فأين جمالية الثورة إذن ؟؟

كتبت بالأمس أتحدث عن واقع الثوار السوريين اليوم، ووصفت في السياق الثورة السورية، بالثورة الجميلة؛ فاعترضني يسألني: فأين هي جمالية الثورة إذن؟؟

هل كان سؤاله استفهاميا، لأن الواقع مشكل، أو كان سؤاله استنكاريا، وهو يرى أن الأمور قد تجاوزت حدها وصارت إلى ضدها؛ فذلك ما لن أجيب عليه.. سأتحدث فقط عن ملامح قليلة في تقاسيم جمال هذه الثورة القويمة اليتيمة التي نشبت فيها كل أنياب ومخالب أهل الأرض..

وربما سيكتب التاريخ، حين يخرج من غرفة التخدير، وغرفة التضليل، وغرفة المكر والخداع ؛ أن الثورة السورية كانت بحجمها ونبلها وصبر أبنائها أعظم وأكبر ثورة شهدها تاريخ الإنسانية على الإطلاق، قل ذلك ولا تبالِ، واشدد به يمينك، واربط به على قلبك، وتحدّ به بعقلك..

ثورة ينخرط فيها ثلثا سكان وطن، ويصمت منهم أكثر من نصف الثلث، على لآي لهي أعظم ثورات التاريخ، مع علمنا بكل ما كان من الثورة الفرنسية التي كانت في ظرف خلا ثورة المحرومبن من فئة "Sans culott" من الفرنسين. وكانت ثورة المقصلة والفوضى والبغي..

كل جرائم الحرب الشنيعة المرتكبة في العقد الثوري في سورية إنما يرتكبها فريق واحد - بشار الأسد وداعموه - أكتب هذا وأنا أعي حجم التهويش الذي يمكن أن يقابلني به حملة المنخل أو الغربال...لم ترتكب أي جريمة حرب جماعية في أي لحظة في تاريخ هذه الثورة، من الفريق الثوري، مقابل آلاف الجرائم ارتكبها الذين يمثلون القانون الدولي أو يمثلهم مع شديد الأسف..

جمالية الثورة السورية يا صاحبي ...

في أنها جسدت تلك القمة السامقة التي رسمتها هذه الآية الكريمة من سورة الشورى في وصف المؤمنين، (وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنتَصِرُونَ) لا يذلون، ولا يخنعون، ولا يطأطئون الرؤوس، ولا يحنون الرقاب، ولا يمشون في ركاب الظالمين،..

ومعنى ينتصرون في السياق "يأبون" البغي من الإباء : فيردون على الظالم ظلمه، وعلى الباغي بغيه، وعلى الصائل صياله، بكل ما يقدرون عليه، وبكل ما يصل إلى أيديهم، وكل من قال لك إن الإسلام شرع غير هذا،فاعلم أنه من حزب الظلمة البغاة الصائلين...

جمالية الثورة أيها العزيز الأريب...

في قلوب ملايين الأمهات اللواتي نذرن فلذات أكبادهن نصرةً لقضية العيش الكريم، وزغردن استقبالا أو وداعا لجثامين مهجة الروح الحبييب الشهيد.. كل هذا الجمال الذي جسدته الأم السورية والزوج السورية والبنت السورية؛ يغيب عن عين بصير !! ونحن في عالم يزعمون أن فيه للدعوة النسوية أوفى نصيب..؟؟

ومن كاثرنا كاثرناه، ومن باهنا باهيناه...كان في تاريخ اللإسلام الأول خنساء واحدة قدمت أربعة شهداء وفي تاريخ الثورة الجميلة خنساوات كثيرات وخنساويون.. كل واحد منهم وواحدة منهن يمكن أن يكون تكون للجمال الصريح أيقونه، أو تجسيد!!

جمالية الثورة السورية يا صاحبي...

في قول طفل سوري يستنكر على أدعياء محاربة الإرهاب : أهو حكم القوي على الضعيف؟؟ !! وقول آخر يقرع العالم المتواطئ الخؤون: "سأخبر الله بكل شيء" وقول ثالث "في جنة ربي سأجد كل ما أريد.." ولو تفرغ سوري لجمع فصوص الحكمة الجميلة التي انطلقت من أفواه الأطفال السوريين في سياق ثورتهم الجميلة، لكان له من تاريخ علم الجمال الإنساني أوفى نصيب.

