لماذا يبهرنا فكر الدكتور الترابي

تفرد الترابي ليس قاصرا على سعة علمه ودرايته بالفقه والدين وتفجيره للثورات التي حررت شعبه من دياجير الأنظمة المستبدة, ولكن لأنه سعى لأن ينجي السودان من وهدة التخلف. لأنه سعى رغم الانقلاب الذي أملته ظروفا يعرفها القاصي والداني ألا تعرف أمته وسيلة للاستحواذ على السلطة غير الانتخاب. ولأنه كان يحمل بين طيات عقله وسائل تدفع بهذا البلد الذي تركض فيه المصائب وتتسابق إليه النكبات لمسار يجعله يتوهج ويضئ ويسير بخطى ثابته نحو التقدم والرفاه والتنمية المستدامة..ولأنه رغم أن رهطه أتوا على ظهر دبابة رمت بهم داخل ردهات القصر الجمهوري لكنه دشن الآليات والأطر التي تجعل الحكم لا يتم إلا بضوابط صارمة تململ منها المخلوع البشير ولم يطق الإذعان لها فانقلب على صاحبها وآل على نفسه ألا تتكاثر أفكاره بشكل كبير..فتصاعد الشعور القومي المتنامي والمتعطش للمشاركة السياسية أمرا كان يعتبره المشير البشير من المستحيلات. ولأنه أخذ أو سعى لايجاد النظام الديمقراطي الذي يعني طريق الانتخابات النزيهة ومشاركة جميع أطراف المعادلة السياسية بشتى انتماءاتها العقدية والأيديولوجية..ولأنه وضع أيضا اللبنات لدستور دائم تعددي ينظم السلطة ويمنع أن يتم اختطافها أو تكون حكرا على فئة..ولأنه سعى لإصلاح القضاء ومراعاة قدسيته ونزاهتة ورفض أن تكون قوانينه ومبادئه قائمة على صروح الليبرالية..ولأنه رفض أن تعتمد هياكل اقتصاده على مؤسسات البنك الدولي واملاءات صندوق النقد الدولي الذي لا ينشد غير اجهاض التنمية  في الدول التي تنشد النهوض ولا يحافظ إلا على هيمنة الامبريالية ودول المكاسب..ولأن الترابي سعى لبلورة الشخصية السودانية وتأكيد مطامحها وتعميق اتجاهاتها نحو التحرر والانعتاق من رهق الماركسية العجفاءوجعلها شديدة الوثوق بدينها , تملك في جعبتها ما يجعلها تتشبث بالرفض السلبي لكل ما يتضاد مع مسلماتها وعقيدتها..ولأن الترابي حينما فشل مشروعه تحدث في شفافية عن الأسباب التي أدت بهذا المشروع إلى الانحسار وبرهن أنه كان سليم القصد في تعددية أفضى بها الطاغية لحكم مفرد..رغم مآخذنا عليه رحمه الله  في خطاباته تلك التي كانت تطفح بالحنق والوعيد وهي الفترة التي تناوب على قراءتها واسترجاع أحداثها وإستلهام العظة والاعتبار من عقابيلها.

الترابي أيها السادة فهم راسخ وعميق ونضال دائب من أجل التغيير ومناهضة كل طرح أو أيديولوجية تهدف لطمس هوية الأمة..لهذا ولكل ما سبق نمجد فكر هذا الرجل ونحتفي بارثه ونتباهي بلوذعيته ولا يعنينا في شيء إذا أنكر علينا منكر..سنظل نكتب بشكل مستمر عن تواتر العوامل التي صنعت هذه الشخصية المحورية وعن التفافات ذهنه وعن العثرات التي أودت بمشروعه.

وسوم: العدد 967