لا وجود لوقت بدل الضائع في حياة الإنسان

لا وجود لوقت بدل الضائع في حياة الإنسان عموما وفي حياة الإنسان المسلم خصوصا ولا وجود لفرص بدل الضائعة

راقني  فيديو وافاني به أخ كريم  فاضل تشبه فيه دقائق الزمن بمال يصرف لكل إنسان يوميا لكنه إن لم ينفقه يسحب منه بعد انصرام ذلك اليوم من عمره ، فأوحى إلي ذلك بمعالجة ما يسمى بالوقت بدل الضائع ، وهي عبارة تستعمل في لعبة كرة القدم حيث تمكّن الفرق الرياضية المتنافسة من بعض الدقائق التي تضيع منها خلال الوقت المخصص للمباريات ، وكثيرا ما يحدث في هذا الوقت البدل ما لا يحدث في زمن المباريات حيث تسجل أهداف الفوز أويحدث التعادل أو تنقلب كفة الخسارة إلى فوز والعكس صحيح.

ولقد طاف بي خاطر بعيدا، فجعلت أفكر في هذا الوقت بدل الضائع الذي يخصص للعب ، وأتساءل ماذا لو وجد مثله في الجد ؟ وهل يغني في الجد كما يغني  في اللعب ؟ إلا أنه حضرني قول الله عز وجل : (( وأنفقوا مما رزقناكم من قبل أن يأتي أحدكم الموت فيقول ربي لولا أخرتني إلى أجل قريب فأصدق وأكن من الصالحين )) ، إن هذه القول الذي حكاه الله عز وجل، وأجراه على لسان المحتضر النادم  حين يحين رحيله عن هذه الدنيا ، يدل على طلبه وقتا بدل الضائع ليستدرك بعض ما فاته في عمره من وقت ولم يكسب فيه خيرا أو عملا صالحا إلا أنه مع الأسف لا يمكّن من  فرصة الوقت بدل الضائع  حيث قال الله تعالى، وهو أعدل حكم  ردا على طلبه : (( ولن يؤخر الله نفسا إذا جاء أجلها والله خبير بما تعملون )) .

ودعوة الله عز وجل الخلق بالإنفاق مما رزقهم في أجل محدد قدره لهم لا يقتصر على إنفاق المال بل يشمل الإنفاق من كل ما رزقهم من وقت وجهد ... وغير ذلك ، وعليه فاللعبة في خوض الخلق غمار الحياة الدنيا ـ إن صح أن نسميها لعبة تشبيها لها بلعبة كرة القدم  ـ هي أن يسجلوا أكبر عدد من الأهداف ، وأن لا يقعوا إلا في القليل من المخالفات  الموجبة للعقوبات .

وحضرني أيضا إلى جانب قول الله عز وجل قول رسوله صلى الله عليه وسلم : " اغتنم خمسا قبل خمس ، شبابك قبل هرمك ، وصحتك قبل سقمك ، وغناك قبل فقرك ، وفراغك قبل شغلك ، وحياتك قبل موتك " . إن قوله عليه الصلاة والسلام  في آخر هذا الحديث " حياتك قبل موتك "، فيه تحديد للوقت المخصص لخوض غمار الحياة ،والذي ليس فيه وقت بدل الضائع . وقوله  في بداية الحديث " شبابك قبل هرمك"، فيه  تنبيه إلى اغتنام فرصة القوة في العمر قبل حلول الضعف ،فإذا كان لاعبو كرة القدم  عادة ما يجدّون في تسجيل الأهداف في اللحظات الأولى من انطلاق المباريات، فلأنهم يدركون جيدا  أن قوتهم البدنية ستضعف أو تفتر في اللحظات الأخيرة منها ،  فكذلك يجب أن يفكر الإنسان المسلم  في تحصيل الخيرات، وعمل الصالحات ،وهو في أوج شبابه لأنه لا يقوى على ذلك في هرمه  ،ولهذا أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم باغتنام الشباب قبل الهرم.

وإذا ما تأملنا بعد ذلك أمره عليه الصلاة والسلام بالاغتنام ما بين أول الحديث وآخره ، نجد أنه ركز على اقتناص الفرص ساعة تحين قبل أن تضيع، لأنه لا وجود لفرص بدل الضائعة ، ذلك أن فرصة الصحة لا يمكن تعويضها عند حلول السقم ، وفرصة الغنى لا يمكن تعويضها عند حلول الفقر ، كما أن فرصة الفراغ لا يمكن تعويضها عند حلول الشغل . ولا يمكن أن يطلب الإنسان فرصا بدل الضائعة من شباب ،أو صحة ، أوغنى،  أو فراغ ، أوحياة .

إن تنبيه  الإنسان عموما والمسلم خصوصا إلى انعدام   تعويض الفرص  الخمس التي ذكرها رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا ما أتيحت أمر في غاية الأهمية في هذا الزمن الذي ساد فيه عدم اكتراث معظم الناس بما يتاح  من فرص لا تستغل على الوجه الأمثل  حياة، وشبابا ، وصحة ، وغنى ، وفراغا ، وهذه الخمس يقيدها الوقت ويتحكم فيها ، وهو يسير سير قطار ينطلق من محطة الانطلاق نحو محطة الوصول دون توقف فيما بينهما من محطات ، أو يطير طيران طائرة ، تطير من مطار الانطلاق إلى مطار الوصول دون نزول فيما بينهما من مطارات.

وأولى الشرائح بهذا التنبيه شريحة الأحياء من الشباب الأصحاء، الأغنياء، الذين لهم فرص فراغ ،لأن حظوظهم من الاغتنام الذي أمر أو نصح به رسول الله صلى الله عليه وسلم أكبر من حظوظ من اقترب أجلهم وقد هرموا، واعتلوا ،وافتقروا ، وضاعت منهم فرص الفراغ  التي كانت متاحة لهم من قبل  .

فهل سيلقي شبابنا المسلم بالا إلى قضية انعدام الوقت بدل الضائع في حياة الإنسان ، وقضية انعدام بدل الفرص الضائعة فيها أيضا  ، ويعيرون هذا الأمر أهمية أم أنهم سيمضون في تضييعها واحدة تلو الأخرى حتى تحين ساعة الندم ولات حين مندم  ؟

وسوم: العدد 962