الشيخ جرّاح يحمي كرامة العرب؟

 

تناظرت في قضيّة أهالي الشيخ جراح المهددين بإخلائهم من منازلهم وتسليمها لمستوطنين متطرفين يهود عدة عناصر، أوّلها، وأهمّها هو تحوّل دفاع المقدسيين وأهالي الشيخ جرّاح، ومعهم إخوانهم القادمون من مناطق نكبة 48، والتفافـ عموم الفلسطينيين حول هذه المسألة، إلى بؤرة تركيز للنضال الوطني الفلسطيني، بعد المأزق السياسي الذي تعرّض له، مع اضطرار القيادة الفلسطينية إلى تأجيل الانتخابات.
العنصر الآخر في هذه المعادلة هو محمولها الرمزيّ الكبير الذي يكشف، المرة تلو الأخرى، عن معدن الشعب الفلسطيني الصلب، وقدرته المستمرة على خوض المعارك مع الاحتلال الإسرائيلي، وهو ما ينتج طاقة سياسيّة تتجاوز موضوع إخلاء بضعة بيوت في مدينة القدس، ويحوّله إلى كاشف مهمّ يستطيع لملمة أجزاء التفكك العربيّ الشامل، ويعيد المعنى الديمقراطي والتحرري للمسألة الفلسطينية، ويموضع قضيتها مجددا ضمن التوق الإنساني للحرية، وهو توق لا يمكن أبدا قهره.
حثت الأمم المتحدة إسرائيل على إنهاء جميع عمليات القسر بحق الفلسطينيين في القدس الشرقية وتحذيرها من أن تلك الأفعال قد تشكل «جرائم حرب» ويمكن للبعض أن يعتبر هذا التحذير جزءا من آليّة روتينية للتصريحات الأممية، كما يمكن لنا، من جهة أخرى، اعتبارها أكبر من نطاق التصريحات، وانتظاما في تلك الطاقة الخلاقة التي يحرّكها نضال مجموعة بشريّة.
أحد الدلائل الأخرى على المعنى التحريري والديمقراطي لمعركة الشيخ جراح هو تحذير 180 عالما وأديبا إسرائيليا المحكمة الجنائية الدولية من جرائم الحرب التي ترتكبها إسرائيل، وتوقيعهم عريضة وجهوها إلى فاتو بنسودا، مدعية المحكمة الجنائية الدولية، التي سبق لها أن فتحت تحقيقا في جرائم حرب ارتكبتها إسرائيل خلال الحرب التي شنتها على قطاع غزة عام 2014.
لقد تكرّرت في الشهور الأخيرة الاتهامات من جهات دولية مرموقة ضد إسرائيل، وكان آخرها تقرير لمنظمة «هيومن رايتس ووتش» التي أكدت وجود سياسة الفصل العنصري والاضطهاد الممنهج للفلسطينيين «في مختلف أنحاء إسرائيل والأراضي المحتلة» وأشارت إلى سياستها في القدس التي تهدف «الحفاظ على أغلبية يهودية متينة في المدينة» و«تحدد النسب الديمغرافية التي تأمل في الحفاظ عليها» خالصة إلى أن ما يحصل ليس احتلالا تعسفيا بل سياسة عنصرية تمنح امتيازا لشعب على آخر، ودعت بدورها، المحكمة الجنائية الدولية للتحقيق مع الضالعين في هذه السياسة ومقاضاتهم.
وفي الوقت الذي تؤجج فيه حركيّة الفلسطينيين ونضالهم نوازع التحرر والديمقراطية العالمية، وحتى في داخل إسرائيل نفسها، فإنها، على ما نرى، تعزّز أسوأ نوازع الاستبداد العربيّ الذي يتمثّل بمزيد من التواطؤ المتعدد الأشكال مع اتجاهات اليمين العنصري الإسرائيلي، فقد كان لافتا، في هذه الأيام، الحديث عن عمل جهات عربية، وخصوصا الإمارات، على مساعدة الاحتلال والمستوطنين على تسريب العقارات الفلسطينية، ناهيك عن الأشكال الاستعراضيّة الكثيرة التي يتم التعبير فيها عن التقرب لإسرائيل، والتي كان آخرها إعلان منصّة إعلامية إسرائيلية يرأس تحريرها صحافي إماراتي، وحديث قناة إسرائيلية عن دعوة مسؤولين عرب لآخرين إسرائيليين لمآدب إفطار في دولهم.
في نضالهم ضد الاحتلال والعنصرية لا يفعل الفلسطينيون سوى ما يفعله أي شخص يدافع عن أرضه، لكنّهم، من دون أن يعلموا، يدافعون أيضا عن الكرامة التي أهدرها حكام عرب.

وسوم: العدد 928