إدانة الروس على مكرهم

كاتبة المقال "ندى علي عرب" من ريف حمص، من الطائفة العلوية، محللة سياسية، خريجة دورة قيادة مركزية في مدرسة الإعداد الحزبي لحزب البعث العربي الاشتراكي 

يبدو أن هناك من أومأ لها بالكتابة، فهي معروفة بقربها من أوساط النظام السوري ومن الداعمين والقريبين منه.

المقال:

كنت أود أن يكون العنوان (العتب على الروس) لكن الواقع خرج من دائرة العتب إلى دائرة الإدانة .. لنعد إلى الوراء قليلا.

- لم يأت الروس إلى سورية كفزعة مساعدة ضد الإرهابيين وحسب، بل درسوا الموضوع دراسة مستفيضة، ثم وافقوا، يدفعهم إلى ذلك عدة عوامل منها:

- أن روسيا كانت مركونة ومعزولة دوليا، ودخولها إلى سورية يضعها في صدارة أخبار واهتمام العالم .. وهذا ماحصل.

- ومنها أنه لم يكن لروسيا موطئ قدم في البحار الدافئة، وفي البحر المتوسط على وجه الخصوص، فرأت أن سورية هي أقرب بلد متوسطي لتنشئ فيه قواعد لها بحرية وجوية .. وكان لها ما أرادت.

- ومنها أنها تمتلك أسلحة بحاجة إلى تجريب واختبار عملي، والمسرح السوري هو الساحة المناسبة، فكانت تضرب مقرات الأوباش من البحر الأسود (تقصد بحر قزوين) إلى الرقة، آخذة بعين الاعتبار الشرط الإيراني بعدم مرور الصواريخ فوق الأماكن الآهلة بالسكان .. لذلك اختبرت برمجة صواريخها للالتفاف حول المدن وتم اختبارها بنجاح.

 - ومنها أنه توجد في سورية ثروات نفطية وغازية ومعدنية واعدة ، إلى جانب حصولها على الجزء الكبير من كعكة إعادة الإعمار والاستثمار .. وحصلت على ما أرادت.

- ومنها أنها كانت معزولة عن المشاركة في القضية الفلسطينية والوضع العربي الإسرائيلي، فجاءتها الفرصة لدخول هذا المعترك، وضمنت أمن اسرائيل منذ البداية ودخلت في اللعبة.

- وبحساب المصاريف والنفقات قال بوتن: إن نفقاتنا في سورية لا تعادل نفقات إحدى مناوراتنا السنوية في روسيا .. وهذا صحيح.

وبحساب الأمن قال بوتن أيضا: أن أقاتل الإرهاب في سورية أفضل من قتاله في شوارع موسكو، ولا أريد أن يسمع ٥٠ مليون مسلم روسي صوت الآذان في أنقرة.  إذن جاء ليتقي الإرهاب في بلده ويدافع عنه.  

ماذا حصل بعد ذلك؟ 

جاء الروس وقاموا بدور مشكور في البداية .. وبعد أن تمكنوا تمددوا وصاروا يتصرفون كأهل البيت في كل شاردة وواردة مدنية وعسكرية واقتصادية وسياسية.

أخذوا قاعدة حميميم الجوية، ومرفأ طرطوس كقاعدة بحرية، وأخذوا الفوسفات وأخذوا عقود استخراج النفط والغاز وعقود الإعمار، وصاروا يمرجحوا فينا.

لقد مر الشعب السوري والحكومة السورية بضائقات كثيرة .. سياسية وعسكرية واقتصادية.

ولكن ماذا فعل الروس تجاهها؟

الضائقة السياسية:

عالجوها باجتماعات أستانة (خفض التصعيد) وكان من نتائجها أن استعادت النصرة أنفاسها مع باقي التنظيمات المسلحة، ومكنت نفسها، واستغلت ذلك تركيا فأدخلت جيشها خلافا لاتفاقات أستانة وغضت روسيا النظر عن غدر أردوغان مقابل مصالحها، وكان الجيش السوري على قاب قوسين أو أدنى من تحرير إدلب، لكن اتفاقات أستانة منعته. 

الضائقة العسكرية:

عندما هاجم الأوباش تدمر ومناطق أخرى، كان رتل آلياتهم العسكرية يمتد عدة كيلومترات ورأينا ذلك بالتلفزيون.

فكيف لم ترصد أقمارهم الصناعية هذه الأرتال وتضربها قبل أن تصل إلى أهدافها؟ 

في حين أن أقمارهم ترصد طلقة الرصاص الفارغة لو أطلقها جندي أمريكي في أية غابة!!

وكيف تتجاهل العدوان الإسرائيلي الدائم على سورية رغم أنه تسبب في إحدى المرات بسقوط طائرة عسكرية روسية على متنها ١٥ ضابطا!

أعطتنا صواريخ ٣٠٠ وأبقت مفاتيح الإطلاق معها.

الضائقة الاقتصادية: 

كانت وما زالت تتمثل بأزمة المحروقات، وروسيا أول بلد بالعالم منتج للنفط والغاز، فلو جاءت باخرة أو بواخر نفط وغاز، من يجرؤ على مصادرتها أو منعها من الوصول للسواحل السورية؟

إيران أوصلت ٥ بواخر إلى فنزويلا رغم الحصار، وما زالت ترسل الوقود إلى سورية.

فما الذي منعها؟

ألا تعلم حاجة السوريين للطاقة هذا الشتاء؟ فماذا فعلت؟

 خاصة أن ضمانات الدفع بين يديها وستأخذها لاحقا دون مسامحة.

وفي المجال الاقتصادي أيضا فإننا نذكر الحرائق الهائلة التي أتت على الغابات والأشجار المثمرة والمزروعات في سورية، وتم إطفاؤها بشق النفس ولم نرَ مساعدة من روسيا، في حين عندما اشتعلت الحرائق في تركيا واسرائيل، أرسلت روسيا طائرة الإطفاء العملاقة وساعدت البلدين العدوين لنا في عملية الإطفاء ولم تكترث لحرائق سورية.

ثمة تفصيلات أخرى جارحة لا يستوعب المقام ذكرها.

 لذلك لا يلومنني أحد إن شممت رائحة الختل والمكر والثعلبية في التصرف الروسي على أرض وطني وشعبي.

ودائما تكون الصرخة بحجم الطعنة.

وسوم: العدد 957