تضخُّم الشخصية

نعلم أن من أمراض الجسم الخطيرة تضخّم بعض أعضائه كالكبد أو الطحال، فهو يؤدي إلى اختلال في توازن الأعضاء، وإلى متاعب وأمراض يعرفها الأطباء.

لكنّ هناك نوعاً من المرض النفسي هو تضخم الشخصية، حتى تتمدد، في نظر صاحبها، حتى قد تشمل الكون بأسره. وهذا ما يسمى بالتضخّم العام للشخصية، كمن يُصاب بالسمنة المفرطة لكل أجزاء جسمه. وهناك تضخم نفسي نوعي، تبقى معه جوانب الشخصية الأخرى سليمة. فتجد مَن تضخّمت شخصيته في شعوره بجماله، فهو يرى نفسه ممشوق القدّ، رشيق القوام، لا يقع الطرف على أجمل منه صورة، ولا تفتح العين على أتمّ منه حسناً، قد جُنَّ بهذا الشعور جنوناً، فهو يديم النظر في المرآة، ويبالغ في الأناقة في ملبسه ومشيته وحركته، وإذا خرج إلى الشارع ظن أنْ لا شغل للناس كلهم سوى النظر إلى جماله وحسنه.

ونجدُ آخر قد جُنَّ جنوناً فرعياً في اعتقاده بكفايته العقلية أو الأدبية أو الإدارية، فهو يرى أنه قُطب أهل العلم والفن، وعميدُهم وإمامهم، ورأيُه مَقطَعُ الحق ومفصَل الصواب، قد استبطن دخائل العلم واستجلى غوامضه، واختصّ بأسراره، فلم يمنحها إلا له، ولم يقِفْها إلا عليه. وهو في جيله نسيج وحده وإمام عصره، لولاه لغاب نجم العلم وخبا ضوؤه، وتاهت الجماعة التي هو جزء منها في جهالات وغياهب شتى، وهو وحده نصير الحق ورافع راية الصواب، وويل للناس إذا هدأ صوته أو خرجت روحه.

وهو في إدارته سياسي حازم، صادق العزم، ثابت العقد، إذا قصد أمراً عرف كيف يهيّئ له أسبابه، ويتوخّى وجوه نجاحه، والحكومات كلها فاشلة لأنها لم تستند عليه، والشعب مغفل لأنه لم يُولّه قيادته.

ثم تراه، فيما عدا جنونه الفرعي أو تضخّمه الجانبي، عاقلاً فيما يَعرِض له، حكيماً فيما يتصرّف فيه، وهو في دراسته وقراءته ذكي نبيه. وعموماً إذا أنت لم تمسَّ ناحية جنونه أمِنتَ له، واطمأننت إليه، وأحسنت تقديره. أما إذا قاربت موضع المرض منه سمعتَ سُخفاً يثير عَجَبَك، ويستخرج ضحكك. وتقع في حيرة من أمره: في جنونه وعقله، وسفهه وحكمته، وحُمقه وكياسته، وفسقه وتقواه!.

تضخّم الشخصية مرض يصيب توازن النفس، كما يصيب تضخمُ عضو من أعضاء الجسم توازنه، ويمنع صاحبه من رؤية الحقائق كما هي، بل يراها كما يمليه عليه مرضه وجنونه.

وخير الناس، في نظره، مَن سايره في اعتقاده وأشعل نار جنونه. وخير الآراء عنده ما غذّى شعوره بالعظمة، وإحساسه بالنبوغ، والحديث المقبول عنده هو ما دار حول كماله ونقْص غيره، وعبقريته هو، وسخف مَن عداه.

والمصيبة الكبرى أن نرى بعض مَن أصيبوا بداء العظمة قد واتتهم الفرصة ليشغلوا مكان القادة في جماعتهم أو في دولتهم، وأصحاب الأمر والنهي والسلطان.

في حين تقتضي صحة الشخصية أن يعرف الإنسان قدر نفسه مع التواضع، ويعرف لأصحاب الفضل فضلهم، ولأصحاب السابقة سابقتهم، فيُوقّر العالم والكبير، ويعطف على الضعيف والمسكين، ولا يحقّر أحداً لمجرد أنه خالفه في رأي أو اجتهاد.

وسوم: العدد 956