حرية لـ”هالة زايد”… الحرية لـ”هالة سرحان”… الحرية لـ”كل هالة”!

وإذ فجأة تذكرت هالة سرحان، وهناك جيل جديد، ربما تفتق وعيه في السنوات الأخيرة، ولا يعرف من هالة سرحان!

فهالة، التي كانت نجمة تلفزيونية كبيرة اختفت بعد الانقلاب العسكري في ظروف غامضة، أو هكذا بدا لي، فلم أعرف متى اختفت على وجه الدقة، فالأحداث المتلاحقة منذ الثورة المصرية، هي السبب في سقوط كثير من الأشخاص والأحداث من الذاكرة، وآخر عهدي بها أنها كانت تقدم برنامجاً تلفزيونياً، فقد عادت للشاشة الصغيرة بعد الثورة، وكانت قد منعت قبلها بقرار من وزير الداخلية حبيب العادلي، وكانت ككل الإعلاميين في هذه المرحلة تتحدث باسم الثورة، في ما سمي بظاهرة “التحول الإعلامي”، فكل إعلاميي مبارك باعوه، إذ تبرأ الذين اتًّبعوا من الذين اتُّبعوا، ورأوا العذاب وتقطعت بهم الأسباب، والعكس هو ما سيحدث في يوم القيامة، إذ يكون العذاب مضاعفاً، فالجناة هم من يعلنون البراءة من ضحاياهم. وإذا سقط السيسي الآن فسوف يسارعون في لعنه كما فعلوا مع مبارك!

ظاهرة التبرؤ من مبارك والالتحاق بالثورة كانت عامة، وإذا كان مقبولاً في حالة هالة سرحان، فليس مقبولاً بالنسبة لآخرين، بما في ذلك “سلفتها” السابقة لميس الحديدي، التي ذهبت لميدان التحرير تضامناً مع الثوار، لكنها طردت من هناك، فهالة قامت الثورة وهي ممنوعة بقرار من السلطة، وعندما قامت كانت الحديدي هي “نجمة المرحلة”، والمسؤولة الإعلامية عن حملة مبارك الانتخابية.

الناقد الرياضي علاء صادق هو ثاني إثنين منعا من التقديم التلفزيوني بقرار من حبيب العادلي، وكان طبيعياً أن يعودا للشاشة بعد الثورة، ولأنني لست مهتماً بشؤون الملاعب، فلا أعرف إن كان علاء قد عاد اليها أم لا؟ لكني شاهدته خطيباً في أيام الثورة على منصة ميدان التحرير، والمقطوع به أن هالة سرحان عادت للشاشة، وتماهت مع الثورة، باستضافة المحسوبين عليها والمؤلفة قلوبهم، ولعل نشاطها امتد للهجوم على حكم الإخوان، فمتى – يا إلهي – منعت من التقديم، ولماذا هي الوحيدة التي خرجت ولم تعد؟!

ساويرس ونيوب الليث

للحقيقة، أنها ليست الوحيدة، فريم ماجد، التي شاركت في حملة الهجوم على الحكم الإخواني، كانت كما عمرو حمزاوي، نجم جبهة الإنقاذ، فلما ألقى السيسي بيانه نفض يده منهم، وقال إنه انقلاب، ولأن ريم تربت في بيت عسكري، فربما كانت الأكثر وعياً من مخاطر حكم العسكر، فوالدها جنرال، وشغل منصب رئيس المحاكم العسكرية، هكذا عرفت من إثنين من المحامين الذين كانوا يحضرون أمامه في القضايا الخاصة بأعضاء الجماعات الإسلامية، وقد عُرف بالقسوة في سلوكه، والشدة في أحكامه!

ولم ينس الحاكم العسكري لريم هذا الموقف، وبعد وقت طويل من الاعتزال، وعندما تم الإعلان عن أنها ستعود لشاشة “أون تي في”، في برنامج عن المرأة وبعيداً عن السياسة، كان الرد العسكري حاداً إذ تم الإعلان عن إلغاء فكرة البرنامج بقوة السلاح، بل إنهم ضغطوا على مالك القناة نجيب ساويرس فتخلص من مديرها، الذي كان داعماً لفكرة عودة ماجد، ومن عادة ساويرس أنه إذا رأى نيوب الليث بارزة، فإنه لا يتردد في أن يلقي له الفريسة لينشغل عنه، وعندما تم ترحيل الإعلامية اللبنانية في قناته ليليان داود، بشكل مهين، وبملابس البيت وفي واقعة أقرب للاختطاف، لم يتدخل، بحسب ما كتبته هي!

وهناك سبب آخر وراء التخلص من ألبرت شفيق، مدير “أون تي في” هو أنه ينسب له نجاح القناة، وكان المخطط هو إفشالها، لكن بعد ذلك تعامل أهل الحكم وفقاً للحكمة الخالدة “ضربة بالفأس ولا عشرة بالقادوم”، فاستحوذوا على القناة، وعندما فشلوا في إدارة القنوات التلفزيونية التي استحوذوا عليها استدعوا شفيق، وعينوه رئيساً لشبكة قنوات “أون”، وهو الاسم الجديد لقناة نجيب ساويرس سابقاً، وقد أضافوا لها قنوات أخرى فأصبحت شبكة وليست مجرد قناة!

