التربية الحديثة على ضوء الإسلام

منير محمد الغضبان

[ بتصرّف من كتاب: "من معين التربية الإسلامية" – منير محمد الغضبان ]

إنه ما من نظرية تربوية أو اجتماعية أو اقتصادية أو سياسية إلا وانبعثت من عقيدة، عقيدةٍ تحدد نظرها في الكون والحياة والإنسان، وتتشعب عنها جميع أنظمة الحياة فيما بعد.

وإذا نظرنا هذه النظرة الأساسية منذ بداية الحديث لا نستغرب بعدها أن نعقد هذه المقارنة بين الإسلام والتربية الحديثة، بصفة أن للإسلام عقيدته الخاصة، التي تختلف عن العقيدة التي انبثقت منها التربية الحديثة (الغربية). فللتربية الحديثة فلسفتها، وللإسلام عقيدته. والتربية الحديثة نظام يمثل الفلسفة التي انبثق منها، وللإسلام نظامه في التربية المنبثق من عقيدته. قد تتشابه جزيئات في النظامين، فلا يجوز أن يدفعنا هذا التشابه إلى اللهاث وراء كل جديد لنثبت أن الإسلام يحتويه أو أنه يحتوي الإسلام.

وحتى لا يبدو في كلامنا غرابة يحسن أن نسوق ما قدمه الأستاذ أبو الحسن الندوي من أقوالٍ لأساطين التربية في القرن العشرين حول هذا المفهوم حيث يقول:

وهنا ثلاثة شواهد لثلاثة من قادة التربية والتعليم، وأئمة الفكر في العالم الغربي المعاصر:

- يقول (سير برسي نن) الذي يحتل الصدارة بين خبراء التعليم في بريطانيا في مقال له كتبه لدائرة المعارف البريطانية: " لقد سلك الناس مسالك مختلفة في التعريف بالتربية، ولكن الفكرة الأساسية التي تسيطر عليها جميعاً أن التربية هي الجهد الذي يقوم به آباء شعب ومربّوه لإنشاء الأجيال القادمة على أساس نظرية الحياة التي يؤمنون بها. إن وظيفة المدرسة أن تمنح للقوى الروحية فرصة التأثير في التلميذ، تلك القوى الروحية التي تتصل بنظرية الحياة، وتربي التلميذ تربية تمكن من الاحتفاظ بحياة الشعب وتمديدها إلى الأمام".

- وإن (جون ديوي) الذي كان تأثيره في نظام التعليم الأمريكي أكبر من تأثير أي رجل في هذا العصر، يقول في كتابه "الديمقراطية والتربية":

"إنّ الأمة إنما تعيش بالتجديد، وإن عمل التجديد يقوم على تعليم الصغار بطرق متنوعة تجعل من الأفراد الأميين ورثة صالحين لوسائلها ونظرية حياتها، وتصوغهم في قالب عقائدها ومناهج حياتها".

- ويقول (البروفسور كلارك): "مهما قيل في تفسير التربية فمما لا محيص عنه أنها تسعى للاحتفاظ بنظريةٍ سبق الإيمان بها، وعليها تقوم حياة الأمة، وجهاد في سبيل تخليدها، ونقلها إلى الأجيال القادمة".

ويبلغ الحذر في تميز التربية للأمة أن أمريكا ندمت كثيراً يوم أخذت بنظام التربية الانجليزي مع أن الأصل القومي واحد، والأصل العقائدي كذلك. كما قال الأستاذ الأمريكي الدكتور كونانت في كتابه "التربية والحرية": "إن عملية التربية ليست تعاطياً وبيعاً وشراءً، وليست بضاعة تصدر إلى الخارج أو تستورد إلى الداخل. إننا في فترات من التاريخ خسرنا أكثر مما ربحنا باستيراد نظرية التعليم الانجليزية والأوروبية إلى بلادنا الأمريكية".

* * *

فتربية كل أمة إذاً منبثقة من عقيدتها، وعندما نتحدث عن التربية الحديثة فلا بد أن ندرسها على ضوء الإسلام، ونُخضعها لقِيَمه ومفاهيمه. فالمسلم يأخذ من معطيات التفكير البشري في العلوم الإنسانية بحذر، وبالقدر الذي لا يتعارض مع أصول عقيدته، كما أنه يأخذ وهو عارف بصير بما يأخذ، ويدع وهو عارف بصير بما يدع، لا يضيره أن يأخذ الحكمة أنّى وُجدت فهو أحقّ الناس بها.

وسوم: العدد 942