القضية السورية (قضية الصراع بين الزمرة البهرزية المحتلّة، والشعب السوريّ) (1 من 6)

مقدّمة

هذا هو التاريخ السوريّ الحديث يا بشار الوحش المجرم بن حافظ الوحش المجرم بن سليمان الوحش البهرزيّ، ولا يمكنك تزويره أو التلاعب به

لقد كانت سورية إحدى ضحايا التآمر والانقلابات العسكرية خلال أكثر من نصف قرنٍ من الزمن، وحُرِّم عليها الاستقرار، إلا الاستقرار الوهميّ على أيدي صُنّاع الموت وحمّامات الدم والاستبداد، من القافزين إلى السلطة على ظهور الدبابات، الذين أغرقوا البلاد والعباد بالفوضى والتخبّط والتخلّف، وأخذوا يزاودون ويحاولون عبثاً، إلصاق نتائج ما اقترفته أيديهم، بغيرهم من المقاومين لإجرامهم وخياناتهم، من أبناء الحركة الإسلامية المجاهدة!..

إنّ الحركة الإسلامية في سورية ليست حزباَ سياسياً عابراً يضمّ أطراً تنظيميةً ضيقة، فهي تمثل تياراً واسعاً في الشعب السوريّ، يضرب جذوره في الأعماق، وتمثل الصحوة الإسلامية المستنيرة التي شَعَّ نورها في أرجاء الأرض، وتاريخها يشهد لها أنّ أبناءها كانوا دائماً دعاة خيرٍ وتسامحٍ وحوارٍ وإصلاح.. وقد شاركوا في الحياة السياسية في كل العهود الديمقراطية، كما شاركوا في مقارعة الاستعمار، وفي حرب فلسطين، وفي الحياة الثقافية والفكرية والاجتماعية، وكان لهم نواب ووزراء في العهود الديمقراطية، وكذلك كانت لهم صحف، ونوادٍ، ومستشفيات، وجمعيات خيرية.. *لذلك لا يمكن إلغاؤهم بقانون، أو إلغاء دورهم بِجَرّة قلم، أو بمزاج مجرمٍ جاهلٍ أفّاكٍ دجّال، بات العالَم كله يشهد على إجرامه وفساده وخياناته وضلاله ووضاعة مَنبته ونشأته..* فأبناء الحركة الإسلامية السورية يَدعُون إلى الله عزّ وجلّ على بصيرةٍ، بالحكمة والموعظة الحسنة، وبرنامجهم هو الإسلام، ومرجعيّتهم كتاب الله عزّ وجلّ وسنّة نبيه صلى الله عليه وسلم، شأنهم في ذلك شأن الحركة الإسلامية في كل أقطار الأرض.. وكذلك هم يرفضون كل أشكال العنف والتطرف، ويؤمنون بالتدرج في الخطوات، ويؤمنون بمبدأ الحوار لحلّ أي خلاف، وتاريخهم يشهد أنهم رجال دعوةٍ وفكرٍ وسياسة، يحترمون القوانين التي يقرّها شعبهم، ولا يَضيقون ذرعاً بالرأي الآخر، ولا يتطلّعون إلى مكاسب حزبية، بل يقدّرون كل جهدٍ يبذله غيرهم في هذا السبيل ويدعمونه.

من حق أبناء الجيل الحالي والأجيال القادمة، في سورية وخارجها.. أن يعرفوا الحقائق التاريخية والسياسية، ويطّلعوا على حقيقة موقف الإسلاميين والحركة الإسلامية في سورية، من مختلف القضايا الوطنية التي مرّت على الوطن، وما تزال تتفاعل منذ أكثر من سبعة عقودٍ من الصراع المرير بين السلطات الحاكمة المتعاقبة.. والإسلام!.. وذلك للاستفادة من دروس الماضي وعِبَرِه، وللتأسيس لمستقبلٍ وطنيٍ جديد، يقوم على الانفتاح واحترام مبادئ حقوق الإنسان، التي كفلتها كل شرائع السماء، وكل المبادئ الحضارية لإنسان هذه الأرض!..

*     *     *

*مَدْخَل*

تأسّست الحركة الإسلامية في سورية عام 1945م، برئاسة فضيلة الشيخ الدكتور مصطفى السباعي، الذي سُمي مراقباً عاماً للحركة.

