بوركت أعمال الخير في زمن الشدائد

أجـل بوركت أعمال الخير في زمن الشدائد ، حيث تكون الحاجة ماسةً لمساعدة أولئك الذين يعانون ، ويحتاجون للطعام واللباس والمأوى ، في مثل هذه الأيام التي اشتد بردها ، وتساقطت ثلوجها ، بل قل قد انهمرت تلك الثلوج حتى أهلكت بعض الناس ، فازدادت الحاجة إلى تفعيل الحملات الخيرية بين أبناء الأمة ، أمة التراحم والتآخي والتكافل ... ولا بد من أن تثبت هذه الحملات الخيرية والإعلامية جدارتَها وهي تقف في مواجهة الكوارث التي يشاهدها الناس في الصباح والمساء ، والمشاهد المؤلمة الصادمة . فالعمل الخيري هنا هدفه نبيل  ، وغايته سامية ، ورسالته واضحة ، ومكانته عند الله سبحانه وتعالى عالية ، وأهل الخير ممَّن يتصدون لهذه الأعمال هـم في كنف الله ورضوانه ، وكم نحن بحاجة للرجوع إلى قيم العمل الخيري في كتاب الله سبحانه وتعالى ، وفي سُنَّة نبيِّه صلى الله عليه وسلم ، لنرى ماكان عليه الآباء والأجداد من جود ومن إيثار ، ومن إغاثة للملهوف المحتاج . وفي الوقت الذي لم يقصر فيه علماؤُنا الأبرار في خطبهم الجُمَعِيَّةِ ، وفي أحاديثهم اليومية في المجالس الخاصة والعامة ، نرى أهمية الزخم الإعلامي المسؤول في تذكير الناس بضرورة التعاون ، والقيام بنجدة إخوانهم الذين يفترشون الأرض ويلتحفون السماء ، فالله في عون العبد مادام العبد في عون أخيه . ولعلها الحملة الإغاثية التذكيرية ، فمساعدة المتضررين عمل إنساني كريم ، وواجب ديني قويم ، وهذه الحملات تدل على مافي قلوب أهل الخير من إيمان بالله يحفزهم للبذل ، ومن رحمة تملأ صدور هم فتنهض بعزائمهم إلى مواطن الفاقة ، وبيئة الآلام والأحزان ، وهنا تكون المسارعة المباركة في تقديم الخير بكل أنواعه ، يقول الله تعالى : (أُولَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ ) ، فبورك هذا السباق في ميادين التراحم بين أبناء الأمة . ويتأكد هذا المعنى في آيات كثيرة ، ( وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ۚ ذَٰلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ ) . وكل مايقدمونه في هذا السباق سيجدونه في صحائف أعمالهم يوم لاينفع مال ولا بنون إلا مَن أتى الله بقلب سليم . ( وَمَا يَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَلَن يُكْفَرُوهُ ۗ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ ) ، جاء في تفسير هذه الآيات : (وأيُّ عمل قلَّ أو كَثُر من أعمال الخير تعمله هذه الطائفة المؤمنة فلن يضيع عند الله، بل يُشكر لهم، ويجازون عليه. والله عليم بالمتقين الذين فعلوا الخيرات وابتعدوا عن المحرمات؛ ابتغاء رضوان الله، وطلبًا لثوابه ) .

وتزخر أحاديثُ النبيِّ صلى الله عليه وسلم بالمواعظ والإرشادات التي تحث الناس لتقديم المساعدات بشتى أنواعها . وقد كانت منهجا أخذ به الناس منذ عهد النبوة الأول وحتى يوم الناس هذا ، فما فعله الصحابة رضي الله عنهم أجمعين لايُعد ولا يحصى ، من تبرعات ومساعدات و وقف وغير ذلك من أبواب الخير ، وكانت تلك الأحاديث الشريفة نبراسا لكل مسلم ولكل مسلمة ، وضربوا أروع الأمثلة في بذلهم ، يقول الحسن البصري رحمه الله:(لئن أقضي حاجة لأخ أحب إلى من أن أصلي ألف ركعة ، ولئن أقضي حاجة لأخ أحب إلي من أن أعتكف شهرين)، وأما ابن عباس رضي الله عنهما فكان يقول للناس معلما ومرشدا:(لَئِن أعول أهل بيت من المسلمين شهراً أو جمعة أو ما شاء الله أحب إلي من حجه ، ولطبق بدرهم أهديه إلى أخ لي في الله أحب إلي من دينار أنفقه في سبيل الله). وتزدان الحياة الاجتماعية بالخير والطمأنينة والسعادة إذا ما انغمس الناس في أطياب هذه التوجيهات النبوية العالية ، ألا فَلْنُصْغِ إلى حديثه صلى الله عليه وسلم لنرى قيمة العمل الخيري ، ولنقف على أهمية التطوع في الميدان العظيم : )كل سلامي من الناس عليه صدقة كل يوم تطلع فيه الشمس تعدل بين أثنين صدقة ، تعين الرجل على دابته فتحمله عليها أو ترفع عليها متاعه صدقة ، والكلمة الطيبة صدقة وبكل خطوة تمشيها إلى الصلاة صدقة ، وتميط الأذى عن الطريق صدقة) متفق عليه، ويلفت النبيُّ صلى الله عليه وسلم أنظار الناس ومشاعرهم إلى أثر العمل الخيري مهما كان في زيادة ثواب القائم به ، حيثُ يقول صلى الله عليه وسلم : ( لقد رأيت رجلا يتقلب في الجنة في شجرة قطعها من ظهر الطريق كانت تؤذي المسلمين) رواه مسلم، وفي حديث آخر قال صلى الله عليه وسلم:(المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه ،من كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته، ومن فرج عن مسلم كربه من كرب الدنيا فرج الله عنه كربة من كرب يوم القيامة ومن ستر مسلما سترة الله يوم القيامة) متفق عليه، بل امتدت بركات العمل الخيري لتشمل حياة المجتمع الإسلامي بكافة شرائحه وأماكن وجوده ، فقال صلى الله عليه وسلم: (الساعي على الأرملة والمسكين كالمجاهد في سبيل الله أو القائم الليل الصائم النهار) (متفق عليه)، وقال صلى الله عليه وسلم:(من مشى في حاجة أخيه كان خيراً له من اعتكاف عشر سنوات ) .   

وهكذا نجد أثر العمل الخيري في زمن الشدائد يحيي القلوب ، ويبعث الأمل في قلوب المحتاجين ، ويجمع مشاعر الأمة ويوحد كلمتها ، ويسدد خطواتها على طريق رضوان الله رب العالمين . وهنا يخرج من هذه الدائرة المباركة أهل الأقوال الجوفاء ، والافتراءات المذمومة ، فلا خير فيما يفرق كلمة الأمة ، ولا خير في الضجيج الذي لاجدوى منه في ساعات الليالي المظلمات . نعن لاخير في كلمة لاتحيي منهجا قويما ، ولا خير في اجتماع لايصدر  عنه عمل مباشر إيجابي ، فالطريق واضحة ، والحجة بيِّنة ، فهل إلى أفيائها من سبيل ، يقول الله عــزَّ وجلَّ  في كتابه العزيز (لاَ خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِّن نَّجْوَاهُمْ إِلاَّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاَحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتَغَاء مَرْضَاتِ اللّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيمًا ). صدق الله العظيم .

وسوم: العدد 967