خواطر من سورة يوسف

عزة مختار

[email protected]

حين رأي الملك رؤيته الشهيرة بسبع بقرات سمان يأكلهن سبع عجاف ، وسبع سنبلات خضر وأخر يابسات ، أعرض المفسرين عن تأويل الرؤيا لعدم علمهم بها ، فتذكر أحد من كانوا بالسجن مع يوسف عليه السلام وعرض الأمر علي الملك ليذهب إليه في السجن ويستفتيه في الرؤيا

بمجرد أن عرض الرجل الأمر عليه أفتاه يوسف

يوسف المسجون ظلما

يوسف الذي دبرت له مكيدة السجن وهو البريء بشهادتهم " ثم بدا لهم من بعد ما رأوا الآيات ليسجننه حتى حين "

يوسف الذي ظلمه إخوانه وحرموه من والده الذي يحبه ، ورموه في الجب فعاش عبدا وهو الحر ابن الحر ، الكريم ابن الكريم

يوسف النبي ابن النبي الذي لم يفعل جرما سوي أن اختار الفضيلة والخوف من الله والوفاء عنوانا

بمجرد أن سألوه عن الرؤيا لم يتمنع ، ولم يشترط خروجه من السجن أولا ، ولم يطلب الاعتراف بالمؤامرة التي حيكت ضده قبل أن ينطق

وإنما الأمر اكبر من ذلك

إنه مستقبل الأمم

حياة الأبرياء حتى ولو كانوا كافرين

إنقاذ حياة إنسان ولو كان لا يدين بدينه أو يدين له بالولاء

إنها شيم الكبار

فمتى سعي لبراءته ؟

حين طلبه الملك ليكون عونا له

هنا يكون الأمر أدعي لأن تبرأ ساحته

فهو سيواجه الناس

سكون مسئولا عنهم

سيسوهم ويكون مطلوبا منهم السمع والطاعة

ولا يجب أن يسمعوا له ويطيعوا حتى تنكشف الحقائق كلها

هنا فقط يطلب كشف المؤامرة بعدما اتضحت الرؤيا ووضع لهم ليس فقط تأويلها وإنما قدم الحل لها

ليس مهما أن تكون أنت في الصدارة حين يتعلق الأمر بمهمة إنقاذ بلادك

بل يجب أن تقدم كل ما عندك حتى تنقذها

إنما أن يوسد إليك الأمر فساعتها يجب أن تكون الأمور كلها واضحة ، وصفحتك ناصعة أمام الجميع ، أطلب براءتك كما شئت واكشف كل المؤامرات وحاسب كل من تسبب فيها وإلا فلن تستقيم حياة الناس

كما جعل الله عز وجل الجنة والنار

كما جعل الثواب والعقاب

كما جعل الليل والنهار

يجب أن يكون هناك مساءلة لمن أخطأ حتى لا تحول المجتمعات لغابة لا يحكمها حاكم

( وقال الملك ائتوني به فلما جاءه الرسول قال ارجع إلى ربك فاسأله ما بال النسوة اللاتي قطعن أيديهن إن ربي بكيدهن عليم ( 50 ) قال ما خطبكن إذ راودتن يوسف عن نفسه قلن حاش لله ما علمنا عليه من سوء قالت امرأة العزيز الآن حصحص الحق أنا راودته عن نفسه وإنه لمن الصادقين ( 51 ) ذلك ليعلم أني لم أخنه بالغيب وأن الله لا يهدي كيد الخائنين ( 52 ) وما أبرئ نفسي إن النفس لأمارة بالسوء إلا ما رحم ربي إن ربي غفور رحيم ( 53 )

هنا لا يجب التسامح

لا يجب أن نسكت علي أمر ترسخ لدي شعب لا يعرف الحقيقة كاملة

هنا يجب أن تكشف المؤامرة كلها

وحين يظهر الحق

يطلب يوسف ما يستحقه ، ليس ما يستحقه فقط ، وإنما يتحمل واجباته التي لا يستطيع أن يقوم بها غيره

الخطب كبير

إنها سنوات عجاف ومصر والجزيرة العربية كلها سوف تدفع ثمنا غاليا من الجوع والقحط إن كان هناك سوء تدبير أو توسيد الأمر لغير أهله ، ليس من الصالحين فقط ، وإنما العالمين وليس مجرد مجتهدين ، تشخيص المشكلة ثم وضع الحل الأمثل ، ثم اختيار العالم الأمين لينفذ  خطة العبور إلي الأمان بشعب يغرق ويجوع إن أخطأ احدهم

لا يكفي أن تكون عالما ، ولا يكفي أن تكون أمينا

وإنما يجب أن تجمع الأمرين معا

تلك بعض خواطري عن سورة يوسف وللحديث بقية