ورغم أن تعيينه كان في يونيو/حزيران الماضي، إلا أنه لم يُظهر كرامة، لأن الإعلام لا ينجح إلا حيث وجدت الحرية، أو على الأقل في وجود هامش معقول منها، وقد فشل، كما فشل كل الذين عادوا للشاشة من جديد بعد إعادة تدويرهم، بدءاً من لميس الحديدي، وانتهاء بإبراهيم عيسى، ومروراً بتوفيق عكاشة، فلا أحد يصنع من الفسيخ شربات!

وإزاء هذا الفشل الحتمي، فقد أعلنت الحديدي عن برنامج داخل البرنامج، وعن برنامج “الفرصة” ليكون ضمن برنامجها، وهو برنامج مسابقات لتوزيع الجوائز على الفائزين، ولم يبق لها إلا أن توزع عليهم زيتاً وصابوناً، اقتداء بالإخوان الذين كان إعلام الثورة المضادة ينسب نجاحهم في الانتخابات لتوزيعهم السلع التموينية على المواطنين!

علم فلسطين

ما علينا، فقد استمر الجميع يقدمون برامجهم إلا هالة سرحان، ومن أوقفوه أعادوا تدويره من جديد، فقد فشلت مهمة أهل الحكم في صناعة أذرع إعلامية جديدة، فقرروا استدعاء الاحتياطي، ولم تعد “هالة سرحان”، يبدو أن من بيدهم عقدة الأمر، انتصروا بإبعادها لقرار زعيمهم المفدى حبيب العادلي!

وليس هذا هو الموضوع، فقد اشفقت على هالة من تذكري لها، وبالتجربة فإن من أتذكره بعد نسيان، فان أمره يكون بين احتمالين، الأول أن أراه، والثاني أن يرحل عن دنيانا الفانية، وإذا كان الاحتمال الأول غير وارد، فإن ما يخفف من جرعة التشاؤم من الاحتمال الثاني، أن تذكرها لم يكن بدون مبرر، فالذي ذكرنا بها منسق حركة تمرد سابقاً، وعضو برلمان السيسي حالياً، وقد كتب منشوراً يهاجم فيه لاعبي النادي الأهلي لأنهم رفعوا علم فلسطين بعد فوزهم في الدوحة، فتذكرت أن الفتى من قلة تعد على أصابع اليد الواحدة التي تحسب على ثورة يناير، ومع ذلك ينالون الرضا من الانقلاب إلى الآن، ويغدق عليهم الحاكم العسكري بالمنح والامتيازات. أحدهما نشأت الديهي، الذي كان يتقرب من حكم الإخوان بالنوافل!

وقد تذكرت مداخلة للفتى مع هالة سرحان إبان حكم المجلس العسكري، هاجم فيها العسكر بقسوة، وقال فيهم ما قال مالك في الخمر، واتهمهم بقتل الثوار!

واللافت أن هجومه على رفع علم فلسطين يمثل مذكرة تفسيرية لهجوم إبراهيم عيسى في برنامجه على قناة “القاهرة والناس” عليهم، والذي أرجع رفع العلم إلى تغلغل جماعة الإخوان المسلمين داخل النادي الأهلي، وإلى أن “أبو تريكة” هو من يدير النادي. وكأنه أراد أن يكرم الإخوان بذلك، وقضية فلسطين ليست حكراً عليهم، فالضباط أيضاً يتعاملون مع قضية فلسطين على أنها تخصهم، وبرروا لحركتهم في سنة 1952، بأنها رداً على خيانة الحكومات القائمة لقضية فلسطين، لكن يبدو أن العسكري الذي يدير القوم مختلف عن عسكر زمان، وهو ما ظهر في هجوم الفتى، عضو البرلمان، عندما بكت من رفعوا علم فلسطين وذكرهم بأن (الرئيس) تبرع بـ 500 مليون دولار لإعمار غزة، وخصص رقم هاتف لتلقي التبرعات. فما شأن (الرئيس) بالموضوع، إلا أن تكون الرؤوس المبطوحة، وقد تحسسوها فكان هجوم إبراهيم عيسى، والمذكرة التفسيرية للغلام، لهذا الهجوم!

عموما لن أذكر الفتى بما قاله في برنامج هالة سرحان ضد العسكر وحكمهم وقتلهم للثوار الشرفاء، حتى لا أجدني مضطراً، لإضافة “هالة” إلى “هالة”، وأنا أقود حملة لمعرفة مصير وزيرة الصحة هالة زايد، المختفية قسرياً منذ الإعلان عن القاء الرقابة الإدارية القبض على موظفين في مكتبها متلبسين بالفساد، وذلك منذ شهرين، وقد انقطعت أخبارها تماماً، وذروها كالمعلقة، فلا هي وزيرة ولا هي سجينة، وإذ كان شعار الحملة “الحرية لهالة زايد”، فلن يكون مناسباً أن يكون و”الحرية لكل هالة”!

لماذا يتعاملون مع رفع علم فلسطين على أنه نكاية في السيسي؟

وسوم: العدد 961