واجب رجال الفكر والدعوة تعليم الناس العقل، وليس الاستثمار في الغوغائية والجهل

ووصلني فيديو محدث، عن السياسي السوري "ميشيل عفلق" شريك صلاح البيطار في تأسيس حزب البعث أو شريك الأرسوزي أو شريك أكرم الحوارني أو شريك جلال السيد وعددوا ما شئتم من شراكات.

يسمي الشريط "ميشيل عفلق" بميشيل عفلق مزراحي، وينسبه الى اليهودية، عن طريق يهود الدونمة، ويعرض مقاطع ومواقف من سيرته الذاتية..

لست في وارد الدفاع عن ميشيل عفلق، ولست في وارد الدفاع لا عن اليهودية ولا عن الصهيونية ولا عن الماسونية العالمية؛ حتى لا يتقول عليّ متقول، ولكنني في وارد الدفاع عن عقولنا وعقول أجيالنا أن يستخف بها أو تضلل.

ومن حق الناس ان تقول في ميشيل عفلق السياسي، ما ترى ما دامت تقول بحق وعلم.

أما ميشيل عفلق الانسان فقد مات فيما علمنا، مسلما، وأوصى أن يدفن على الطريقة الاسلامية، ويقول من صاحبه أواخر أيامه أنه كان على صدق في الإسلام والالتزام.

ميشيل عفلق الانسان سمّى ابنه محمدا في فترة مبكرة جدا قبل أن يصير إلى العراق، مطرودا من رفاق حزبه في دمشق، وكان يكنى به .

في مطلع الألفية جمعت مؤلفا لطيفا عن "رجال الشرق" وأردت أن أترجم لميشيل عفلق، فيمن ترجمت، ورجعت الى ما كتب ميشيل عفلق عن الاسلام والرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، فأمسكت ، ووجدت أن من المصلحة أن أطوي الملف، لأن من حولي لا يحتملون نتائج ما وصلتُ إليه من معلومات من كتب الرجل نفسه!!، ولأنني لا أحب أن أشهد زورا، بل أشهد على نفسي والأقربين، أمسكتُ يومها لأنني كنت ما أزال أخوض غمار معركة من أجل كلمات كتبتها في ترجمة "صالح العلي" حيث رأى العقل الطفولي يومها انني أروّج "للعلويين" وأن وراء أكمتي ما وراءها، مع ان ما كتبته في صالح العلي شهد له به كثير من الثقات من معاصريه. ومن رجال الفكر والدعوة الذين يشار إليهم بالبنان. وما يزال البعض يلقبه على سبيل العصبية بسارق الدجاج!!

طويت أوراق ميشيل عفلق، وأنا استغفر الله، وقد قرأت كثيرا من أوراق كتابه في سبيل البعث، وشهاداته في الاسلام والرسول صلى الله عليه وسلم، الذي كان شديد الاعجاب به، وكل ذلك مما يصطدم بكل الشراب الذي شربناه على عصبية وجهل، والذي أرى انني اليوم مدين لصاحبه باعتذار.

عبثية أو طفولية تفسير التاريخ باستصحاب قاعدة تفسير كل شرور وآثام العالم والمنطقة بنسبتها إلى اليهود، وإلى الصهيونية وإلى الماسونية جديرة بالتأمل العقلي الجاد. وقد آن لنا أن نتوقف يا قوم.

نقرأ في تاريخ أمهات المؤمنين رضي الله عنهن، أن أمنا صفية "صفية بنت حيي بن أخطب" زعيم يهود، حتى لا تنسوا، اشتكت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن عائشة، رضي الله عن أمنا عائشة، تعيرها بأبيها أو بأصلها اليهودي- كيد ضرائر-، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم : "قولي لها إن أبي هارون، وعمي موسى". في سياق آخر يقول الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم: إن الكريم ابن الكريم ابن الكريم يوسف بن يعقوب بن اسحق ابن إبراهيم.

أريد أن أؤكد على أمر واحد فقط هو ان هذه التعلة- النسب اليهودي الظاهر أو الخفي- لا تصلح لتفسير التاريخ مهما جمعنا من أسماء وعناوين من الصعد السياسية والعلمية والفكرية والاقتصادية، نعم "اليهود" يشكلون ظاهرة في قدرتهم على التكاتف والتعاون والنفوذ والسيطرة، ولكنهم (بَشَرٌ مِّمَّنْ خَلَقَ)

ولنضع النظرية موضع الجدل على المحك: إذا كان سر الشر البعثي في أصول عفلق اليهودية، والتي وصلوا بها إلى يهود الدونما؛

فما هو سر الشر المفترض في صلاح البيطار ابن الاسرة الدمشقية العريقة المنتمية الى الحديقة العلمية، والذي كان عمه يلقب بين علماء دمشق بالشافعي الصغير؟!!

ما هو سر الشر المفترض في أكرم الحوراني ابن حماة العريقة، والذي يقال إنه عاث في الحياة السياسية السورية في الأربعينات والخمسينات أكثر مما يعيث ذئب في غنم، وهو صاحب فكرة تسيس الجيش والحكم من خلال الانقلابات؟؟

ماذا نقول في تفسير الشر المفترض في شخصيات كثيرة كانت من البعث ومن غير البعث من الأسر السورية الصميمة؟!!

أذكر أصحاب هذه النظرية بالرجال والنساء الذين واللواتي استخدمهم حافظ وبشار الاسد على وعي ودراية خبيثين، ماذا كانت مؤهلات محمود الايوبي غير أصليه الكردي والديني؟؟ ماذا كانت مؤهلات عبد الرؤوف الكسم رئيس الوزراء، والذي جيء به إبان انتفاضة الثمانين، غير أبيه مفتي دمشق الأسبق، والذي لا يزال رجالنا يعتدون به، أنفرط حبات المسبحة ونفرزها بأصولها لنعلم كيف فعل بنا بعض أبناء ..حين ارتضوا لأنفسهم ما ارتضوا بغبطة وسرور!!

أحكي لكم كيف خدع عمر حميدة بن حلب القح الشيخ محمد الحجار عن طفله الثاني، فارتضى قوله، وسلمه له بيده والحكاية تدمي القلوب، لا أظن أن لمحمد حميدة اصلا يهوديا كما يزعمون.

إخوتي وأخواتي ابحثوا عن غير هذه القاعدة لتفسروا به التاريخ، ولتقرؤا من خلاله الأحداث والنفوس. التفسير بالأصول اليهودية عايشته منذ سبعين عاما حول نسب جمال عبد الناصر والقذافي وصدام حسين وحافظ أسد من رجال السياسة وغيرهم من رجال الفكر في القرن الأخير كثير.

ليس دفاعا عن اليهود ، ولا دفاعا عن المفسدين؛ بل دفاعا عن عقولنا لئلا نضل ونشقى.

*مدير مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وسوم: العدد 976