مجتمعنا، بين أصالته وبين ثقافة التغريب العالمية

لمجتمعنا الذي نعيش فيه ، ونتعامل مع أبنائه ... ثقافته وعاداته وأنماط حياته ، ولَكَم تفخر أنفسُنا وتنتشي عندنا نتذكر مالأيامنا السالفات من قيم ومكانة عالمية وآداب يشهد لها التاريخ وتتباهى بهـا الأيام . وما من مجتمع إلا ويكتسب من المجتمعات الأخرى شيئا من ثقافتها وعاداتهما ، وهنا يكمن سر محافظة مجتمعنا  العربي والإسلامي بشكل عام على ثقافته الإسلامية وعلى عاداته التي الأصيلة التي أمر ديننُا بالأخذ به والمحافظة عليها . ودخول بعض الثقافات التي تنافي ماعليه مجتمعنا الكريم ، يرجع إلى هيمنة الدول الاستعمارية التي تسلطت على البلاد ، وأغرت بعض الناس للأخذ بثقافة غريبة عن فطرتنا و واقعنا بل ، وعن مآثر ديننا الحنيف ، وفي الوقت الذي نشاهد فيه أنصاف المثقفين من أبناء جلدتنا ينحازون إلى الثقافات الغربية بكل مافيها من خلل ، نرى الكثير من مفكري تلك الثقافات يعلنون تبعيتهم لثقافتنا التي بنتها شريعة الله في كل المجالات . فهاهم أكابر مفكري الغرب يعلنون إسلامهم ، ويفتخرون بأن الله سبحانه وتعالى هداهم إلى الصراط المستقيم .

والحكمة ضالة المؤمن ، فأنَّى وجدها فهو الأحق بها ، وهذه الحكمة ــ بالتأكيد ــ لاتخالف بحال من الأحوال ثقافتنا وأصالتنا وقيمنا السامية ، وإنما هي من قيم الفطرة التي فطر الله الناس عليها ، ( ألا يعلم مَن خلق ) . إن الله سبحانه خلق الخلق ، وهيَّأ لهم أسباب الفلاح والنجاح ، ومهد لهم سبل الأمن والسلام والطمأنينة ، وحذرهم من الانزلاق في متاهات العبث اللاإنساني في حياتهم الدنيوية ، ومن اتباع وساوس الشيطان الرجيم ، وساوس إبليس التي أخرجت أبوينا من الجنة عند بدء الخليقة . فثقافتنا حصن حصين ، وظل أمين يجب أن لايُخترقَ ، ولا يُنسَى من الحماية ، ويجب أن تُمنع كل المحاولات البائسة لاختراقه أو طمسه : ( ودُّوا لو تكفرون كما كفروا  ) ، فلن ترضى ثقافتنا بهذا الخسران وبهذا الانحدار المريع (فتكونون سواء ) ، وتلك بغيتُهم التي يسعون إليها لتجريد مجتمعنا الفاضل من أسمى القيم وأغلى المكانة ( فلا تتخذوا منهم أولياء ) وهذا تحذير من التخلي عن قيمنا بل ووجودنا ، إذا ماتخلى مجتمعُنا عنهما  ( ولا تتخذوا منهم وليا ولا نصيرا ) 89/ النساء . ولعل الأيام أثبتت لأتباع التغريب أن ثقافة أمتهم وتاريخها الحافل بالإنجازات العالمية الرائعة في كل ميادين الحياة ، جعلتهم اليوم في حيرة من أمرهم ، فمنهم مَن آبَ إلى رشده ، ومنهم مَن عاند نفسه وكواها بنار  الانكسار الذي يعاني منه الحائرون . وسنظل ندعو الله لهم بالأوبة الحسنة إلى أحضان فطرتهم ، وإلى قطوفها الدانيات اليانعات ، وأن يشاركوا أبناء مجتمعهم في عمليات البناء لِمـا هدم الأعداء من صروح أمتنا ، ومن مجدها وحضارتها الإنسانية .

ولا قيمة لنتائج بعض الاجتهادات وبعض الآراء حول أمور فرعية لاتمس جوهر العقيدة التي جاء بهـا الوحي هدايةً ورحمة للعالمين . وصدق النوايا وحيوية السعي للأفضل  تمنع الزيغ والهوى من انجراف المرء في تيارهمـا مهما بدا له من تلبيس شياطين الإنس والجن في تزيين صغائر الباطل وتقديمها على أنها من الأصول .  فإن لابن مجتمعنا ذاته الكريمة ، وشخصيته التي صاغتها ثقافته الخالدة على مدار الحقب المديدة ، ولا تزال في نضارتها وجلالها ، وقوة ارتباطها بمواردها التي لايأتيها الباطل ، ولا تطمسها ظلمات الأحداث الجِسام التي تمر بها الأمة في أي عصر من العصور . فلقد حفظ الله لأمتنا قرآنها الكريم وسُنَّة نبيها صلى الله عليه وسلم ، ومكَّن لأبنائهـا الثبات في قرارة أنفسهم وستبقى هذه الروح تسري في جسد الأمة ، حيث تصغي في آناءِ ليلها ونهارها إلى نداءات الفطرة وهي تحمل رفيف  الحنين إلى عهود الأمجاد وإلى مدارج الرفعة والعزة التي ألبسها الله لهذه الأمة . وهنا يندحر اليأس ويتلاشى الهوان ، وتهب الأمة من جديد لتأخذ مكانها الذي تستحقه ، ودورها الإنساني الذي كانت به خير أمة أُخرجت للناس . قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تَزالُ طائفةٌ مِن أُمَّتي على الحَقِّ ظاهرينَ، لا يَضُرُّهم مَن خالَفَهم حتى يَأتيَ أمْرُ اللهِ). والبشارات كثيرة تؤكد أن العاقبة الحميدة لهذه الأمة رغم كل الأهـوال التي اجتاحتها في الحقب الأخيرة ، وإن الله ليتوب على التائبين مهما كانت خطاياهم ، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( لو أخطأتم حتى تبلغ السماء ، ثم تبتم لتاب عليكم ) رواه ابن ماجة . وعنه رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( قال الله عزَّ وجلَّ : أنا عند ظن عبدي بي ، وأنا معه حيث يذكرني ، واللهِ للهُ أفرحُ بتوبة عبده من أحدكم يجد ضالته بالفلاة ، ومَن تقرب إليَّ شبرا تقربتُ إليه ذراعا ، ومَن تقرب إليَّ ذراعا تقربتُ إليه بـاعًـا ، وإذا أقبل إليَّ يمشي أقبلتُ إليه أهرولُ ) رواه مسلم .

بالتوبة والرجوع إلى الله ، والأخذ بمقتضيات التوبة الصادقة للفرد المسلم ذكرا كان أم أنثى وللأمة أيضا ،  تعود ثقافة الأمة إلى طبيعتها  ، والمياه ـــ كما يقولون ـــ إلى مجاريها ، وليس ذلك على الله ببعيد ، والأمة ـــ بلا ريب ـــ مؤهلة لحمل رحمة الله للعالمين ،  وما التوفيق إلا منه سبحانه .

وسوم: العدد 964