مجرم الحرب بوتين أخفق في تركيع الشعب السوري في حربه القذرة فلجأ إلى الحصار والتجويع

من المقرر إغلاق المنفذ الحدودي "معبر باب الهوى" الذي يعمل منذ العام 2014، بعد انتهاء التفويض في 10 يوليو/ تموز الحالي 2021، وسيتطلب تصويت الأمم المتحدة ليبقى مفتوحا.

وجاء بيان منظمة الصحة العالمية، قبيل المواجهة المتوقعة هذا الشهر بين أعضاء غربيين في مجلس الأمن، يؤيدون تجديد تفويض عبور المساعدات من تركيا مباشرة دون المرور بدمشق، وبين روسيا التي منعت عبور مساعدات للحدود من قبل.

وتقول موسكو، التي تتمتع بحق النقض "الفيتو" في مجلس الأمن وتدعم مجرم الحرب بشار الأسد في حربه على الشعب السوري، إنه يمكن إيصال المساعدات إلى شمال سورية من العاصمة دمشق.

وقد نشر موقع “بوليتكو” مقالا مشتركا لتشارلس ليستر من معهد الشرق الأوسط وجيفري فيلتمان، من معهد بروكينغز قالا فيه: إن “بوتين يجوّع السوريين، وماذا يمكن لبايدن عمله”.

وقالا إن الأزمة الإنسانية في شمال-غرب سورية تبدو وكأنها ازدحام مروري مستمر، ففي كل يوم ينتظر خط من الشاحنات المحملة بالطعام والمياه والأدوية والملابس ومعدات البناء للعبور من تركيا إلى التلال السورية. وبعد عبورها إلى بلدة باب الهوا وتواصل سيرها إلى المنطقة التي شهدت ًحروباً أكثر من أي مكان في سورية.

وبالنسبة لـ 4.5 مليون شخص في شمال-غرب سورية ويعيشون وسط أنقاض سنوات من القصف الذي قامت به حكومتهم، فالشاحنات القادمة من الخارج تعتبر شريان حياة حقيقي. ولم يكن الاختناق المروري شديدا بهذه الدرجة، فعندما بدأت الأمم المتحدة بإرسال المساعدات عبر الحدود في عام 2014 كانت ترسلها عبر أربع معابر من تركيا والعراق والأردن. وفي كانون الثاني/ يناير 2020 ظل معبران متاحان، ومنذ تموز/ يوليو 2020 بقي معبر واحد وهو باب الهوى، بشكل قيّد وصول المواد الإغاثية وسط انتشار كوفيد-19.

ولم يتغير لا حجم الحاجة التي زادت في الحقيقة منذ أن بدأت الامم المتحدة بإرسال المساعدات وانهيار الاقتصاد السوري، كما ولم ينخفض مستوى العنف. فما تغيّر هو روسيا والتي ظلت تستغل حق الفيتو في مجلس الأمن لإغلاق معابر الإغاثة واحداً بعد الآخر.

مجرم الحرب بوتين الذي يأس من تركيع الشعب السوري عبر قصفه الممنهج للبنية التحتية للمدن السورية في مناطق سيطرة الثوار، وقصف البيوت على رؤوس ساكنيها بكل ما وصلت إليه ترسانته المدمرة من قذائف "ارتجاجية وحارقة وفسفورية وعنقودية وانشطارية"، ليقتل أكبر عدد ممكن من الأطفال والنساء والشيوخ، ويدمر أكبر عدد ممكن من دور الشفاء والمستوصفات والمدارس والدفاع المدني، وخزانات المياه والوقود وصوامع الحبوب، في هجمة وحشية ما سبقه أحد إلى فعل ذلك حتى في أقسى الحروب العالمية وأشرسها.

