من عيادة الطب النفسي

جمعني لقاء مع طبيب نفسي، وهو صديق قديم لي، يعمل في فرنسة منذ أكثر من عشرين سنة. واستفاض بنا الحديث حتى ذَكر لي بعض الحالات المرضيّة التي يواجهها في عيادته... قال:

في إحدى الحالات كان هناك أسرتان صغيرتان، تتكون الأسرة الأولى من زوجين، عمر الزوج أربعون سنة، وعمر زوجته ثمانية وثلاثون، وليس لديهما أولاد. وتتكون الأسرة الثانية من زوجين وولدين، عمر الزوج خمسون سنة، وعمر زوجته تسع وأربعون.

وكان بين الأسرتين صداقة، فكثيراً ما تزور إحدى الأسرتين الأخرى، ويتبادلان المجاملات وأحاديث السمر في مختلف شؤون الحياة.

قرر الزوج ذو الأربعين سنة السفر إلى كندا مدة شهر أو أكثر قليلاً، وطلب من زوجته أن ترافقه فرفضت!. وهنا تبرعت زوجة الآخر أن تكون هي رفيقته في سفره!. وهنا قالت زوجة الأول: وأنا أقيم عند زوج صديقتي إلى أن ترجع من السفر مع زوجي!.

وهكذا حدث التبادل بين الأزواج بالتراضي!.

لكن المشكلة أن زوجة الثاني التي سافرت إلى كندا، انسجمت مع الشاب الذي سافرت معه، وفي الوقت نفسه بدأت تحسُّ بالغيرة، فلقد تركت زوجها مع زوجة صديقها الشابة الجميلة، وصحيح أن كلا الزوجين يجامع زوجة الآخر، بعلم الجميع ورضاهم، ولكن الغيرة شيء آخر.

أما الزوجة الشابة، زوجة الأول، فلم يتحقق لها الانسجام مع الرجل الآخر الذي جاوز مرحلة الشباب.

بعد بضعة أشهر صارت المشاعر تتأزم، والغيرة تشتعل في القلوب. وحين راحت الزوجة الكهلة تعاتب زوجها على شدة تعلقه بزوجة صاحبه الشابة أجابها: لم أعشْ شبابي من قبل، بل تعلّقتُ بك والتصقت بزواجي منك منذ مطلع شبابي، والآن أريد أن أعوّض وأن أنتقل من زهرة إلى زهرة!.

وكان على الطبيب أن يعالج مشاعر الاكتئاب ومشاعر الغيرة عند مرضاه هؤلاء!.

***

وفي حالة ثانية يأتي رجل إلى الطبيب ليشكو له ما يعاني من اكتئاب!. يقول: إنه من المثليين (وهو الوصف الذي يطلقونه على الشواذ جنسياً) ويأتي صديقه إلى بيته ويمارس معه الجنس، بعلم زوجته. وهي تتفهم ذلك، وتقدِّر رغبة زوجها هذه! وفي الوقت نفسه فإن الزوجة تنشئ علاقات مع بعض الأصدقاء، لكن الرجل يحس بقلق داخل نفسه ولا يرتاح لهذه العلاقات، ويرى أن ليس لها "معاشرة" الآخرين. وهو يطلب من الطبيب أن يعالج وضعه النفسي، ويهدئ من قلقه، ويخلّصه من الاكتئاب الذي يحدث له نتيجة ذلك!.

***

وفي حالة ثالثة: زوجان موظفان، وعندهما بنت في الرابعة عشرة من عمرها، وقد بردت مشاعر الحب بين الزوجين، حتى إن الزوجة منذ سنة كاملة لم تمكّن زوجها منها! وهذا "حقٌّ" لها يكفله القانون. بل إن هذه الزوجة تذهب في عطلة نهاية الأسبوع لتبيت عند صديق لها!.

