الذين آمنوا وعملوا الصالحات

ما أشد احتياج مجتمعنا إلى ماكان عليه المسلمون في عصر النبوة ، والنسج على مغزلهم ، فتلك فضيلة سامية ، ومزية لها مكانتها عند الله سبحانه وتعالى . لن ندرك ماكان عليه أصحاب نبينا صلى الله عليه وسلم ، من صحبة ومكانة عالية في الأخذ بسُنة المصطفى صلى الله عليه وسلم ، ولكن :

( وتشبهوا إن لم تكونوا مثلهم ... إن التشبه بالكرام فلاحُ )

كانوا كما تذكر السِّير المحمودة مصاحفَ يمشون على وجه الأرض ، تمتعوا بجميع الصفات الحميدة والأخلاق الفاضلة والقيم التي أفاضت بها آيات الذكر الحكيم ، والأخلاق التي تحلى بها الرسول صلى الله عليه وسلم في جوانب حياته كلها . ( وإنك لعلى خلق عظيم ) . إن ماكان عليه الأصحاب الكرام رضي الله عنهم أجمعين خلقت مجتمعا فاضلا ، لم ترَ الحقب التاريخية مثله أبدا ، فكانوا رجال قيام في الليل ، ورجال جهاد في النهار ، وما شاعت في ذلك المجتمع الرباني أنواع الموبقات التي شاعت في مجتمعنا المعاصر ،  ولا انتشرت الفاحشة التي ملأت أخبارها الآفاق ، ومهما ذكرنا من شيوع ماحرم الله فلن نحصي إلا النزر القليل ، ولا يخفى حال مجتمعنا على ذي عينين . وإلى الله المشتكى ، وهو المستعان ولا حول ولا قوة إلا بالله . وإن المولى تبارك وتعالى قضى أن المجتمع إذا فشت فيه الكبائر ، وانتشر الفجور والسفور والخمور ... وغير ذلك مما يعرف الناس جميعا من المهلكات ... فإنه سيُدَمَّر  بأي وسيلة من وسائل التدمير الإلهية ، وإن أخْذَ اللهِ لشديد ، ويمهل ولا يهمل ، ويمد للظالم مهما كان حتى إذا أخذه لم يفْلتْهُ .

    ومتى يفسد مجتمعنا بالذات ؟ الجواب معلوم لدى الجميع ، إن مجتمعنا على امتداد المعمورة أصابه الفساد ، واعتراه الهوان ، وأخذت بتلابيبه الأهواء عندما نأى عن دينه القويم ، وأخلاق نبيه الكريم ،  فأصبح المجتمع يعيش في دوَّامة الحضارة الفاسدة ، وعادات الذين  جانبوا القيم الهادية إلى سواء السبيل ، فالحضارة والتقدم لدى الأمم في عصرنا هذا لهما وجهان ، وجه إيجابي والثاني سلبي ، وبمعنى أدق للحضارة المعاصرة فوائد عديدة ، ولها مساوئ كثيرة ، والمشكلة أن الأهواء تستعذب الأخذ بالمساوئ ، لِما فيها من إغراءات وشهوات وتفلت ... ووو ... وما أكثر حروف العطف لمفردات معجم الأهواء والمخالفات التي يعاني من أضرارها الجسيمة مجتمعنا اليوم .

    بشَّر النبيُّ صلى الله عليه وسلم مجتمعه الحاضرين في مجلسه ، بأن رجلا يدخل الآن عليهم وهو من أهل الجنة ، فدخل أحد الناس المسجد وقطرات ماء الوضوء تتحدر من لحيته ، وأعاد البشارة نفسها في اليوم ثم في اليوم الثالث ، مما دعا أحد الصحابة أن يتعرف على العمل الذي أدخلة الجنة ، فبات عنده ثلاث ليالٍ ، فلم ير من الرجل المزيد من عمل الصالحات ، فذكر له بشارة النبي صلى الله عليه وسلم له بالجنة ، وقال : مابتُّ عندك إلا لأرى ما الذي تصنعه حتى أدخلك الله به الجنة ، قال الرجل : ماهو إلا مارأيت ، فلما أدبر الضيف ، ناداه الصحابي المُبَشَّرُ بالجنة وقال له : لكني  أبيت إذ أبيت وليس في قلبي غش على أحد من المسلمين ، ولا أحسد أحدا على نعمة آتاه الله تعالى إياها ، فأجابه الصحابي الزائر له : هذه التي بَلَّغَتْكَ ...

    بشارة نبوية عظيمة ، وجائزة نفيسة بسبب عدم غش الناس ولا حسدهم ، فتلكم من القيم الاجتماعية العالية ، وما أغلى تلك المزايا التي يتمتع بها المجتمع المسلم ، وبها تنزل الرحمات ، وبسببها ينصر الله المسلمين ، وإنما النصر من عند الله ... ويكون بالطاعات وبالباقيات الصالحات ، يقول الله تعالى : (وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ(  47/الروم . والإيمان بالله يدعو للأخذ بما أنزل الله وعندئذ يتحقق وعد الله : ( وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ * إنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنصُورُونَ * وَإنَّ جُندَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ(  171 / 1 /73 الصافات . فالعمل بمقتضى الإيمان ، وتهذيب الأنفس بالأعمال الصالحات ، باب من أبواب رضوان الله تبارك وتعالى ، ووعد بالنصر والتمكين يقول سبحانه : ( وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا ) 55/النور . وفي الحديث عن ثوبان رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( لاتزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق ، لايضرهم مَن خذلهم حتى يأتي أمر الله وهم كذلك ) رواه مسلم .

وسوم: العدد 961