هل ساند الشعر الدعوة الإسلامية ؟؟

 دعوة الحق

84 العدد

يخطئ من يظن أن الشعر، لم يقف جنبا إلى جنب في الدفاع عن الرسول الكريم، يوم جهاده الأكبر في الدعوة الإسلامية.. فقك كان للشعر في هذا الصراع العنيف مجال أي مجال..

كان الشعر الجاهلي يتحدى الرسالة المحمدية بمختلف الأساليب، وأقذع الكلمات، على حين كان القرآن العظيم يهون من أمر الشعر، ويخضد من شوكة الشعراء في آيات كثيرة...

ولكن هل كان الرسول الكريم، يكتفي بتحدي القرآن لهؤلاء ووعيدهم الوعيد الأكبر؟؟..

لقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم، يطلب من شعراء المسلمين أن يردوا على شعراء المشركين بما يفحمهم ويقضي على قولهم حينما يرى شعر: عبد الله بن الزبعري، وعبيده المخزومي، وأمية ابن أبي الصلت، يذاع بين الناس، ويفعل فعله في النفوس!!

روى مسلم في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله  عنه، أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لحسان بن ثابت: «أجب عني: اللهم أيده بروح القدس» وروي كذلك أن النبي عليه السلام، قال لكعب بن مالك: «أهجم: فوالذي نفسي بيده، لهو أشد عليهم من النبل»..

وليس ريب، في مدى تأثير الشعر على النفوس، وما كان الشعراء الإسلاميين ولشعرهم من آثار ملموسة  في تأييد الدعوة الإسلامية في مبدأ أمرها.. حاول هؤلاء الشعراء .. أن يوجدوا علاقة ما بينه وبين ما يدعونه بشياطين الشعراء ولاسيما عندما جاء سواد بن قارب ينشد  شعرا أمام الرسول الكريم، يؤيد فيه دعوته، ويعلن أنه قد ألهم هذا الشعر، وفكر بعض الشعراء في أمر هذا الوحي، الذي أحدث تلك الهزة الكبرى، نتيجة للدعوة الجديدة.

أتانـي نجي بعد هـدء ورقدة

  ولم يك- فيما قد بلوت- بكاذب

ثلاث ليال قوله كل ليلة:

  أتاك نبـي مـن لؤي بـن غالب

فرفعت أذيــال الأزار وشـمرت

  بي العرمس الوجنا هجول السباسب

فأشهد أن الله لا شــيء غيــره

  وأنك مامون علــى كل غــائب

وأنك أدنى الــمرسلين وسيلــة

  إلى الله يا ابن الأكرمين الاطـايب

فمرنا بما يأتيك من وحــي ربنا

  وإن كان فيما جئت شيب الـذوائب

وكن لي شفيعا يوم لا ذو شفاعــة

  بمغن فتيلا عن سواد بن قـــارب

على أن هذه الدعوة الدينية الجديدة، قد أحدثت حركة فكرية عند بعض الشعراء، وحيرة في الاهتداء إلى طريق تستريح إليه النفس..

غير أن قيس بن الاسلت، استطاع أن يسجل هذه الخلجات في هذه الأبيات:

أرب الناس: أشــياء ألمت

  يلف الصعب منها بالـذلول

أرب الناس: أما إن ضـللنا

  فيسرنا لمعروف السبــيل

فلولا ربـنا كنا يهــودا

  وما دين اليهود بذي شكول

ولولا ربنا كنا نصــارى

  مع الرهبان في جبل الجليل

ولكنا خلقــنا إذ خلقــنا

  حنيفا ديننا  عن كل جــيل

نسوق الهدى ترسف مذغنات

  مكشفة المناكب في الحلول

والواقع، أن قيس بن الاسلت، كان من الشعراء العقلاء، فلم يرض عدوان قريش على محمد ومن تبعه وكان يغضب أشد الغضب، عندما يسمع أقذاع شعراء المشركين..

سجل هذا الشاعر العظيم، امانيه في ايقاف العداء في قصيدته الطويلة:

أيا راكبا أما عرضت فبلغا

  مغلغلة عني: لؤى بن غالب

وفيها يقول بعد ان يمدح قريشا، ويصف ما تمتاز به من رجاحة العقل:

أقيموا لنا دينا حنيفا فانتم

  لنا غاية، قد يهتدي بالذوائب

ولقد قال كعب بن مالك قصائد كثيرة في هذا الصراع الدائر بين المسلمين والمشركين كان أكثرها في الرد على ما تسول له نفسه من هؤلاء المعاندين ..

 قال ضرار بن الخطاب وهو من شعراء المشركين في غزوة بدر:

عجبت لفخر الأوس، والحين

  عليهم إذا. والدهر فيه بصائد

فرد عليه كعب بن مالك بقصيدة على نفس الروي:

عجبت لأمر الله، والله قادر

  على ما أراد، ليس لله قاهر

                                                  *

شهدنا بان الله لا رب غـيره

  وأن رسول الله بالحق ظاهـر

وقد عريت بيض خفاف كأنها

  مقاييس يشهرها لعينيك شاهر

بهن أبدنا جمعهم فتـــبددوا

  وكان يلاقي الحين من هو فاجر

ولما انتهت هذه الغزوة، وألقى من ألقى من الكفار في القليب من قتلى المشركين، وقف حسان بن ثابت، وألقى قصيدة طويلة، يعدد فيها مزايا الإسلام ويبدب الشماتة بالكافرين"

.......................

  .......................