والزوج لم يتقبّل هذه الحال: أتمتنعين عني، وتنامين عند غيري؟!. وبلغ الغضب عنده مرةً أنْ ضربها ضرباً مبرحاً!. اشتكت الزوجة على زوجها، فحكمت عليه المحكمة بالسجن شهراً (مع وقف التنفيذ)، وبأن يعالج نفسه عند طبيب نفسي مدة سنتين، وأن يقدّم إلى المحكمة تقريراً شهرياً عن علاجه.

أراد الطبيب أن يخفف من اكتئابه فقال له: إن شعورك برفض الحال التي عليها زوجتك، وبغضبك إزاء ذلك... شعور طبيعي... فقاطعه المريض وقال: بل أنا المخطئ، وهي على صواب!.

إنه يعاني من الصراع بين الشعور الفطري السليم الذي يجعله يعترض بقوة على سلوك زوجته، وبين قناعته العقلية بصحة القانون الذي يحكم على سلوك زوجته بأنه سلوك سليم.

***

وفي حالة رابعة يأتي رجل عمره ستون سنة ليقول: أصبحت في هذه السنّ ولم يبق بيني وبين الموت إلا خطوات.

وتوقع الطبيب أن تكون بقية الحديث: لذا قررت أن أعتنق الإسلام فهو الدين الحق الذي ينبغي أن أعيش به، وأن أموت عليه. أو، في أقل تقدير، أن يقول: قررت أن أتردد على الكنيسة لأروي شيئاً من عطش الروح!.

لكن المريض تابع كلامه على غير ما توقع الطبيب. قال: قررت أن أستمتع بما بقي من حياتي. فطلّقتُ زوجتي وبدأت أستحضر نساء روسيات، أتمتع بالواحدة منهن شهراً أو أكثر، ثم أصرفها!.

قال الطبيب: وهل كانت زوجتك التي طلّقتها جميلة؟! قال: نعم، ولكنني أحب في نهاية عمري أن أعاشر عدداً كبيراً من النساء ولا أقتصر على واحدة!. وقد مضت عليّ قرابة سنتين على هذه الحال، ثم صرت أشعر بوخزة في صدري واضطرابات في نبضات القلب، فعرضت نفسي على طبيب في أمراض القلب، وأجريت الفحوص المطلوبة وكانت نتيجة ذلك أن قال لي طبيب القلب: ليس فيك داء عضوي، وإنما مشكلتك نفسية، وعليك أن تراجع طبيباً نفسياً!.

تعقيبات:

1- الحالات المذكورة، ولها نظائر كثيرة جداً في عيادات الطب النفسي في بلاد الغرب، ليست مستغربة في تلك البلاد، وإن كانت مستغربة على الفطَر السليمة.

2- وهذه الحالات تنطوي على التعارض بين فطرة الإنسان التي تقتضي أن تقتصر العلاقات الجنسية على الزوجين، فيما بينهما، ولا تكون بشكل منفلت... وبين القوانين، والأعراف السائدة في الغرب، التي تتجه نحو الإباحية.

3- قد يعجب الإنسان من وجود هذا الفساد في تلك البلاد، وإلى جواره فساد في نواح كثيرة: في العقيدة والتصور، وفي الفن والسياسة والاقتصاد... ثم تبقى تلك البلاد قوية وتتمكن من احتلال بلادنا سراً وجهراً!. والجواب على ذلك أن لدى تلك البلاد، بشعوبها وحكوماتها ومنظماتها، قدر، ما يزال كافياً، من مقومات القوة: كاحترام الوقت والقانون وكرامة الفرد والنظافة والنظام... بينما في بلادنا يحدث التهاون المشين في التعامل مع هذه القيم، فنكون ممن يعلن انتماءه إلى دين الحق والعدل والخير... لكنه يفارق أحكام هذا الدين وتوجيهاته في كثير من تعاملات أفراده ومؤسساته، والمشتكى إلى الله. فمتى؟ متى نعود إلى ديننا عَوداً جادّاً لننعم بالعزة والكرامة والقوة والسؤدد؟!.

وسوم: العدد 957