علاج السكري والضغط بـ «كباري الجنرال»: اكتشاف جديد في مصر!

يبدو أنني كنت على موعد من الفكاهة، لكني لم أكن موفقاً عندما ذهبت بعيداً!

فبينما أتنقل بين القنوات الفضائية المختلفة، وصلت إلى القناة الأولى المصرية، وكان برنامج «التاسعة مساء» الذي يديره يوسف الحسيني، المذيع الاحتياطي للزميل وائل الإبراشي، شفاه الله وشفى كل مريض، وكان الضيف هو عوض تاج الدين، وقد تجاوزته بدون الاستماع إلى صوته، فليس في وجوده ما يحرض على البقاء، ولم أكن أعلم أنه كان يقدم فقرة من البرنامج الفكاهي القديم «ساعة لقلبك» عذري أنه ليس في «تاج الدين» ما يوحي بذلك، وقد شغل منصب وزير الصحة في عهد مبارك، والمعروف عنه حينذاك، أنه كان يُقَيل في مكتبه، مع التأكيد أن أوقات القيلولة عنده لم تكن ثابتة، على النحو المعروف، إ كان يمكن أن يدخل في قيلولة صباحاً!

ويكفي نظرة إلى ملامحه لتقف على أنه لا يأخذ القدر الكافي من النوم أبداً، وقد كان وزيراً فاشلاً، ولهذا اختاره السيسي مستشاراً له لشؤون الصحة والوقاية، وإن كان الاجماع منعقداً على أنه «طبيب شاطر» في تخصصه، ولعل حالته كاشفة على فشل ما يسمى بحكومة التكنوقراط، التي تعامل معها اليسار السوداني على أنها اختراع جديد بعد الثورة، مع أننا نعيش في كنف هذه الحكومات منذ الخمسينيات، بعد أن ألغت الانقلابات العسكرية السياسة في أوطاننا، فلم نجن سوى الفشل، ليكون النجاح استثناء وحالات فردية، وكان طبيعياً أن تفشل حكومة السودان مبكراً!

ابحث عن وزيرة الصحة:

ولأن منصب المستشار ليس تنفيذياً وبالتالي فإن اجراء مقابلة تلفزيونية معه ليس مما يشد إليه الرحال، إلا أن وجود «عوض تاج الدين» على الشاشة مطلوب، في بلد اختفت فيه وزيرة الصحة في ظروف غامضة، فقد أذيع أن الرقابة الإدارية ألقت القبض على فريق مكتبها، بتهمة تقاضي رشوة ونحو ذلك، ونشر أنها جاءت من لقاء حضره عبد الفتاح السيسي لتجد رجال الرقابة في مكتبها يقومون بالمهمة، فأغمى عليها، وتم نقلها على إثر هذا إلى مستشفى استثماري، على نحو يكفي قرينة على فشل منظومة المستشفيات الحكومية التي تديرها! في تقاليد عمل الرقابة الإدارية، لا يتم القاء القبض على موظف كبير في وزارة ما إلا بعد احاطة الوزير علماً بالأمر، احتراماً لمقامه، لكن أزمة السلطة الحالية إنها تصعد أناساً دون المستوى للمناصب العليا ثم تستخف بهم، كما حدث مع الوزيرة الحالية التي لم تكن سوى سكرتيرة لوزير الصحة في عهد حكم الإخوان، لكن ممارساتها بعد الانقلاب كانت سبباً في اختيارها لهذا المنصب الرفيع، عندما أغلقت مكتب الوزير ووضعت مفاتيح في حقيبتها حتى لا يدخل الإخوان المكتب، وانبهرت الأجهزة الأمنية بذلك، وكان يكفي أن تصرف لها «علاوة استثنائية» على هذا العمل الجليل، أو أن ترقى درجة وظيفية، لكنه في دولة «القامات المنخفضة» جرى اختيارها وزيرة!

بعض الخبثاء – ولسنا منهم بطبيعة الحال – أرجعوا إغماء الوزيرة إلى إنه «تمثيلية» لأن الرقابة أطلعتها على أنها متورطة في القضية، ولا أسلم بذلك فمن وجهة نظري، أن الوزيرة ولأنها امرأة «نجمها خفيف» ولأنها في قرارة نفسها لم تستطع أن تعيش اللحظة، ولا تزال تشعر أنها مجرد سكرتيرة فقد تصرفت على إنها امرأة بسيطة؛ هالها أمر فأغمي عليها!

لقد أصدرت النيابة العامة بياناً تطالب فيه الاعلام بتحري الصحة في ما تنشره عن هذه القضية، لكن منذ أن أصبحت عقدة الأمر بيد النيابة لم تصدر بياناً بمجريات التحقيق، وخرجت الوزيرة من المستشفى، وأفاد التقرير الطبي إنها لم تكن سوى «مخضوضة» من الخضة، لكن المثير إن الوزيرة منذ ذلك التاريخ 26 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، اختفت تماماً، فلا نعرف إن كانت في حكم المقالة، أو المستقيلة؟ كما لا نعرف إن كانت مدانة أم بريئة؟ وقد أمسكت كل الأجهزة الرسمية عن الإدلاء بمعلومات حول ما نشر عن قضية الفساد هذه!

