كُنُوزٌ ونفحاتٌ (إيمانيةٌ وشرعيةٌ وأخلاقيةٌ) من سورة الحُجُرات 11

الكَنْـزُ الحادي عشر (الأخير): لا يَخْفَى على الله شيء

(إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ)* (الحجرات : 18).

لنتدبّر في تفسير الآية الكريمة

1- تأتي هذه الآية الكريمة الأخيرة من سورة الحجرات أو سورة الأخلاق.. تأتي في سياق الحديث عن حقيقة الإيمان ومعنى الإسلام، والفرق بينهما، الذي تحدّثت عنه الآيات الأربع اللواتي سبقتها.. فهي تأتي بعد حوارٍ مع الأعراب حديثي العهد بالإسلام، من الذين يدّعون الإيمان.

2- وترتبط، من جهةٍ ثانية.. بكل ما سبقها من آياتٍ كريمةٍ في هذه السورة العظيمة.. وتمثل هذه الآية خاتمة سورة الأخلاق (الحجرات).. وهذا الارتباط وثيق جداً.. فالله عزّ وجلّ الذي يعلم السرّ والجهر، ويعلم ما تُخفي الصدور، ويعلم الغيب في السماوات والأرض، وهو البصير بما يعمل الخَلق جميعاً.. الله عزّ وجلّ سبحانه يُذكّر الناس جميعاً في هذه الآية (الخاتمة).. يذكّرهم بهذه الحقيقة، أي: حقيقة علمه وأنه بصير سبحانه بما يعمل الناس، لكي يعملوا على تنفيذ أوامره، ويلتزموا بطاعته في كل شؤون الحياة، لاسيما الأمور الواردة في هذه السورة من أولها إلى آخرها، التي نعيد التذكير بها:

- الأدب مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، والتزام منهج الله عزّ وجلّ الذي أنزله على عباده، ليكون نظامَ الحياة لهم يحكم كل شؤون حياتهم.

- التثبّت من الأنباء، والتثبّت في تلقّي الأخبار وروايتها.

- التصرّف الشرعيّ الإيمانيّ الإسلاميّ كما أمر الله سبحانه وتعالى.. وذلك عند وقوع الفتن بين المسلمين.

- الالتزام بأخلاق المؤمنين، وبحقائق الأخوّة الإيمانية وموجِباتها.

- الالتزام بحقيقة الإيمان، والعمل بمقتضياته، وبما يقوّيه ويزيده رسوخاً في النفس والروح والقلب والعقل.

3- الله سبحانه وتعالى يقول في هذه الآية (الخاتمة) للناس: الله وحده الذي يعلم كل ما يجري في هذا الكون، ويعلم ما يجول في الخواطر والضمائر والنفوس، وما من إنسانٍ يقوم بعملٍ إلا يعلمه الله العليم البصير، الذي يعلم غيب السماوات والأرض.. فاحذروا أيها الناس من عدم الالتزام بقوانين الإسلام ودستوره ومنهجه، وبقواعد الأخلاق السويّة الإنسانية الإسلامية، وبحقائق الإيمان الخالص لوجهه الكريم!.. وهكذا ارتبطت بداية السورة في آيتها الأولى مع نهايتها في آيتها الأخيرة.. ارتبطت بالتأكيد على علم الله عزّ وجلّ، وبالتالي على رقابته الصارمة الحازمة لعباده، للوقوف على مدى تنفيذهم لأوامره وشرعه ومنهجه القويم.

*لنتدبّر في الدروس والعظات المستوحاة من الآية الكريمة*

1- إن الله تبارك وتعالى، يعلم السرّ وأخفى، ويعرف ظاهر الإنسان وباطنه، ولا تَخفى عليه خافية سبحانه.. فلنستشعر رقابته عزّ وجلّ علينا، ولنعلم أننا آيلين إلى يومٍ يُحاسَب فيه المرء على كل حركةٍ وسكنةٍ فَعَلَهما، وعلى كل سلوكٍ وتصرّفٍ قام بهما.

2- بما أنّ الله عزّ وجلّ يراقبنا في كل لحظةٍ من حياتنا، ويراقب أعمالنا صغيرها وكبيرها.. فلنلتزم بآداب هذه السورة المباركة: سورة الحجرات أو سورة الأخلاق، ولنجعل هذه الآداب أهدافاً لنا في حياتنا، نسعى جاهدين جادّين للارتقاء بأعمالنا وسلوكنا والتزامنا ومستوى إيماننا.. إلى مستوى الآداب الواردة في هذه السورة كلها من أولها إلى آخرها، ونقوم بتربية أبنائنا وبناتنا وأجيالنا، على المبادئ والأصول والأخلاق الواردة في هذه السوررة العظيمة..  فإنّ في ذلك صلاحاً لنا ولأجيالنا ولأمّتنا وللإنسانية، وسعادةً، ونجاةً في الدنبا والآخرة.

-وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين-

وسوم: العدد 928