جمالية الثورة السورية يا صاحبي ..

في مشهد طفلة دون العاشرة يستخرجونها من تحت ىالأنقاض، وهي تنادي بعلى لمصور القريب "عمو مشان الله لا تصورني أنا ما ني محجبة" هذه الطفلة تخبر كل العالم، وهي قاب قوسين أو أدنى من الموت، بأفصح لغة وأجهر صوت، أن العفاف بالنسبة للمرأة وللفتاة السورية جين من الجينات، يولد مع المرأة ويبقى معها، فأين تذهبون.. !! أسألك بالله أما شربت كلماتها، كما يشرب الماء البارد المحلى بالعسل، المعطر بماء الزهر ، بعد عطش يوم هجير : أعيده عليك لتتملاه " عمو مشان الله - رجاء ملهوف- لا تصورني أنا ماني محجبة"، وتسألني أين تقاسيم الجمال في وجه هذه الثورة الجميل؟؟

جمالية الثورة السورية يا أخا الوطن إن شئت وأخا الدين والعقيدة إن أردت...

هي في هؤلاء الملايين من اللاجئين والنازحين والمهجرين... ما زالوا حيث هم، ماء وضوؤهم مقدم على ماء شربهم، يتوضؤون ويسجدون لله شكرا واعترافا بجود وفضل لا يسجدون لغيره، أبدا ولا يرجون إلّاه ، ويظلون ينادون كلما حزبهم أمر أو ضاق بهم أهل الزمان أو المكان : ما لنا غيرك يا الله ...أما تسمعهم، في جوع وفي خوف وفي أسمال اسمها ثياب، يتحدث أحدهم عن الله بالثقة التي تجعله يدير ظهرا لكل ما مكر الجبارون !!

جمالية الثورة السورية إن كنت تسأل مستفهما أو مستنكرا ...!!

في وجه مليون شهيد حملوا الروح فوق الراحة، وخروجوا وقد باعوها لله، فنادوا: هي لله .. هي لله ..

أما سمعتهم يا أخي، أما صدقتهم وقد مهروا النداء بأزكى الدم وأطهره. والجود بالنفس أقصى غاية الجود..

جمالية الثورة السورية يا عزيزي ...

في كل هؤلاء الذين ما يزالون بنادون - على الرغم من كل الخيانة والخذلان- عاشت سورية ويسقط بشار الأسد ..ونردد وراءهم ولا نبالي: عاشت سورية ويسقط بشار الأسد، ويسقط الروسي ويسقط الصفوي، ويسقط كل الأشرار على أرضنا ...

والله لو جمعتَ كلَّ ما خلق الله على وجه هذه الأرض من زهر ومن ورد ، لتضم طاقة بحجم ما في تقاسيم هذه الثورة الجميلة العظيمة من جمال، ما أدركت ...!!

تسألني أين ؟؟ وأجيبك: وهل يخفى القمر !!

أيها السوريون الأحرار ...

أن مجرمكم يترنح، ولن يسعفه قلب منقول، ولا أطراف اصطناعية مخبرية، ففكروا واستأنفوا وكرّوا .. ولا تقولوا خذلنا فلان وفلان، واعلموا أن الله معكم (وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ) ولا جهادكم ، ولا صبركم ...

وأول أمركم أن تنفضوا أيديكم من الخاذلين المتخاذلين الذين يسيرون في طريق المهانة ولا يبالون ..

أيها السوريون الأحرار

 احزموا أمركم، واستأنفوا ثورتكم ، بطرق وأساليب لا تنال منها خيانة خائن، ولا خذلان خاذل، ولا تحتاجون فيها إلى خيط إبرة من الآخرين ..

وكل ما تحتاجونه قليلا من الإصغاء للرأي الرشيد، وكثيرا من العمل السديد.

والنصر قادم - بإذن الله - وإن رغمت أنوف...

(وَأُخْرَىٰ تُحِبُّونَهَا ۖ نَصْرٌ مِّنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ).

*مدير مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وسوم: العدد 992