مصر: من ثورة البيض … إلى حملة إبادة أبو تريكة!

إنها الملهاة يا عزيزي، فلم يعد من دور للأذرع الإعلامية للجنرال، ومن في حكمها، إلا إلهاء الناس، بعد توقف البرامج الأكثر تأثيراً في «الشرق» و»مكملين»!

فبعد «ثورة البيض» كنا على موعد مع أزمة «الصيدلي والمصحف» والتي سبقتها حروب طواحين الهواء الإعلامية ضد مشجعي النادي الأهلي، وتصنيف الفريقين الكبيرين وفق مقاييس الرعونة الأمنية، فالأهلي كالإخوان، بينما الزمالك كالسلفيين، قبل أن ينتهي الموسم بافتعال أزمة مع أبو تريكة بمناسبة تهنئة النادي الأهلي له بعيد ميلاده، وسبق هذا الهجوم عليه لأنه خالف تقاليد المهنة عندما خرج من إستوديو قناة «بي إن سبورتس» انظر من يتحدث عن المهنة؟!

والحقيقة، إن الموسم لم ينته بهذا الهجوم العاصف من «عمرو أديب» ضد أبو تريكة والنادي الأهلي، فقد سبق كتابة هذه السطور، محاولة صاحبة «ثورة البيض» التي فجرتها على قناة «صدى البلد» الدخول بملهاة جديدة، فقد أعلنت «فريدة الشوباشي» تأذيها من تداخل أصوات المؤذنين للصلاة وافتقادها للجمال، حيث تصلها بحسبانها تسكن بالقرب من منطقة شعبية، ولأنها تدرك أنه قد يتم الرد عليها بأن وزارة الأوقاف اعتمدت الآذان الموحد في المساجد بصوت كبار القراء للقرآن الكريم، فأخذاً بالأحوط لعدم فساد «بيضتها» هذه المرة، فقد أعلنت أنها ولكونها نائبة في برلمان الغبراء، سوف تتقدم بمشروع قانون لتجريم ارتداء النقاب!

ذلك بأننا أفسدنا عليها «ثورة البيض» مبكراً، لتنقلب عليها، فقد كان المستهدف وهي تتذكر طفولتها البائسة، أن تتحرش بنصوص المواريث في القرآن الكريم، فوالدتها كانت تعطيها «بيضة» في الإفطار، بينما تختص شقيقها الذكر بـ «بيضتين» وهي تستغل في ذلك جهل الناس بعملية تحولها الديني، فهي من أسرة مسيحية، وقد اعتنقت الإسلام بعد ذلك، وبالتالي لا يجوز تحميل تصرف الوالدة – إن صحت الراوية – على الإسلام وأحكام الميراث، من حيث أن للذكر مثل حظ الأنثيين!

الخواجة والحمار

ومن هنا فقد كانت «الوصلة الجديدة» هي بمثابة وصلتين، واحدة بخصوص النقاب والثانية عن الآذان، إن خسرت «بيضة» فلن تخسر الأخرى، وإن كان لابد من أن تقدم لنفسها، كما فعل «إبراهيم عيسى» في برنامجه على قناة «القاهرة والناس» فقد قال إنه يحترم القرآن، قبل أن يعلن عن تأذية من سلوك الصيدلي الذي ينشغل بقراءة القرآن الكريم عن مطالعة «مرجع الدواء» فقد قالت هي إنها كانت قديماً عندما تسمع الآذان بصوت الشيخ عبد الباسط عبد الصمد يقشعر بدنها، لتذكرني بقصة قديمة لمدرس اللغة العربية، وكان يشرح لنا دلالة اختيار الرسول صلى عليه وسلم لسيدنا بلال مؤذناً، وقوله لأحد الصحابة كان يريد أن ينافسه على هذا الشرف: «إن بلال أندى منك صوتاً»!

فقد قال المعلم نكتة تبدو إنها من تأليفه، فقد كان «خواجة» يمتطي حماراً مع أحد المصريين ومرا على سرادق عزاء يقرأ فيه الشيخ عبد الباسط عبد الصمد، فسأل «الخواجة» ماذا يكون هذا؟ فلما أجابه بأنه قرآن المسلمين دخل الخواجة في دين الله. وفي الطريق تصادف أن كان سرادقاً آخراً يقرأ فيه الشيخ «عبد الرؤوف عطعوط» وكان قارئاً محلياً معروفاً بأنه أجش الصوت، فحرض المصري الحمار على الإسراع وهو يخشى من أن يكفر الخواجة ما دام دخوله للإسلام كان بسبب جمال صوت الشيخ عبد الباسط!

والحال كذلك، وإن ظهر أن تحول فريدة الشوباشي ليس مرده لرغبتها في الزواج من اليساري «علي الشوباشي» فبدنها كان يقشعر لحلاوة صوت عبد الباسط، فقد تمنيت أن تكون الأصوات المتداخلة للمؤذنين سبباً في فك الارتباط، لتستريح وتريح!

