خالتي المربية الداعية فائزة مسوتي في ذمة الله

حفيدة الشيخ سليم مسوتي

﴿إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ * نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ * نُزُلًا مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ * وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ﴾

إِنَّ العَيْنَ تَدْمَعُ، وَالقَلْبَ يَحْزَنُ، وَلاَ نَقُولُ إِلَّا مَا يَرْضَى رَبُّنَا، وَإِنَّا بِفِرَاقِكَ يَا أمَّ عبدِ الرحمنِ لَمَحْزُونُونَ...

رحمك الله يا خالة، وغفر لك، وأكرم وفادتك، وأعلى في الجنان مقامك..

كم لك علينا وعلى الناس وطالبات العلم من أيادٍ سابغة!

وكم لك في تدريس القرآن وتعليمه من سابقة!

كنت في مقدمة تلميذات شيخنا العلَّامة الشيخ محمد صالح الفرفور - رحمه الله وجزاه عن الأمة خير الجزاء -  مع ابنتيه الفاضلتين الأستاذة فاطمة والأستاذة لطفية، وعلى أيديكم قام فرع الإناث بمعهد الفتح الإسلامي بدمشق الشام، ومن معينكم استقى الآلاف من طالبات العلم في الشام، لينشروا العلم الشرعي واللغة العربية في أنحاء الدنيا.

أذكر أني  - وأنا ما زلتُ في طراءةِ الصبا وبدايةِ الطلب - كنت أسترق النظر في دفاترك التي تكتبين بها، لأقبس منها بعض العبارات، وما زلت أذكر تلك المقولة العالية والحكمة السامية التي نقلتها عن دفتر إنشائك، لأرصِّع بها موضوعا إنشائيا كُلِّفْتُهُ:

((مَن لم تكن له بدايةٌ محرقة.. لم تكن له نهايةٌ مُشرقة)).

وما أبدع ما قرأت لأحدهم معلقا عليها بقوله:

"هذا إحراقٌ لا يُحرِق …

إحراقٌ لا يضرُّ …

إحراقٌ يُورثُ إشراقًا وضيئًا …

هذا هو الإحراق الذي أنار دروبًا حِقَبَا وأزمنةً ..

إحراق للنفس في تحصيل المطالب السامية …

إحراق للذات في نوالِ الكمالات العالية …

إحراق في مُقْتَبَلِ بزوغ فجر وردة العمر استمتاعًا في استنشاقِ عبق ريحها في غَسَقِ ليله …

كم من نفسٍ أورثها صاحبها شرارةَ الإحراق.. فدام له نورها في زمن ذبولها …

غَفْرًا رباه …

و أيُّ ذبولٍ يَلْحَقُ نفسًا أحرقها سعيُها لرضى الرب تعالى …"

وكأنَّ هذا الكلام لم يُقَل إلا فيك!

أشهد أنكِ كنتِ عُمَريَّةَ السيرة..رابعةَ البيت.. طاعةً للرحمن، وعصيانًا للشيطان، وأمرًا بالمعروف.. ونهيًا عن المنكر.. وأخذًا بالعزائم التي يتراخى دونها أولو العزم من الرجال، ويتقاعس عنها أرباب التقى والنقا والصلاح والهدى..

لم تأخذْك في الله لومةُ لائم، ولم تَـلِـن قناتُك لترغيبِ راغب، أو ترهيب طاغيةٍ أو ظالم. كنتِ كالسيفِ مضاءً وعزمًا.. وكالمصحف إرشادًا ونصحًا.

عزفتِ عن مباهج الدنيا وزينتِها، وأقبلتِ على الله تعمُرين آخرتَكِ وتبتغين مرضاةَ ربِّكِ، وأقبل الناس عليك ينهلون من علمك، ويرتلون القرآن بين يديك،  ثم قدَّر الله لك الهجرة، وعسى أن يكون عسَّلك بها، لتقضي غريبةَ الدار والأهل.. بعيدة عن أهلك ومحبيك وتلامذتك ومريديك.

وقد أكرمَني الله بلقائك في مغتربك مع أمي الحبيبة رحمها الله ورحمك، فكان اللقاء الأخير، الذي عشنا فيه زمنا رغدا، بعد طول انقطاع، وكنت كلما اتصلت بك تذكرينه بخير، لا زال الخير في ركابك، والتقى والصلاح في ثيابك.

لقد تركت هذه الدنيا الفانية.. ولا شغل لك إلا تلاوة القرآن وتسبيح الرحمن.

تقَطِّعَ اللَّيْلَ تَسْبِيحًا وقُرْآنًا

فليَهْنِكِ صحبةُ القرآن، جعله الله أنيسَكِ في قبرك.. وشفيعَكِ يوم محشرك، وحجَّتَكِ أمام ربك.. وجزاك عنا وعن أهلك ومحبيك ومريديك خير الجزاء وأوفاه..

وأتوجَّه بأحرِّ العزاء لابنتِكِ الراضية المرضيَّة الأستاذة مرشدة جوهر، أسبغ الله على قلبها الصبر والسلوان وأخلف عليها، ولإخوتكِ وهم إخوتي، ولأحبابكِ وهم أحبابي، عظَّم الله أجرَنا وأجرَهم وأحسنَ عزاءَنا وعزاءَهم، وجعلنا  وإياهم من  الصَّابِرِينَ .. الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ.

وسوم: العدد 946