كان للحركة دور إيجابي بارز في الحياة الفكرية والاجتماعية السورية، وتعدّدت نشاطاتها في كل جوانب الحياة التنظيمية والاجتماعية والاقتصادية والأدبية والثقافية والتربوية والعلمية، ولعل من أبرز تلك النشاطات كانت النشاطات السياسية، إذ كانت الحركة تشارك في الحياة السياسية منذ عهد الاستقلال (عام 1946م)، فدخلت البرلمانات والحكومات المتعاقبة، وكان لها نواب في البرلمان، وفي هذا الإطار نستطيع أن ننظر إليها حزباً سياسياً يحاور ويواجه ويُطلق الأفكار والآراء ويدافع عنها، ويعقد التحالفات الوطنية، ويرى الواقع الوطنيّ بعينٍ مسؤولة، ويؤمن بالحرية والتعدّدية، ليس السياسية وحسب، وإنّما الفكرية والدينية أيضاً.. ويتحالف مع قوىً سياسيةٍ ليبراليّة، كما يتحالف مع مرشّحين مسيحيّين في معارك البرلمان.. والإسلاميون يعتقدون أنّ قوّة كل حزبٍ أو جماعةٍ إنما تنبع من الرصيد الشعبيّ، ونسبة البطاقات التي يمكن أن تُحصَد في صناديق الاقتراع، خلال فعالياتٍ ديمقراطيةٍ حقيقيةٍ في الوطن السوريّ.

*     *     *

*الفصل الأول*

*أبرز ملامح النشاط السياسيّ للحركة الإسلامية السورية* 

*(من عهد الاستقلال إلى عهد البعث)*

في إطار النشاط السياسي للحركة الإسلامية السورية، يمكننا أن نعدّد أبرز الأنشطة السياسية التي انخرطت فيها، وسِماتها الأساسية، وذلك في مرحلة الاستقلال والمراحل التي تلتها، حتى انقلاب الثامن من آذار المشؤوم في عام 1963م. وفي هذا يمكن أن نقول: إنّ نهج الحركة الإسلامية اعتمد الأسس الآتية:

1- مُعايشة الحكم الوطني الديمقراطي، وممارسة المقاومة السياسية للديكتاتورية والظلم والانحراف، حين كان يظهر في الحكومات المتعاقبة.

2- المشاركة في الانتخابات النيابية في كل العهود الديمقراطية (في أعوام 1947م و1950م و1954م و1962م).

3- الإسهام في وضع دستور البلاد، وصَبغه بالهوية العربية الإسلامية .

4- مَدّ الجسور باتجاه الجماعات الإسلامية من جهة، وباتجاه الأحزاب السياسية غير المعادية للإسلام (من مثل حزب الشعب والحزب الوطني) من جهةٍ ثانية.. فيما كانت العلاقة مع الأحزاب العلمانية (كحزب البعث والأحزاب الشيوعية) علاقة خصومةٍ ونزاع، بسبب العلمانية الصريحة لتلك الأحزاب، وعدائها للإسلام.

5- إصدار الصحف في مختلف المحافظات السورية، كصحيفة (الشهاب) التي كانت لسان حال الحركة، و(المنار)، و(اللواء)، و(المرصاد)، وكذلك المجلات من مثل: (مجلة الغد)، و(مجلة المسلمون) التي أصبحت فيما بعد (مجلة حضارة الإسلام).

6- الإسهام في تشكيل كتلةٍ برلمانيةٍ سياسيةٍ داخل البرلمان.

7- مناصرة القضايا العربية، مثل مناصرة الشعب المصري في جلاء الإنكليز عن مصر، ومناصرة وحدة وادي النيل، ونصرة مصر إبان العدوان الثلاثي (1956م)، ومناصرة الشعب الجزائري ضد الاحتلال الفرنسي، ومناصرة العراق العربي ضد المطامع الإنكليزية.. لكن أهم من هذه القضايا كلها، مناصرة واضحة  للقضية الفلسطينية ودعمها، وذلك في كل الميادين السياسية والإعلامية والعسكرية، على رأسها خوض المعارك الجهادية المشرّفة على أرض فلسطين (في عام 1948م)، بقيادة زعيم الحركة نفسه (الشيخ الدكتور مصطفى السباعي) رحمه الله.

8- المشاركة في الانتخابات النيابية في أوائل الخمسينيات، وقد اختير الدكتور (مصطفى السباعي) نائباً لرئيس مجلس النواب في عام (1950م)، ونجح بعض مرشحي الحركة بشكلٍ فرديّ، وتم تشكيل ما سُمي بـ (الجبهة المستقلة) في البرلمان، ولم تتمكن من المشاركة في الانتخابات بشكلٍ رسميٍ بعد انقلاب (الشيشكلي)، بسبب الإجراءات التي قام بها الرئيس (أديب الشيشكلي) ضد الأحزاب، وبخاصةٍ ضد الإسلاميين.

وكذلك شاركت الحركة في الحكومات، واستلم بعض رجالها -في هذه المرحلة- حقائب وزاريةً على المستوى الشخصي أيضاً.

9- قيادة زعيم الحركة الدكتور مصطفى السباعي لحملة (أسبوع التسلح) الشعبية (عام 1955م) لدعم الجيش السوريّ.