يناديــن رســول الله لما

  قذفناهم كباكب في القلـيب:

ألم تجدوا كلامي كـان حقا

  وأمر الله يأخذ بالقـــلوب

فما نطقوا ولو نطقوا لقـالوا:

  صدقت وكنت ذا رأي مصيب

ولحسان في هذا الميدان قصائد كثيرة، استقى معانيها من معين الاسلام، ودفعه حبه للدعوة الكريمة إلى الدفاع عنها، والذوذ عن حياضها بهذا الصنف من الحراب التي كان يشهرها المشركون في وجه المسلمين، كلما اعوزتهم الانتصارات، أو باءوا بالخسران والبهتان.

وليس أدل على صدق حسان من هذه الصورة الرائعة المنتزعة من نفسه حينما رثى الرسول الكريم:

بطيبة رسم للـرسول ومـعهـد

  منير، وقد تعفو الرسوم وتمــهد

ولا تنمحي الآيات من دار حرمة

  بها منبر الهادي الذي كمان يصمد

وواضح آثار، وبــاقي مــعالم

  وريع لها، فيها مصلى ومســجد

 بها حجرات كان ينزل وسطـها

  من الله نور يستــضاء ويوقـد

                                                    *

تاهت وصـاة المسلمــين بكفه

  فلا العلم محبوس ولا الرأي يفند

أقول ولا يلقى لقــولي عـاتب

  من الناس الا عازب العقل مبعد

 وليس هوائي نازعا من ثـنائه

  لعلى به في جنة الخلد أخــلد

مع المصطفى أرجو بذاك جواره

  وفي نيل ذاك اليوم أسعى وأجهد

ودون ما شك، فقد لعب الشعراء الإسلاميون إبان الدعوة الإسلامية وفي أثنائها دورا خطيرا، يتضح من شعرهم، وينصح من ذلك المعين الكريم...

لقد كان الهدف الأول لهذا الشعر حماية هذه الدعوة الإسلامية، وتأييدها وتقريع خصومها، فمشى بجانب القرآن يسانده ويرد عنه الكيد، ويمنع عنه ما يراد بع في العلن والسر، حتى كتب الله النصر، وأظهر الحق، وأزهق الباطل...

والواقع، أن الشعراء على اختلاف العصور، قد ذهبوا في تناولهم للرسول مذاهب شتى، تتمشى مع شخصية الشاعر نفسه، ومدى كفاءته، وأن كانت تنطبع بالذوق الفني العام للعصر الذي قيلت فيه، وتقتصر أحيانا على إبراز صفات النبي الكريم الخلقية والخلقية وعاداته وأخلاقه، وأحيانا تتناول حروبه وغزواته وكفاحه في سبيل الدعوة، كما تتناول سماحة الإسلام، ومزايا تشريعاته.

وبعض الشعراء يقتصرون على ذكر السيرة النبوية وصفات النبي الكريم وشمائله وكفاحه وسمو تشريعاته وعلو تعاليمه.

أما في العصر الحديث، فإن الشعراء لا يكتفون بذلك، بل يربطون الماضي والحاضر، ويدعون المسلمين إلى الاقتداء بما في السيرة النبوية من بعث وقوة.

ولا جدال في أن هذا التطور الذي أصاب الشعر في فتراته المتباعدة، قد لون المدائح بألوان مختلفة، أصابت الشعر نفسه، وحصرته في الصناعات اللفظية، وظهر أثر التكلف عليه، وأن كان في فترات أخرى، أخذت حقائق الإسلام تظهر بفضل جهود العاملين المصلحين، وتنبه المسلمون إلى ما ينبغي أن يكونوا عليه وبخاصة عندما برزت رسالة الإسلام السامية، وشعر المسلمون بالمطاعن التي يوجهها إليه خصومه..

ولقد لا نعدو وجه الصواب، إذا قلنا: إن هذه الحقائق ظهرت في مزايا الإسلام، فاتخذها الشعراء مغنما لإذاعة البطولات والجهاد، واستنهاض همم المسلمين، ورسم المثل العليا، وتبصير الناس بالسياسة التي ينبغي أن يسيروا عليها، اقتداء برسول الله الكريم صلوات الله عليه...

والواقع، أن الشعر الديني ليس مقصورا على نوع من الشعراء دون آخرين، يظهر عند المحافظين وعند المجددين، متأثرا بعاطفة التدين التي تعيش عليها الجماعة وإن كانت بأقدار متفاوتة تتناسب وحظ كل شاعر من حاسة التدين، ومدى اهتمامه بشؤون الجماعة التي يعيش فيها من الوجهة الدينية...

لذلك كان هذا الشعر الديني مسايرا لإحداث الإسلام وتطوراته: نشأ في ظل الإسلام يدافع عنه، ويقف بجانبه، ويسير جنبا إلى جنب مع التعاليم الدينية، ويحرض الشعراء على رد العدوان الذي كان ياتيه المشركون إزاء الدعوة الإسلامية الكريمة.

وساير الشعراء جميع النواحي الدينية، والصراعات التي أحاطت بالإسلام في كل العصور، ووقفوا في كل موطن من مواطن القوة أو مواطن الضعف التي وقف فيها الإسلام مواقف عدة: يدافع عن نفسه مرة، ويدفع عنه هؤلاء مرات...

على أن المتتبع لشعر هؤلاء الشعراء الإسلاميين في كل مراحله، يرى أن ينبوعه الأول، ذلك الصراع العنيف بين عقيدتي التوحيد والشرك، وقوة الدفع البتار، ودعائه لحسان وصحبه بالتأييد والنصر...

عن دعوة الحق

وسوم: العدد 979