حضور عوض:

وفي هذا الغياب، فإنها فرصة للمستشار الصحي لرئاسة الجمهورية «عوض تاج الدين» أن يتمدد في الفراغ، وأن يمتع المشاهدين بشكل غير مسبوق!

لقد احتفت الصحف الرسمية بمواقعها الإلكترونية بما قاله الوزير في حلقة «التاسعة مساء» لأدرك أنها لم تفوتني إلا من ذنب أصابني، فقد كان النوم بعد هذه «الوصلة» الفكاهية أمراً يحتاجه المرء، عندما ينام بعد «نوبة ضحك» منبسط الأسارير! الوزير السابق، والمستشار الحالي، تحدث وأفاض عن المشروع القومي للكباري والجسور، الذي يتبناه السيسي، وقد احتارت البرية في هذه الانفاق المبالغ فيه بتشييد الكباري، وبإسراف، وبكلفة عالية للغاية، وفي مناطق لا تحتاجها، حتى بدت في كثير من الضواحي كما لو كانت بهدف تدمير طبيعتها واخفاء معالمها وانزالها من مكانتها، مثل ضاحية مصر الجديدة الراقية، التي تعد آية في التخطيط والتنظيم يُضرب به المثل!

وإذ احتارت البرية في الدوافع وراء هذا المشروع القومي غير المسبوق، إلا أن المستشار الصحي برئاسة الجمهورية خالد الذكر «عوض تاج الدين» أجاب فأفاض بأن الهدف هو العلاج من السكري وضغط الدم، ونشرت جريدة «الوطن» ذلك بعنوان براق: «كيف ساهم تطوير الطرق في خفض معدلات الإصابة بالسكر؟ تاج الدين: يجيب». الاسهام الذي نشرته الصحف بصياغات مختلفة مثل توقع الشفاء من مرض السكر بسبب الكباري!

ومن الواضح أن الشفاء وخفض الإصابة لا علاقة له بسيولة المرور تؤدي إلى توقف الشد العصبي، المؤدي حسب كلام الوزير للإصابة بالسكري، فالخليج لا توجد فيه أزمات مرورية ومع ذلك به نسبة مرتفعة من الإصابة به، والمعنى أن الكوبري كحالة هو سبب العلاج، لأنه يقوم بدور أضرحة أولياء الله الصالحين، التي يزورها الطالب بهدف النجاح، والعانس بغرض الزواج، والعاقر من أجل الانجاب، وهي مهمة ستقوم به كباري الجنرال!

ليلة الجنرال عبد العاطي:

وهو أمر ذكرنا بالليلة التاريخية من ليالي مصرنا الحبيبة، عندما جاء وزير الدفاع عبد الفتاح السيسي وقيادات الجيش في صحبة رئيس الجمهورية المؤقت عدلي منصور، وكان المتحدث هو عبد العاطي الذي منحه القوم رتبة اللواء لاختراعه العلاج الشهير للفيروسات بالكُفتة والذي تبناه الجيش!

ليلتها كنت على الهواء في برنامج «المشهد المصري» ومعنا ممثلا عن المرحلة المحامي محمود عطية، وعندما انتهى التقرير كنت قد دخلت في حالة ضحك، فشلت في السيطرة عليها، الأمر الذي دفع عثمان آي فرح لنقل الميكروفون إلى جاري بالجنب، وكانت ليلة مسخرة من العلاج الثقيل، وتأكيداً على حقوق الملكية الفكرية فان عبارة العلاج بالكفتة التي شاعت وراجت بعد ذلك هي لعثمان آي فرح! وإذ تواصل معي اللواء عبد العاطي بعد ذلك، فقد أرجع كل الاستخفاف الذي جرى له بعد ذلك إلى شخصي، فلما ذكرته بأنني بريء من ذلك، لأنني لم أعلق أصلاً، قال ليتك علقت إن حالة الضحك التي دخلت فيها هي السبب في كل ما جرى لي.. تصور إنك علقت ماذا كان يمكن أن تقول؟

ومن عبد العاطي إلى تاج الدين يا قلبي لا تحزن. فيا له من انقلاب يمثل المادة الخام للفكاهة!

سطور أخيرة:

ندرك منذ البداية أنه من ضمن مخطط النظام الإنقلابي في مصر، اخلاء منطقة وسط البلد لصالح صاحب القسمة والنصيب، وقد لا تكون الإمارات سوى واجهة لشركات إسرائيلية، تماماً كما كانت شركة أمريكية واجهة لشركة إسرائيلية، اشترت ارشيف مؤسسة الأهرام الصحافية لصالحها.

وندرك إنه كما تم اخلاء مجمع التحرير التاريخي استعداداً لتأجيره لمدة نصف قرن، سيحدث الأمر بالنسبة لمبنى ماسبيرو، لكن اللافت هو أن هذه السلطة تضن على المحالين للمعاش بهذا المبنى من العاملين السابقين في الإذاعة والتلفزيون بمستحقاتهم المالية من مكافآت نهاية الخدمة إلى غير ذلك، فقد توقف صرفها منذ عام 2018، وقد احتشد فريق منهم داخل المبنى مؤخراً هتفوا ضد ما وصفوه بـ «إعلام العار»!

إنها سلطة تأكل مال النبي.

وسوم: العدد 960