حاجاتنا الدنيوية !

في حياة الناس حاجات يطلبها الإنسان ، ويسعى جاهدا لتحصيلها ، ويتفاوت الناس في طلبهم لحاجات الحياة ، فمن مكثر ، ومن مقل ، ومنهم مَن يدرك ما يريد ومنهم مَن لايدرك مايريد ، والله سبحانه وتعالى بيده الأمر من قبل ومن بعد ، وليس لأحد من قدرة على تحصيل ما لايكتبه الله له مهما حاول وناضل . وكما قيل : لك أيها الإنسان حاجة ولكن ليس لك القدرة على تحصيلها ، ولله سبحانه القدرة على كل شيء وهو جلَّ وعلا ليس بحاجة إلى أي شيء . فاعمل واجتهد واترك النتائج على مولاك .

ويبدو أن تحصيل بعض الحاجات ــ الضرورية ــ في زماننا هذا فيه صعوبة بل ربما كان تحصيلها من ضرب الخيال ــ كما يُقال ــ وهنا يكون الاختبار للإنسان ، ويكون الابتلاء للمسلم  ، حيث هو أهل للصبر وأهل للاطمئنان لعلمه بأن الأمور بيد الله الخالق البصير العليم . فللكوارث الطبيعية أثرها في هذا المجال ، وكذلك الظروف السياسية والصراعات التي تجلب الشقاء والنصب في تحصيل تلك الحاجات الضرورية للإنسان .

لاننسى نحن كمسلمين أن الأمر كله بيد الله ، وهو الذي خلق الموت والحياة للابتلاء ،  ولا ننسى فضل الله علينا أيام الرخاء ، ولطفه بنا أيام الشدة ، وأن الشدائد لاتدوم وأن الابتلاء مع الصبر الجميل مفتاحٌ للخير ، وباب للأمل الجميل الذي لايفارق قلوبنا كمسلمين ، فلا يأس من رحمة الله ، فكم جاد الله علينا بخير لم يخطر على بالنا ، وكم دفع عنا من البلايا والأسقام مالم نكن نعلمه ولا نحيط بآثارها لو أجراها ربُّنا علينا . فالقلوب التي أحياها ذكرُ الله تقوى دائما على المحن  والمصائب ، والدنيا كما قيل : ليست بدار قرار ، ولكنها بيئة انتظار ليوم تشخص فيه الأبصار ، فالخلود في نعيم الآخرة لايوصف ولا يعدله مافي الدنيا جميعا ،  ولحظة قليلة في ظل شجرة من أشجار الجنة أغلى من بساتين الدنيا وثمارها . ومن هنا تأتي راحة الضمير واطمئنان النفس والشعور بالفقر لِمـا عند الله ، فيشعر أهل هذه المنزلة ــ وهم في الدنيا ــ بسعادة حقيقية تنتشلهم من كل المخاوف التي تعتري الناس ، فلا يحزنون ، ولا يتكاسلون عن مناجاة ربهم آناء الليل وأطراف النهار .

آيات كريمة كثيرة ، وأحاديث نبوية  عديدة ، تبشر الصابرين ، وتبعث الأمل في نفوسهم ، الأمل بالفرج وباليسر بعد العسر ، وبالسعة بعد الضيق ، والبحث في هذا الباب غني بالأفكار والأمثال والقصص التي يتداولها الناس على مر الأيام ، فحري بنا كأفراد رجالا ونساء شيبا وشبابا وحري بأمتنا ، أمة الإيمان والقرآن والخيرية ... أن يعكف الجميع على مالدينا من قيم ومآثر ، ومن روح لاتطغى عليها الشدائد والمصائب ، لأنهم مبشرون بنتائج الصبر ، ولأنهم يشهد لهم ربهم بالهداية ، وبالتالي فالعاقبة لهم بمشيئة الله ، يقول الله سبحانه وتعالى : ( وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ (155) الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ (156) أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ (157) سورة البقرة .وفي الحديث عَن أَبي سَعِيدٍ الْخُدرِي رضي الله عنه أن نَاساَ مِنَ اَلأنصَارِ سَاَلُوا رَسُولَ الله ، صلى الله عليه وسلم ، فَأَعْطَاهُمْ ، ثُم سَأَلُوُهُ فَأَعْطَاهُمْ ، حَتَى نَفِسَ عِنْدَهُ ، فَقَالَ : مَا يَكُونُ عِنْدِي مِن خَير فَلَنْ أَدخِرَهُ عَنْكُمْ ، وَمَنْ يَسْتَعْفِفْ يُعِفهُ الله ، وَمَنْ يَسْتَغْن يُغْنِهِ الله ، وَمَنْ يَتَصَبرْ يُصَبرهُ الله ، وَمَا أُعْطِيَ أَحَد عَطَاء خَيْرًا وَأَوْسَعَ مِنَ الصبْر ).أخرجه أحمد والبخاري ومسلم .

وسوم: العدد 940