبل أن يقولوا .. أو أن يقترحوا ..

*مدير مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وسوم: العدد 920