10- رَفضُ الحركة مشروعَ ضمّ سورية إلى (حلف بغداد).

11- كان لإسهام الدكتور (مصطفى السباعي) في المؤتمر الإسلامي المسيحي عام 1954م في لبنان (بحمدون)، وكذلك حواراته مع المفكرين الغربيين والمستشرقين، خلال زياراته للجامعات الأوروبية عام 1956م.. كان له أثر إيجابي في ترسيخ الحوار بين الأديان.

12- حَلّت الحركة نفسها في عهد الوحدة مع مصر (1958-1961م)، حرصاً على نجاح تجربة الوحدة، وذلك من منطلق الحِسّ الوطني في تغليب مصلحة البلاد على مصلحة الحركة الخاصة، فالوحدة مكسب إسلامي وطني، ولا مصلحة للحركة ولا للوطن، في الصدام مع سلطة الوحدة الحاكمة.. وقد رفضت الحركة التوقيع على وثيقة الانفصال لدى وقوعه في (28 أيلول 1961م)، فلم تفعل ما فعلته معظم الأحزاب القومية والاشتراكية والشيوعية التي وقّعت على تلك الوثيقة.

13- العودة إلى النشاط السياسيّ العلنيّ في عهد الانفصال (1961- 1963م)، وخَوْض الانتخابات البرلمانية، وقد نجح عدد لا بأس به من مرشحي الحركة بالدخول إلى البرلمان: (عصام العطار، وعمر عودة الخطيب، وزهير الشاويش، ومحمد سعيد العبار، وطيب الخوجة، ومحمد علي مشعل، وعبد الفتاح أبو غدة، ونبيل صبحي الطويل)، وقد ضمّت كتلة الإسلاميين وأصدقائهم حوالي عشرين نائباً .

في هذه المرحلة (مرحلة الانفصال) عادت الأحزاب السورية لقيادة الشارع السوريّ، ومنها (حزب البعث) الذي تكتّلت وراءه القوى القومية والطائفية، واشترك بعض نواب الحركة الإسلامية في الحكومات المتعاقبة، واستلموا حقائب وزاريةً في حكومة (خالد العظم)، ومن هؤلاء: (عمر عودة الخطيب وزيراً للتموين، والدكتور نبيل الطويل وزيراً للصحة، ومصطفى الزرقا وزيراً للعدل والأوقاف، وأحمد مظهر العظمة وزيراً للزراعة)، وقد أحبط الإسلاميون وكتلتهم النيابية (بقيادة عصام العطار) بعض مؤامرات الانقلابات العسكرية التي حاولت تعطيل المجلس النيابيّ والحياة البرلمانية، من مثل: (الانقلاب الذي جاء بالدكتور بشير العظمة الشيوعي)، علماً أنّ الحركة كانت قبل هذه المرحلة قد وقفت موقفاً معارضاً بعد انقلاب (الشيشكلي) تجاه إجراءاته الدكتاتورية في بداية الخمسينيات (1951-1954م)، وقبل ذلك ضد انقلاب (الحناوي) في عام 1949م، وكان لجهودها الدور البارز في إعادة الشرعية للبرلمان.. كما رفضت استلام الحكم في عهد الانفصال أكثر من مرة، ورفضت على لسان أعلى المراتب القيادية (الأستاذ عصام العطار) أن يُفرض حكمها على الشعب فرضاً.

لم يحاول أبناء الحركة الإسلامية أن يعرقلوا الحياة الديمقراطية، كما لم يرفضوا في أي يومٍ نتائجها، ومع أنهم قد أخفقوا في بعض معاركهم السياسية على الصعيدين: الشعبيّ والبرلمانيّ.. فقد تقبّلوا النتائج بأريحيّةٍ سياسية، وكانت دعوتهم السياسية تؤكّد على معاني الحرّية، والاستقلاليّة، والتعدّدية، والتعاون، وبناء أسسٍ قويمةٍ للدولة.. كما كانوا يؤكّدون دوماً على البعد الأخلاقيّ للدولة ورجالاتها، ويندّدون بالفساد بكل صوَرِه وأشكاله.

لقد كانت (مرحلة الانفصال) مرحلةً خاصةً لاستعادة الأحزاب والقوى السياسية نشاطَها، وللتسابق فيما بينها، إلى أن ختم الانقلابيون هذه المرحلة (في عام 1963م) بانقلابٍ عسكريٍ بقيادة الضابط (زياد الحريري) ومِن وَرائه: البعثيون، ثم تمخّض عن حكمٍ ديكتاتوريٍّ بوليسيّ، أنهى المرحلة الديمقراطية للبلاد، وما يزال مستمراً حتى يومنا هذا.

يتبع إن شاء الله