إسرائيل في مواجهة الحقيقة الفلسطينية .. ماذا بعد ذلك ؟!

إسرائيل في جملتها ضحية كريهة للكذبة التاريخية الكبرى التي تأسست عليها ؛ كذبة الأرض الخالية ، وأن اليهود شعب بلا أرض ، فلتكن هذه الأرض لهم من دون بقية البشر حتى أدناهم جغرافياً إليها من العرب والمسلمين . والحقائق لا تختفي أو تموت بتجاهلها وإنكارها ، وهذا ما آلت إسرائيل إليه مع الحقيقة الفلسطينية ، وهي أن في فلسطين شعبا عربيا توارثها أحفادا عن أجداد من آلاف السنين . في الانتفاضة الأولى في 8 ديسمبر 1987كانت أول مواجهة بين إسرائيل وبين الحقيقة الفلسطينية . كثيرون في العالم تساءلوا : من أين جاء هؤلاء المنتفضون ؟! وفي إسرائيل ذاتها وجد من تساءل ذات التساؤل خاصة بين المهاجرين الجدد الذين لا يعرفون حقيقة وجود الدولة التي أُغروا بالهجرة إليها . وبدأت تظهر أصوات في إسرائيل تتحدث عن وجود فلسطينيين ويهود تحت سقف واحد ، فليتقاسم الطرفان البيت . وأخمد اتفاق أوسلو المآلات الإيجابية التي كان من المحتم أن تتمخض عنها مواجهة إسرائيل الأولى للحقيقة الفلسطينية ، وفتح لإسرائيل نافذة التقاط نفس . وعادت الحقيقة الفلسطينية إلى الانفجار  في 30 سبتمبر 2000 في الانتفاضة الثانية التي أوقفت بنتيجة لا غالب ولا مغلوب في الضفة والقدس ، وبانسحاب إسرائيل من غزة بفاعلية المقاومة المسلحة التي كانت تقصف المستوطنات بقذائف الهاون ، وتقتحمها أحيانا وتقتل وتجرح ما تصل إليه من المستوطنين والجنود . ولأن الحقائق جمر يتوهج تحت الرماد ؛ عادت الحقيقة الفلسطينية تواجه إسرائيل في أربع حروب مع غزة في اثني عشر عاما  ، وهو معدل لا شبيه له في التاريخ ، وفي عمليات مقاومة جريئة في القدس والضفة تتابعت بين الأسلوب المسلح والشعبي السلمي  ، وهي الآن في أوجها . وحركت حرب غزة الرابعة ، حرب الأيام الأحد عشر ، فلسطينيي الداخل المحتل ، وأججت شعورهم القومي الذي استبان في ابتهاجهم وافتخارهم بشجاعة وبراعة أداء غزة القتالي ، واشتباكهم في المدن المختلطة مثل اللد والرملة مع من يجاورهم من المستوطنين اليهود الذين فر بعضهم من هذه المدن ، ومازال يتخوف من العودة إليها . وارتاعت إسرائيل قيادة وإعلاما ومستوطنين من قوة وصدق تجاوب فلسطينيي الداخل المحتل مع إخوانهم في غزة ، واستفاقت على جسامة إخفاقها في قتل شعورهم بالانتماء إليهم .وارتياعها يعري إفراط خطأ حساباتها ورداءة حكمها على الحقائق والأمور ، فكيف ترتاع من ترسخ شعور الانتماء بين أبناء شعب واحد هو الشعب الفلسطيني ، وهي التي اجتهدت منذ وجودها الاعتسافي على خلق شعور انتماء وتوحد بين أكثر من مائة جنسية من يهود وغير يهود حشرتهم في فلسطين ؟! وتأتي انتفاضة فلسطينيي النقب الرافضة لاستيلاء إسرائيل على ال 5 % الباقية في أيديهم من أرضهم تعزيزا وتأييدا للحقيقة الفلسطينية المتغورة الجذور في عمق الأرض الفلسطينية . ولرعب إسرائيل من انتفاضتهم ، انتفاضة ال300 ألف فلسطيني ، وإن اقتصرت أحداثها حتى الآن على قريتي سعوة وصواوين ؛فإنها واجهتها بقوة مفرطة ؛ بالرصاص المطاطي وبالكلاب وبشرطة الخيل والمياه العادمة والضرب العنيف والسحل والاعتقال حتى للأطفال.وفي ذات الوقت تجتهد للتغلب على المقاومة في القدس والضفة بالتنسيق مع السلطة الفلسطينية  والأردن ومصر بحلول اقتصادية تغييبا للحل السياسي الذي تخافه خوف الموت لما يحتمه من سيادة فلسطينية على الأرض وحق في تقرير المصير . والسؤال المُستنتَج مما سلف : إلام تتجاهل إسرائيل الحقيقة الفلسطينية التي يرسخها 8 ملايين فلسطيني بين النهر والبحر في مواجهة 6 ملايين مستوطن يهودي وغير يهودي جلبوا من شتى بقاع المعمورة ؟! قوى كثيرة في العالم صحت على ضراوة وهمجية عنصرية إسرائيل وحقيقة اغتصابها لوطن شعب آخر؛ بتأثير  ثورة المعلومات التي فجرتها وسائل الاتصال الحالية السريعة التي تجمع بين الكلمة والصوت والصورة في نقل الأحداث ، والتي صارت متاحة لكل طبقات الناس على تباين مستوياتهم التعليمية والمعرفية ، وفي كل اللحظات وفي كل الأماكن . وحتما ستتواصل صحوات المزيد من القوى والفعاليات العالمية على أهوال عنصرية إسرائيل وجرائمها التي بزت عنصرية نظام جنوب أفريقيا الأبيض البائد . وبطريقة أو بأخرى ستنتهي إسرائيل أسوأ مما انتهى إليه ذلك النظام ؛لأنها فعلا أسوأ منه وأغبى منه مهما اجتهدت في إظهار فنون البراعة والتذاكي والتحايل على الحقائق التي ما من سبيل للتحايل عليها وتجاوزها . لا أحد يستطيع مواجهة الحقيقة الفلسطينية والانتصار عليها ، فليس سهلا سرقة وطن وإنكار وجود أهله فيه ماضيا  وحاضرا ومستقبلا .  

                                 *** 

ليس من الصواب في الإعلام الفلسطيني والعربي  مجاراة الحكومة الإسرائيلية وإعلامها العنصري في وصف فلسطينيي النقب بالبدو الذي هو جزء من توصيفاتها لسائر الفلسطينيين في الداخل مستهدفة توكيد أنهم أشتات سكانية لا أواصر بينهم ، وأن مستوطنيها المجاليب هم الموحدون عرقا وهوية . البداوة نمط معيشي ، والهوية الوطنية لا تميز بين الذين توحدهم وفق نمط معيشتهم ، والموحد لكل الفلسطينيين مثل سواهم من الشعوب هو فلسطينيتهم  العربية ، وأهل النقب  حزء أصيل خالص من هذه الفلسطينية . وإسرائيل هي سبب مستوى معيشتهم الحالي لاستيلائها على 95 % من أرضهم ، وحرمان مناطقهم من البنية التحتية ، ورفض الاعتراف بالعديد من قراهم ، ومحاربة كل ما يؤدي لاستقرارهم ليكونوا دائما مهيئين للإبعاد من وطنهم .  

وسوم: العدد 964