هل كان طه حسين يرى بعينيه؟!

كتب الصديق العزيز والباحث الدؤوب محمد عبد الشافي القوصي مقالا وصل من خلاله إلى نتيجة مفادها أن طه حسن عُولج من العمى وكان يرى بعينيه!

المقال يُعالج مسألة نادرة وخطيرة ويستشهد بشخصيات معاصرة لطه حسين.

وهذا نصه:

كان (طه حسين) عاشقاً للشهرة والدويّ الإعلامي؛ فكلِّ كتابٍ كان يُصدره، يُثير جدلاً واسعاً، وربما يقوده إلى المحاكم ... ففي شبابه انتقد الأزهر وشيوخه، وهاجم مناهجه التعليمية، وخاض معارك عديدة مع أدباء عصره؛ فهاجم حافظ وشوقي، كما هاجم الرافعي والمنفلوطي، وأعلن الحربَ بضراوة على صديقهِ أحمد أمين، وغيرهم!

  لذا؛ تعرّض لكثيرٍ من الحملات التي لمْ يَخلُ بعضها مِن تحاملٍ وعنف، لكنه ظلَّ صامداً أمامها، مُؤثِراً الصمت البليغ! فمثلاً: كان "زكي مبارك" يعتقد أنَّ طه حسين هو عدوّه الأول؛ لأنه يقف في وجه تعيينه بالجامعة، فقال عنه في مقدمة ديوانه (ألحان الخلود): لقد ظنَّ طه حسين أنه انتزع اللقمةَ مِن فم أطفالي، فليعلم حضرته أنَّ أطفالي لوْ جاعوا لشويتُ طه حسين وأطعمتهم مِن لحمه، إنْ جاز أنْ أُقدِّم لأطفالي لحم الكلاب! ولكنهم لنْ يجوعوا مادامت أرزاقهم بيد الله".

    كما وقعتْ معارك كثيرة وسخريات لاذعة بين "طه حسين" و"المازني"؛ منذ هاجم المازني غريمه طه حسين، ووصفه بما وصف به شعراء الجاهلية، وقال فيه: إنَّ الشك في وجود شخصية طه حسين سيكون يوماً أشبه بشك طه حسين في شخصية امرئ القيس وعنترة، وذلك حين يقال: (الشيخ طه حسين، والأستاذ طه حسين، والدكتور طه حسين)! وحين ترى صورته (بالعمامة، والطربوش، والقبّعة) وإنَّ الناس سوف يقولون: هناك شخصيات ثلاث تحمل اسماً واحداً، ومِن هنا يَسري الشكّ في الأسماء جميعاً!

    ويقول "توفيق الحكيم" عن معركته مع طه حسين بعد انتهائها: إنَّ الخصومة بيني وبين طه حسين كانت خصومةً أدبيةً صِرف، ولكن الدكتور طه أراد أن يُقحِم فيها عنصر السياسة ليُظهِرني في صورة (يهوذا) ويُظهِر نفسه في صورة المسيح!

    وقد نجح الأديب اللبناني "مارون عبود" في رسم صورة تحليلية لطه حسين، فقال ضمن ما قال: "لقد شبع الأستاذُ الكبير والأديبُ العظيم مِن الثناء حتى انبشَم، وارتوى وما يزال ظمآن؛ لأنَّ الأدباءُ لا يرتوون من الثناء ولوْ عبّوه من نهر الفرات .. وإذا فاتهُ المدح، فلا بأس بالقدح، المهم أنْ يُذكَر! وإلاَّ فأيّ داعِ لقولهِ حين سُئل: أأنتَ قلتَ إنَّ زعامة الأدب انتقلت إلى بيروت؟ قال: لا، بلْ قلتُ تُوشِك أنْ تنتقل. وهكذا نراه في جميع مواقفه لا ينسجم مع نفسه، كالجندب تقبض عليه، فيفرُّ تاركاً لك فخذه! وقد سمِعته في مواقف كثيرة يقول: أردتُ أن أغيظ المصريين .. وأردتُ أن أغيظ الشباب. وقد رأيناه يثور على "إمارة" شوقي، ورضيَ عن "عمادته" هو!