ولم يكتف مجرم الحرب بوتين بما ألحقته ترسانته الجهنمية بالمدن السورية والبلدات والقرى الواقعة تحت سيطرة الثوار من خراب ودمار ودماء، بل عمل مع شركائه في القتل والتدمير والإجرام من "بقايا نظام مجرم الحرب بشار الأسد، وحزب اللات اللبناني، والميليشيات التي جندتها قم، والحرس الثوري الإيراني" في فرض الحصار على المناطق الواقعة تحت سيطرة الثوار، والتي يسكنها أكثر من خمسة ملايين؛ جلّهم من المهجّرين والنازحين من المناطق السورية المختلفة، التي احتلها نظام المجرم بشار الأسد، بعد تدخل مجرم الحرب بوتين ومرتزقة وشبيحة قم والضاحية الجنوبية.

مجرم الحرب بوتين المفتون بمجرم الحرب بشار الأسد يعتبر نفسه الحليف الشرعي لبشار الأسد، ولهذا فهو يتعامل مع أي دعم يقدم للشعب السوري البعيد عن سيطرته ونفوذه، حتى لو كان إنسانيا، إهانة لحكمه. وبناء عليه، ففي أثناء المفاوضات التي جرت في كانون الثاني/ يناير من أجل تمديد وصول الإغاثة، دفعت روسيا لإغلاق معبرين من العراق وآخر من الأردن وكلاهما كانا يوفران شريان حياة لشمال شرق-وشرق سورية.

واستخدمت روسيا نفس الأسلوب في تموز/ يوليو لإغلاق معبر باب السلامة من تركيا، وهو ما ترك معبراً واحدا للمساعدات القادمة من تركيا وهو باب الهوى، وعبّرت روسيا عن نيتها لإغلاقه عندما سيتم التصويت على التمديد في مجلس الأمن، وإذا ما نجحت في ذلك، فستقطع المساعدات الحدودية التي تبعثها الأمم المتحدة وبشكل كامل وستقطع صلات شمال-غرب سورية عن المجتمع الدولي وأي مساعدة.

هناك أمل يلوح في الأفق في منع بوتين من استعمال حق النقض "الفيتو" في التصويت القادم على التمديد لتدفق المساعدات الإنسانية إلى سورية عبر معبر باب الهوى، بعد مجيء إدارة أمريكية جديدة تلوح بالعمل على منع مجرم الحرب بوتين من استعمال "الفيتو" لوقف عمل إنساني تحتاجه خمسة ملايين إنسان متواجدون في منطقة ضيقة من الحدود السورية التركية.

إلا أن هذه الفرصة لن تكون مجانية، فعلى الرئيس بايدن إلى جانب وزير خارجيته أنطوني للقيام بجهود جبارة، لتغيير الحسابات الروسية من الآن وحتى تاريخ عرض الموضوع على مجلس الأمن وهو قريب جداً. وهذا يعني البحث عن طرق أخرى غير سورية والشرق الأوسط للضغط على روسيا وزيادة التكاليف المحتملة لقطع الدعم الإنساني عن سورية.

وكان قد دعم مجرم الحرب بوتين بشار الأسد منذ 10 أعوام، عندما بدأ المتظاهرون السلميون بالدعوة للإصلاح وكان الرد هي قسوة لا ترحم. وعندما النظام المجرم في حرب طاحنة مع الثوار وبقايا جيشه المتآكل، زاد بوتين من الدعم العسكري والمستشارين، ولما لم يتمكن مجرم الحرب بشار من الصمود أمام الثوار، شن مجرم الحرب بوتين في عام 2015 عملية عسكرية واسعة بهدف إنقاذ الأسد والحيلولة دون سقوطه.

وأعطت مجرم الحرب بوتين تلك الحرب القذرة التي شنها على الشعب السوري الفرصة، لتعزيز موقع روسيا كلاعب مهم في الشرق الأوسط، وحماية حليفه مجرم الحرب بشار الأسد، بمشاركة حزب اللات اللبناني والحرس الثوري الإيراني، والميليشيات الرافضية التي جندتها قم لدعم الاسد. وحصلت على الدعم الدبلوماسي من الصين، التي تحتفظ بحق النقض في مجلس الأمن، وظلت ترفض دعم الغرب للتغيير الديمقراطي في الخارج. بالإضافة لعلاقات دبلوماسية خاصة بها مع الأسد.

