من ذكرياتي مع الأستاذ إبراهيم عاصي رحمه الله رحمة واسعة

(الحلقة الأولى)

الحمد لله أولا وآخرا والصلاة والسلام على رسول الله وآله الكرام ورضي الله عن الصحابة الأبرار والتابعين الأخيار ومن تبعم بإحسان... وبعد:

الأستاذ إبراهيم عاصي ابن عائلة العاصي الكريمة بمدينة جسر الشغور.. أستاذ اللغة العربية والأديب الكبير الذي يعد من خيرة أدباء القرن العشرين في سوريا.. أبعدته السلطة النصيرية الطائفية عن سلك التدريس إلى عمل وظيفي في مدينة ادلب في السبعينات، اعتقل في سنة 1980م واستشهد في غياهب سجن تدمر رحمه الله وأحسن في الفردوس الأعلى مثواه، ندعو له ولا نزكي على الله... 

عشت فترة طيبة مع الأستاذ الكبير إبراهيم عاصي رحمه الله وأحسن في الجنة مثواه، كان التزاور والتحاور مستمرا بيننا، وكنت به معجبا وله محبا، وكان من عملي (كمراقب صحي) الزيارات المتكررة للقرى في ريف (جسر الشغور) وعدد قرى منطقة جسر الشغور -في ذلك الحين- يصل إلى ما يقارب مئة وأربعون قرية وجفتلك، وكنت بحكم وظيفتي أزور تلك القرى، أتوخى زيارة القرى الكبيرة.. وكانت مكتبة الحاج عبد الباسط حلي هي المكتبة الإسلامية في الجسر، وكانت الملتقى للنخبة من  من المثقفين والشباب النابه، والحاج عبد الباسط رجل سمح ودود يرحب بالناس جميعا في مكتبته، ويحسن التعامل معهم، يوسع لهم ويسمع منهم.. وكان كثير من لقاءاتنا تتم في تلك المكتبة الطيبة..

من ذكرياتي مع الأستاذ إبراهيم عاصي

رحمه الله رحمة واسعة

الحلقة الثانية

ولقيت الأستاذ إبراهيم في مكتبة الشيخ عبد الباسط الإسلامية يوما، وكنت عائدا من إحدى جولاتي في القرى، وأنا أحمل حقيبتي، وبعد السلام المعتاد قال لي: أنت تشبه الإمام البنا. فاستغربت ذلك! أين أنا من الإمام البنا! وقلت: كيف ذلك؟ قال: كان الإمام البنا دائما يحمل حقيبته ويسافر! قلت: إلى أين؟؟ قال: إلى القرى والأرياف! قلت وماذا يفعل؟ قال: يدعو إلى الله. واستغربت التشبيه! لم يدخل التشبيه في تصوري، فقلت: ولكني وإن كنت أزور القرى ولكني أقوم بأعمال الرقابة الصحية. فقال: وتدعو إلى الله.. قلت:... نعم.. شيئا ما.. وقال الشيخ عبد الباسط: حمل الأستاذ البنا حقيبته في الصباح ليسافر، فقالت له زوجته ما وصلت إلا الليلة الماضية، وابنك مريض من سيأخذه للطبيب؟؟ قال الإمام البنا: سيأخذه جده إلى الطبيب ويشتري له العلاج، وإذا مات سيدفنه جده!.. فبهرت بالشاهد والدليل! وقلت: لكن أين أنا من الإمام الشهيد رحمه الله؟؟؟!!.. 

وكان لي في جل هذه القرى أحباب وأصحاب ومعارف. وكان بعضهم يتشوق لرؤية الأستاذ إبراهيم، وكنت الواسطة، وكانت سهرات ولقاءات ومناقشات وحوارات وأسئلة، وكانت أحاديث طيبة ولقاءات رائعة وكانت لدى بعض الشباب أسئلة فجة أو ثقيلة! لكن الأستاذ إبراهيم كان أديبا دمثا، حاضر الجواب. سأله أحد الشباب في إحدى تلك السهرات: أستاذ هل أنت من الإخوان المسلمين؟؟؟ ولقد شعرت أنا بالحرج من هذا السؤال، ولكن الأستاذ ابراهيم لم يحرج ولم يتلكأ! وأجاب السائل دون تردد فقال: "تهمة لا أنكرها وشرف لا أدعيه!.." وحين خرجنا بعد انتهاء السهرة، كنت متضايقا من ثقالة ذلك السائل، وكنت أريد أن أوبخه على سؤاله ذاك وأزجره، ولكنه كان مبهورا بروعة حديث الأستاذ إبراهم، وحسن جوابه وسرعة بديهته وحدة ذكائه... فصرفني ذلك عن ما نويته....

ملاحظة : الاستاذ ابراهيم رحمه الله دخل سجن تدمر واستشد في مجزرة سجن تدمر ٢٩/٦/١٩٨٠ على اصح الاقوال... والله اعلم..

وسوم: العدد 975