سيد الكلام في تراث الحكمة المحمدية

ومررت ما استطعت ،حياتي، على حكمة الأمم، وما أثر عن حكمائها وبلغائها وأدبائها وشعرائها..

وقرأت العهدين مع الأسفار، كما قرأت التاو الصيني والفيدا الهندي وحكمة زرادشت الفارسي، وما أبدع المبدعون مما قال صاحب الأمثال لافونتين، وعاشق ورود دمشق شكسيبر وما أبدع غوتة والمجنون نيتشه ومكسيم غوركي وصاحب الإخوة "دستوفيسكي" أصغيت إلى أجراس همنغواي واستمتعت مع لامارتين على ضفاف بحيرته، ودخلت معه أعماق عزلته ..

وكل هؤلاء التقطت من دررهم، واحتفظت بحكمهم، ولكنني لم أجد في تاريخ البشرية أجمع، رجلا أغزر حكمة، وأجمل صياغة، وأوضح عبارة، وألطف إشارة ..من حديث سيدي ومولاي محمد رسول الله ...

ومن كاثرنا بالعدد كاثرناه. ومن كاثرنا بالأدب تحديناه، ومن كاثرنا بالطلاقة الإنسانية كنا بحديثه صلى الله عليه وسلم في ميدان التحدي حاضرين..

وما من رجل كشفت خبايا حياته الخاصة، وعرضت جزئيات حياته العامة، كما كشفت حياة سيدنا محمد رسول الله، فكانت في شفافيتها، وإنسانينتها، ومثاليتها و بشريتها وواقعيتها مضرب المثل للعالمين..

متون الحديث الشريف الصحيحة في كتب الصحاح -غير المكرر- تنيّف على العشرة آلاف، وقال قوم بصعوبة الإحصاء.

وفي حضرة صاحب " جوامع الكلم " تجده صلى الله عليه وسلم يقول العبارة فيستشرف بها كل آفاق الحياة.

 ويستمد منها المشرعون والحكماء والأدباء والبلغاء آحكاما وآدابا وأمثالا وضوابط وحدودا ويستشرفون منها آفاقا بلا حددود.

ويتكئ مأفون على أريكته ويقول " بيننا وبينكم كتاب الله ما وجدنا فيه حلالا حللناه وما وجدنا فيه حراما حرمناه"!!

نحن نذكر في الحديث عنه: "وكان يحلب شاته، ويخصف نعله، ويخدم في مهنة أهله" فنمر بها كمن يهز كتفيه وهو لا يبالي.. ولكن هذا المحطة العظيمة في خلق الرجل العظيم تكون ملهمة إبداع للشاعر الفرنسي العظيم صاحب "البؤساء" "فيكتور هيغو" فيكتب عنها تحت عنوان " السنة التاسعة " قصيدة ملهِمة من أجمل ما تفجرت عنه عبقرية الشعراء...

يتساءل الشاعر الفرنسي العظيم لامارتين: إذا كان عظمة الهدف، وبساطة الوسائل، وقصر الزمن من الدلالة على عظمة الرجل، فأي رجل أعظم من محمد؟؟ صلى الله وسلم عليه..

كل الشعوب تجمع تراث حكمائها وأدبائها وكبرائها وتتباهى وتباهي بها العالمين ...

أهل العقوق فقط هم الجاحدون الساخطون المتسخطون. هبه لم يؤمن بمحمد نبيا أليس من واجبه أن يفخر به وبتراثه عبقريا عربيا!!.

 كلمة حكيمة صدرت عن الأديب الكبير ابن المقفع، حين جاءه أحد الزنادقة يشكك في عربيّة لفظة من ألفاظ القرآن الكريم، قال ابن المقفع الأديب: ويحك هب أن محمدا لم يكن نبيا، أفما كان عربيا!!! بالخطاب نفسه نخاطب منافقي هذا الزمان...

حديث سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم تراث من الحكمة الرصينة الباذخة. بل معجم من معاجمها، ولا يأتينا رجل بقول حكيم أو بليغ أو أديب إلا جئناه بما هو أحسن تفصيلا..

*مدير مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وسوم: العدد 973