لقد عمل الروس والصينيون على وتر استراتيجية "الحصار-التجويع" عبر قطع المواد الحيوية عن ملايين النازحين والمهجرين في الشمال السوري لإجبارهم على الاستسلام لنظام قصفهم وقتلهم وأغار عليهم واستخدم الغاز الكيماوي ضدهم ولعقد من الزمان، وكانت الرافعة لكل هذه الجهود هي مجلس الأمن.

وبحلول عام 2014 توقفت الأمم المتحدة عن إحصاء القتلى بعد سنوات من الهجمات الوحشية والحصار والقصف الوحشي لنظام مجرم الحرب بشار الأسد، لمجتمعات الثوار وحاضنته الشعبية التي تريد إسقاطه مع كل مؤسسات حكمه الديكتاتوري الظالم. وأدى حجم العنف وغذى أزمة إنسانية واسعة اقتضت ردا إغاثيا ضخما، لكن النظام المجرم لم يكن راغبا بوصول المساعدات للمناطق الخارجة عن سيطرته، الأمر الذي دفع مجلس الأمن للتصويت في عام 2014 يسمح للمجتمع الدولي نقل المساعدات الإنسانية إلى مناطق المعارضة وبعد إبلاغ دمشق ولكن بدون الحصول على موافقتها.

وعارضت حكومة مجرم الحرب بشار الأسد ما ينوي القيام به مجلس الأمن، إلا أن المجلس وضع جانبا مسائل السيادة وسمح باستخدام المعابر الحدودية الأربعة لنقل المساعدات الإنسانية إلى مناطق المعارضة. فقد أيقن مجلس الأمن في حينه أن ملايين السوريين سيموتون جوعا بدون إغاثة عبر المعابر الحدودية. وتحولت جهود الإغاثة التي قادتها الأمم المتحدة لاحقا إلى عملية ضخمة وفرت فيها كل شيء من حليب الأطفال والماء والغذاء واللقاحات والسكن للمشردين.

وبحلول عام 2021 عبرت حوالي 44.000 شاحنة المساعدات الإنسانية لمناطق المعارضة عبر نقاط العبور التي سمحت بها الأمم المتحدة. ورد المجتمع الدولي وبقوة للعمليات الإغاثية فيما حاول الأسد منع وصولها لمن يحتاجها أكثر. وفي بعض الحالات لم تعط السلطات السورية إذنا لمرور الشاحنات، وفي حالات أخرى صودرت الشحنات، وأخذ منها الثمين والمهم مثل حليب الأطفال. وتم تخريب ما تبقى مثل ملء أكياس الطحين بالزجاج وبقايا الطيور.

ومع ذلك نجحت المساعدات الحدودية بتخفيف الآثار التي تركها تجاهل نظام الأسد للقانون الإنساني الدولي. وقد تغير هذا عندما بدأت خطوط القتال بالتجمد في سورية ولم يستطع خليط من قوات محلية وأجنبية وميليشيات ومرتزقة من التقدم إلى المناطق المحررة. ونظرا لحالة الجمود على خطوط القتال، بدأت روسيا بالبحث عن طرق أخرى لمساعدة نظام الأسد. وأخذت موسكو بالاعتماد على أوراقها في مجلس الأمن للضغط باتجاه منع وصول المساعدات لمناطق الثوار، وحتى المناطق التي استعادها النظام بدعم من روسيا وإيران وحزب اللات اللبناني من الثوار لم تعد تحصل على مساعدات إنسانية.

وفي جنوب سورية، مثلا والذي ظل خاضعا للثوار حتى منتصف 2018، أصبحت الظروف المعيشية سيئة وبدأ السكان بالاتصال مع أبنائهم أو أقاربهم الذين يعيشون في الخارج وجمع المال منهم والمشاركة في إعادة خطوط المياه أو التيار الكهربائي.