وا إسلاماه:

الملاحظة المهمة أن حملات الإلهاء هنا تبتعد عن الأزمات الحقيقية للناس، لأن المقصود بها هو الإلهاء عن هذه المشكلات، ولهذا فان الدين هو الموضوع فيها، لاستفزاز الرأي العام واستنفاره تحت راية «وا إسلاماه» فإذا كان لـ «فريدة» رغبة في الحديث عن «البيض» فقد كان الوقت مناسباً للحديث عن ارتفاع سعره مع بداية العام الدراسي، ولأسباب غير مفهومة، رغم أن الجهات المختصة بشرتنا بعد عام من الانقلاب العسكري بإنجاز هائل لأهل الحكم تمثل في الاكتفاء الذاتي من البيض، وبعد عام نشر نفس الخبر: «مصر تحقق الاكتفاء الذاتي من البيض». ولم يكن مصدر الغرابة في تكرار الخبر، لكن في دلالته، فمبلغ علمي أن مصر لم تكن تستورد البيض لكي يكون الاكتفاء منه خبراً!

ولولا أن المستهدف هو الإثارة لكان الحديث عن الاهتمامات الحقيقية للصيادلة، فهذا يقرأ في القرآن، وغيره مشغول بقراءة الصحف، وبينهما من هو ينصب اهتمامه على هاتفه الجوال، ليقودنا هذا إلى هبوط التعليم فصار الصيدلي ليس أكثر من بائع، يختلف عن البائع في محل البقالة من حيث اختلاف السلعة، وهو حديث يمكن أن يقود إلى التعرض لشح الأدوية المهمة للأمراض المزمنة وعدم توافرها في الأسواق، لأن تعويم الجنيه وارتفاع سعر الدولار حال دون استيرادها!

لقد تحقق لـ»عيسى» ما يريده من أن يكون موضوعاً للجدل، ولو كان في حكم من بال في بئر زمزم بغرض الشهرة على النحو الذي ذكره الشيخ محمد الصغير في قناة الجزيرة مباشر!

ومما يؤسف له أن جماعات «وا إسلاماه» على منصات التواصل جاهزة دائما لتحقيق أماني هؤلاء من حيث رد الفعل، والانشغال بما قالوه، فتقدم لهم – بذلك- خدمة جليلة، حيث يؤكدوا نجاحهم في المنوط بهم من مهام، يقف خلفها المالك الحقيقي للقنوات التي يعملون بها، مع الوضع في الحسبان أن عمرو أديب لا يعمل في قناة مصرية، فمَثل قناة «إم بي سي مصر» كمثل قناة «تن» المملوكة لدولة الإمارات العربية، وإن بدت من حيث الشكل قناة مصرية؛ ملكية وتمويلاً!

وأعترف بفشل كل محاولاتي لقطع الطريق على هذا الزخم في ردة فعل جماعات «وا إسلاماه» بل إن ما أقوله يستخدم مادة في مد أجل الملهاة! وكما حدث في ثورة البيض، حدث كذلك في موضوع أبو تريكة، حيث سارعت مبكراً للقول إن هذا التربص به سيأتي بمفعول عكسي ليكون هو البديل المحتمل لعبد الفتاح السيسي، فهل يعقل أن هذه الانتفاضة ضده وضد النادي الأهلي سببها، مجرد تهنئته بعيد ميلاده من قبل النادي؟!، وإن كان الناقد الرياضي أحمد سعد لفت الانتباه في مقابلة تلفزيونية إلى أن شركة «بريزنيشن» المملوكة للجيش هي من تدير إعلام الأهلي، لدرجة ان مجلس إدارة النادي فشل في إذاعة بيان له في قناة «الأهلي» بعد أن تخلى عن إدارتها لهذه الشركة المحتكرة. لتبدو هناك علامة استفهام حول التهنئة في حد ذاتها!

فلماذا هذا العام الذي تكون فيه التهنئة، وإدارة النادي برئاسة محمود الخطيب، تدرك حساسية وضع أبو تريكة، لدرجة أنه لم يلتقيه عندما جاء للدوحة، فهل نشر التهنئة استهدف هذا الهجوم من قبل عمرو، ومن ثم يتحقق الهدف بإغراق منصات التواصل في «دوامة الإلهاء» وهي المنصات التي يعمل لها رأس السلطة في مصر ألف حساب؟!

عندما قلت إن هذا الهجوم هو في جوهره لصالح أبو تريكة ويجعل منه مرشحا محتملاً لرئاسة الجمهورية إذا جدت في الأمور أمور، كانت أمامي واقعة الإصرار على إحالة القاضيين هشام البسطويسي ومحمود مكي للمحاكمة بسبب انتفاضة القضاة في عهد مبارك، تمهيداً لفصلهما، وقال أحد المؤازرين في خطابه إن خسرناهما قاضيين فقد كسبناهما مرشحين لرئاسة الجمهورية، فهرولت السلطة في اتجاه إلغاء القرار، وقام وزير عدلها بدور الوسيط لدى رئيس مجلس القضاء الأعلى صاحب قرار الإحالة، وقد رفض الرجل حتى فتح باب منزله لاستقبال الوزير بادعاء أنه ليس بداخله، ولم يسحب قراره إلا بعد ضغوط شديدة!

إن السلطة التي تستخدم محطاتها التلفزيونية في الإلهاء لا تعرف من أين تأتيها الضربة القاضية!

وسوم: العدد 955