في تأسيس العقل السياسي

ودائما أعتب وسأظل أعتب على المرجعيات الإسلامية والسياسية في الثورة السورية، لتقصيرهم في بيان، وفي سكوتهم عن حق، وفي مداراتهم أهل الغلو والتطرف في غلوهم وتطرفهم. ومعظم النار من مستصغر الشرر..

ومنذ ثارت مشكلة أوكرانيا في العالم، وتطورت حتى صار الأمر إلى ما صار إليه، وأنا أحاول أن أتشاغل، وأدفع إلى الشغل على شأننا السوري، والاستفادة من الحالة الأوكرانية لتوظيفها في سياق ما يجري علينا، وليس لتوظيفنا في سياق ما يجري هناك.

وليس مباهاة ولا ادعاء أن أقول وأنا امرؤ أعاني من فكر الغلاة والمتطرفين وأدافعه وأحاول أن أرشّده وأعود به إلى الجادة منذ أربعة عقود . أعرفه وأعرف كل جملة تنتمي إليه، وكل عبارة تدعو إليه. وكتبت حول ذلك فأكثرت، والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.

ومنذ انطلاق الحرب الروسية الظالمة الغاشمة المعتدية على أوكرانيا بدأ بعض رواد مدرسة الغلو، وبعض الذين يرتشفون على ظمأ من كؤوسه، يصرفون بيننا تحليلات وعبارات وشعارات، ويشربها كثير من أهلنا بحسن نية، أو بنوع من الاسترسال في الاندفاع في طريق الحمية، دون أن يدركوا أن الحمية تكون في كثير من الأحيان، حمية جاهلية...

وقرأت في توصيف الحرب الروسية على أوكرانيا من منكر القول وزوره عبارات مثل:

حرب الأرثوذكس على الأرثوذكس. وحرب النصارى على النصارى. وحرب الكفار على الكفار. وقرأت من يكتب للناس ستجدون كيف سيتعاطف الغرب المسيحي مع أوكرانيا المسيحية. - أذكر هؤلاء أن الغرب المسيحي باع نصارى لبنان لحزب الله- وقرأت في الحديث عن أوكرانيا: فخار يكسر بعضو. وقرأت : اللهم أهلك الظالمين بالظالمين. وكلام كثير وادعاء كثير يحاول أصحابه أن يلبسوا رؤيتهم القاصرة أو الغالية ثوب الدين. فيحللون كل مشهد بمقدمات قرآنية أو أحاديث نبوية، أو وقائع من السيرة النبوية، فيفسدون بسوء التأويل ولا يصلحون. ويوظف نصوص الشريعة في غير ما أنزلت فيه، أو أريدت له؛ وينكرون من حقائق القرآن أن الحقيقة الأولى والأخيرة فيه أن يقوم الناس بالقسط.

(لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ)

وأن تؤدى الأمانات إلى أهلها. وأن يحكم بين الناس - كل الناس- بالعدل. (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَىٰ أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ)

ومن حق بل من واجب العلماء والدعاة وأصحاب المرجعيات من علماء المسلمين أولا ومن أصحاب الأحلام والنهى منهم ومن السوريين ثانيا ؛ أن يتصدوا لهذا الفقه البئيس الذي يتسلل إلى عقول أجيالنا وقلوبهم. وأن يقطعوا الأوتار التي تعزف هذه الألحان المقيتة التي تشيع الحقد والبغضاء والكراهية بين الناس. ومن حق بل من واجب كل مسلم حين يفكر في سياسات هذا الكون أن يكون مدخله الأولي لهذا التفكير أن يدرك أن دينه يفرض عليه أن يكون

مع المظلوم المستضعف المدافع عن حقوقه الأولية مهما كان دينه أو لونه أو عرقه ...

وأننا - نحن المسلمين -ضد الظالم الباغي المعتدي مهما كان دينه أو لونه أو عرقه...

نحن مع الشعب الأوكراني في معركته اليوم ضد الروسي المعتدي الأثيم ...

اللهم أهلك الظالمين وانصر المظلومين.، وانصرنا معهم فقد تمادى الظلم وأجمع أهله علينا.

*مدير مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وسوم: العدد 970