واتخذت روسيا أول خطوة في استراتيجية الحصار والتجويع في كانون الثاني/ يناير 2020 عندما استخدمت الفيتو لإغلاق معبر اليعربية مع العراق، وتبع ذلك فقدان 2.5 مليون نسمة في شمال-شرق سورية المساعدات الإنسانية والطبية. واضطر سكانها الذين تسيطر عليهم قوات سورية الديمقراطية الانفصالية الاعتماد على مساعدات قليلة من معبر فيشخابور وأقل عبر الأمم المتحدة من دمشق.

وبعد ستة أشهر، استطاعت روسيا وبدعم من الصين إغلاق كل المعابر باستثناء معبر باب الهوى الذي منح تمديدا لمدة عام. وجاءت هذه التسوية بعد تدخل تركيا التي تشترك بحدود مع شمال-غرب سورية، وسينتهي التمديد في تموز الحالي، حيث هدد الدبلوماسيون الروس مرارا نيتهم رفض تمديد آخر، وفي الوقت الحالي يعتمد 4.5 مليون نسمة على المساعدات الإنسانية.

وتبلغ نسبة فقر التغذية بين الأطفال إلى واحد من أربعة أطفال وظهرت عليهم علامات الهزال، وتراجعت مستويات الحياة بشكل حاد نظرا لقلة المساعدات التي تعبر باب الهوى، ومع انتشار كوفيد-19 في شمال-غرب سورية، وبغياب المؤسسات الصحية لتوفير العناية فإن إغلاق المعبر المحتمل، يعني أن اللقاحات التي ستصل المنطقة عبر برنامج منظمة الصحة العالمية كوفاكس لن تصل، وحذر مسؤول المساعدة في الأمم المتحدة "مارك لوكوك" في إيجاز له لمجلس الأمن الدولي، أنه لو نفذت روسيا ما تريده فستتحول الأزمة الإنسانية في شمال سورية “من رهيبة إلى كارثة”.

وستكون تداعيات إغلاق المعبر أبعد من الأزمة الإنسانية، وتعني استئناف الأعمال الحربية، ورغم وقف إطلاق النار الهش، إلا أن الروس والنظام زادوا من الضغط العسكري وقصفوا المستشفيات والطرق الرئيسية ومحطات الوقود والمخازن وأماكن وقوف الشاحنات، وهذه التحركات لا تعتبر خرقا لوقف إطلاق النار بل ومحاولة لتخفيض مستويات الحياة، والتحضير لعملية عسكرية شاملة، وآخر مرة اندلع فيها العنف هرب مليون شخص، مما أسهم إلى أكبر كارثة لجوء نحو أوروبا، ولأن روسيا واعية بما سينجم عنه إغلاق المعبر الأخير، فقد منعت منظمات المجتمع الدولي واللجنة الدولية للصليب الأحمر بالحديث أمام مجلس الأمن.

وتعطي تشكيلة مجلس الأمن لروسيا نفوذا على المساعدات الإنسانية أكبر من حجمها وما تقدمه من مساهمات، فهي لا تقدم للدعم الإنساني إلا نسبة 1% مقارنة مع 90% تقدمها أمريكا ودول الاتحاد الأوروبي، ومع ذلك لدى موسكو قدرة على اختطاف القرار وزيادة تدهور الأوضاع الإنسانية، لكن أمريكا وأوروبا لديها نفوذ من خلال عقد لقاءات غير رسمية، لمناقشة الظروف الإنسانية وتبادل الرأي في الموضوعات الحساسة.

ويجب على أمريكا وحلفائها التعاون على مستويات عالية لمنع الصين وروسيا من استخدام الفيتو، وهناك جهود جارية وخطط بديلة للمساعدات لا تحتاج لتفويض من الأمم المتحدة، ويجب تنسيق الجهود هذه بين الرئيس بايدن ووزير خارجيته ومسؤولة التنمية الدولية الأمريكية، لإظهار درجة من التشدد والجدية في موضوع المساعدات الإنسانية، ومنع روسيا والصين من استعمال حق النقض "الفيتو" للحيلولة دون عبور المساعدات الإنسانية التي يحتاجها الملايين من الشعب السوري.

المصدر

*القدس العربي-25 /3/2021

*بي بي سي-26/6/2021

*رابطة العلماء السوريين-26/12/2016

وسوم: العدد 936