من ذاكرة الثورة السورية: مُغَالَطَات ومُفَارَقَات (4 من4)

عند بثينة الكذب اليقين

لعلّ مَن راقب ردّات الفعل لنظام الحكم خلال الأيام الأولى لثورة الحرّية في سورية، يكتشف أن مُتَرجمة القصر سابقاً، والمستشارة الإعلامية والسياسية لاحقاً.. هي (الرجل) الأول لهذا النظام، إذ لم يجرؤ (ذكوره) على مواجهة الشعب والتحدّث إليه بعد سلسلة الجرائم التي ارتكبوها في حقّه، من مختلف الأنواع والأصناف!..

كانت (بُثَيْنُ) تملك من الوقاحة مخزوناً يؤهّلها لعقد مؤتمرٍ صحفيٍّ في إحدى ردهات القصر الرئاسيّ، لتقول للشعب السوريّ (لا لبعض البلهاء الجالسين أمامها): سنقدّم ألفاً وخمس مئة ليرةٍ سوريةٍ شهرياً (بالتمام والكمال) زيادةً على رواتب الموظّفين!.. وسنشكّل لجنةً لدراسة قانون (وليس حالة) الطوارئ، وسنعمل.. وسندرس.. وسوف نقوم..!.. فاطمئنّ أيها الشعب الثائر، الإصلاحات من مختلف الأحجام والقياسات على الطريق!.. لماذا (بُثَيْنُ)؟.. وما موقعها في هرم النظام؟.. وما درجة مسؤوليتها في تركيبته؟.. الله وحده يعلم.

(بُثَيْنُ) هذا، أو هذه، تتمتّع بدرجةٍ عاليةٍ من الباطنية والمكر، فهي قبل أسابيع قليلة من مؤتمرها الصحفي، خرجت في نزهةٍ إلى كوكب (المشتري)، وألقت نظرةً على كوكب الأرض، فوقعت عينها على بلدٍ اسمه تونس، ومن تقدير الله عزّ وجل أنّ (بُثَيْن) لاحظت (بعد إجرائها عملية "زووم" لعدستي عَيْنَيْها) حشوداً جماهيريةً في شوارع تونس، فكتبت مقالةً أرسلتها بالبريد الإلكتروني إلى صحيفة (الشرق الأوسط)، قالت فيها تعليقاً على فرار (بن علي): [هذا هو مصير الرؤساء البعيدين عما يحدث في الشارع، الذين يُحيطون أنفسَهم بالبطانة السيّئة]!.. هل تعرف (بُثَيْنُ) من أيِّ بطانةٍ هي؟.. إلى هنا، ربما لا تعرف.. فلنتابع هذه الـ (بُثَيْن) إلى كوكب (المرّيخ)، الذي قفزت إليه قبل قطع الإنترنت والاتصالات عن مصر، التي اشتعلت ثورتها، لتقول في الصحيفة المذكورة نفسها حرفياً: [هذا هو زمن خروج الجماهير العربية إلى الشوارع، لفرض إرادتها على حكوماتٍ فرضت إرادتها وشعاراتها وإخفاقاتها وتحالفاتها وشقاقها على الملايين، طوال عقود، دون أن تُحَقِّق آمال هذه الملايين وطموحاتها أو قطاعات كبيرة منها، فاختلطت المظالم وتراكمت مشاعر الإحباط والخذلان والعجز، سياسياً واقتصادياً واجتماعياً، والجماهير تتلظّى بنيرانها]!.. هنا تحديداً، يجب على المستشارة (بُثَيْن) أن تعرفَ –بوضوحٍ- من أيِّ بطانةٍ هي!.. لكن على ما يظهر أنها لم تعرف أيضاً!.. إنّما بالتأكيد ستعرف، حين تُراجع تصريحاتها العديدة، ومنها تلك التصريحات البهلوانية إلى قناة البي بي سي، التي تحدّثت فيها عن: المندسّين، والمتسلِّلين، والفلسطينيّين الذين عضّوا اليد التي أكرمتهم، والعصابات من الأردنيين والمصريين الذين يعيثون فساداً في شوارع اللاذقية، والطائفيّين الذين يُشعِلون الفتنة بين أبناء الشعب السوريّ، والإخوان المسلمين الذين يقتلون على الهوية، و..!.. كما استنكرت على المذيع سؤالها عن صحة خبر الإفراج عن مئتين وستين سجيناً سياسياً سورياً، فأجابت مع ابتسامةٍ شديدة الصفرة: [وهل لدينا في سورية هذا العدد (الكبير) من السجناء السياسيّين]؟.. لا أعلم لماذا ذكّرتنا (بُثَيْنُ) بـ (غولدا مائير) عندما قالت –منذ أكثر من خمسين عاماً- لأحد الصحفيّين الذي سألها عن حقوق الشعب الفلسطينيّ: [وهل هناك شعب اسمه الشعب الفلسطينيّ]؟!.. فهل عرفت (بُثَيْنُ) من أيِّ بطانةٍ هي، لاسيما أنّ كوكب (المرّيخ) الذي قفزت إليه من كوكب (المشتري).. قريب جداً من كوكب (الأرض) الذي يقع فيه القصر الرئاسيّ في سورية؟!..