*    *    *

    المهم، أنه عندما مات طه حسين؛ رثاه "نــزار قباني" قائلاً:

    آهـِ يا سيدي الذي جعل الليلَ

  نهاراً، والأرضَ كالمهرجانِ!

  ارمِ نظّارتيْكَ كيْ أتملَّى

  كيف تبلى شواطئ المرجان!

  ارمِ نظّارتيْكَ، ما أنتَ أعمى

  إنما نحن جوقة العميان!

    فردّ عليه الكاتب "خوري بشارة" قائلاً: "بلْ إرمِ يا نزار جاهلتيّكَ، كيْ تُدرك أن طه حسين لم يكن أعمى ... فقد تعافى من تلك العاهة منذ أربعين عاماً عندما سافر إلى فرنسا، وشقيقي الأكبر كان ضمن الفريق الذي أجرى له عملية إعادة البصر..."!

    وقد أحدثَ هذا الردّ دوياً كبيراً حول حقيقة إعادة البصر للدكتور طه حسين ... ومن أهم الردود التي نشرتها صحيفة "الديار اللبنانية" –آنذاك؛ ذلك الردّ القاطع الذي أعلنه البروفيسور/ بو خليل الكيال –أكبر جراحي العيون العرب بباريس، وكان صديقاً لطه حسين، حين قال: لقد أُجريتْ لطه حسين جراحة ناجحة، وقد عاد إليه بصره بنسبة عالية"!

    أعلمُ أنّ هناك كثيراً من الناس لا يعرفون هذه الحقيقة، وأنا شخصياً أصابني الذهول عندما استمعتها أول مرة قبل عشر سنوات من الدكتور/ محمد إبراهيم – وقد شهد هذا النقاش لفيف من الأدباء في "مكتبة جزيرة الورد بالقاهرة"، وكان ممّا قاله آنذاك: أن "طه" لم يكن فاقداً البصر بالكليّة قبل سفره إلى باريس، إنما كان يرى بصعوبة، ولذلك نجحت العملية بسهولة بعد غرس تيارات كهربائية داخل وخارج الدماغ، وتمّ زرعها في القشرة البصرية، وهي القشرة الدماغية المسؤولة عن معالجة البيانات البصرية.

    ولمّا رآني الأستاذ/ أحمد حسين الطماوي- حائراً؛ جذبني نحوه، وقال: كأنكَ لم تسمع بهذا الكلام من قبل؟ فقلتُ له: بلْ سمعتُ شبيهاً له -في مطلع التسعينيات- من العلاّمة/ عبد العزيز القوصي –شيخ التربويين العرب! فقاطعني قائلاً: لكنّنا علمنا بصحة هذه المعلومة منذ سنين بعيدة على لسان "فريد شحاته" سكرتير طه حسين، بعد القطيعة التي حدثتْ بينهما، وهروبه إلى خارج البلاد! كما أكدّ لنا صحة هذا الكلام الدكتور/ محمد صبري السربوني –الحاص على الدكتوراه من السوربون سنة 1919م، وكان زميلاً وصديقاً لطه حسين! 

  أقول: وقد تأكدتُ من صدق هذه الآراء تماماً منذ عامين، عندما نشر الصحفي السوري "بسّام الحدّاد" مقالاً بصحيفة (الدايلي ميل Daily Mail‎‏) عن الأدباء العميان المشاهير، وذكر منهم الدكتور/ طه حسين- وقال بالحرف الواحد: والمؤكد أنّ "طه حسين" قد عولج من آفة العمى بعد سفره إلى فرنسا –كما ذكر معاصروه أثناء تلك الرحلة!!

  ولمّا سألتُ هذا الصحفي عمّن يقصد بمعاصري طه حسين؛ الذين ذهبوا إلى هذا الرأي؟ ذكر لي حوالي عشرة من الأدباء والباحثين، منهم: أمين الريحاني، ومارون عبّود، وإلياس قنصل، ومحمد كُرد علي، وناصر الدين الأسد، ومحمود شاكر، وغيرهم.

  أكتفي بهذا القدر، ولا أُريد أنْ أفيض في الحديث من حيثُ أفاض الناس ... وأرجو ألاَّ أكون قد نكّرتُ لأحد عرشه، أوْ وضعتُ "السقاية" في رحله ... ولعلّي ابتغيتُ وراء ذلك سبيلا !

وسوم: العدد 946