لا شك أنّ (بُثَيْن) ستعرف من أي بطانةٍ هي، عندما يدوس شعبنا السوريّ الأبيّ على رقاب الطغاة، بمن فيهم هذه الشمطاء، التي سيعيدها شعبنا إلى مسقط رأسها المحشوّ بالنفاق والكذب والدجل والتزوير: قرية (المسعودية) في حمص، لتغوصَ –كما كانت وكما ذكرت في مذكّراتها- في الطين الذي قدمت منه، إلى عسل القصور المسروقة من دماء السوريين وجيوبهم وأحلامهم، والمشيّدة على جماجم عشرات الآلاف من السجناء والمعتقلين السوريين، الذين لا يعلم إلا الله عزّ وجلّ، هل هم في عداد الأحياء أم الأموات، وتُنكِر هذه الـ (بُثَيْنُ) وجودهم في سجون جمهوريتها الوراثية!..

*    *    *

*سقط قِناع إيران، وسيهوي الصنم الفارسيّ الصفويّ*

السرعة هنا قياسية، إذ لم يستغرق سقوط القناع الإيرانيّ، سوى أقل من أربعة أسابيع مرّت على بدء الثورة الشعبية السورية.. ليخرجَ الناطق الرسميّ باسم الخارجية الإيرانية، فيعلن تضامنه مع النظام الأسديّ ضد الشعب السوريّ!..

الانتفاضة الشعبية السورية على الاستبداد والاضطهاد، -كما يزعم حفيد كسرى الإيرانيّ- مؤامرة من صناعة أميركة و(إسرائيل) والغرب.. بينما ثورة التونسيّين والمصريّين، شعبية ضد الاستبداد ونظام الحزب الواحد!.. مع ملاحظة خلافات إيران الفارسية الصفوية مع نظامي الحكم البائدين في مصر وتونس!..

الفتنة الطائفية الشيعية في البحرين..ثورة شعبية، أما ثورة أكثرية الشعب السوريّ على النظام الأقلّويّ الأسرويّ، فهي فوضى تقوم بها (الأقلية) الموالية للغرب، ضد أكثرية النظام الأسديّ!.. والأقلية هنا هي الشعب السوريّ كله!..

حزب البعث في العراق كافر ينبغي اجتثاثه، أما حزب البعث السوريّ الأسديّ، فهو مؤمن تباركه عمائم قمّ والنجف، وينبغي إرسال الحرس الثوريّ الفارسيّ مع حثالات حزب حسن اللبنانيّ، لحمايته!..

أميركة قتلت في العراق أعداداً كبيرةً من العراقيين.. لذلك فمن حقّ النظام الأسديّ أن يقتلَ من شعبه أعداداً لا يحدِّد مقدارها إلا حكّام سورية المستبدّين، وحكّام سورية أدرى بشعابها!.. مع ملاحظة أنّ إيران وعملاءها لم يقتلوا عراقياً واحداً في العراق!!..

الثورة في مصر هي ثورة الشعوب المستضعَفَة، أما ثورة الشعب الإيرانيّ على العمائم المتخلِّفة، وثورة الشعب السوريّ على مستبدّيه وطغاته، فهي عمالة للغرب وأميركة!..

قمع التظاهرات المسلّحة بالهراوات والمياه في البحرين.. جريمة لا تُغتَفَر، أما قمع التظاهرات السورية السلمية بالدبابات والرشاشات الآلية والذخيرة الحية والدبابات والطائرات الحربية والصواريخ البالستية وما دونها.. فهي من الأعمال المبارَكة، من قِبَل جهلة قمّ ودجّاليها وأبناء المتعة في طهران!..

ذلك هو المنطق الصفويّ الفارسيّ الإيرانيّ، منذ أن بدأت تظهر ملامحه من غير تغطيةٍ أو باطنيّة أو تَقِيّة!..

لكن، واحذري يا إيران من (لكن) السورية.. فالصفويون الفرس الذين عاثوا فساداً في عاصمة الأمويّين، وخانوا العراق وأفغانستان، وتواطؤوا على احتلالهما مع الغرب وأميركة.. لا يحق لهم أن يتشدّقوا عن العمالة للغرب، فهم خونة الأمة، وأول عملاء أميركة الذين يتبادلون الأدوار مع الكيان الصهيونيّ.. ونهايتهم في المنطقة لن تكون إلا على يد الشعب السوريّ بإذن الله.

وسوم: العدد 922