لا فرق في عدم الشرعية بين إسرائيل وبين مستوطناتها في الضفة والقدس

رش مستوطنون في بلدة حوارة جنوبي نابلس جنودا إسرائيليين بالغاز ، فأصابوا قائد الكتيبة وجنديا ، وأطلقوا الغازات على جنديين في مفترق قريب من حوارة . وأغضب الحادثان رئيس الأركان عفيف كوخافي ، ووزير الدفاع بني غانتس ، ورئيس الوزراء يائير لابيد ، فغرد الأول واصفا فعل المستوطنين ب " السلوك العنيف والإجرامي . " ، وهدد الثاني بالعمل " على محاكمة المجرمين الذين لا يمثلون المستوطنات . " ، ووصفهم الثالث ب " مجرمين خطرين . " . ومن يقرأ التغريدات الثلاث دون معرفة مسبقة بعلاقة إسرائيل بهؤلاء المستوطنين يحسبهم مشاغبين في مجتمع شرعي واحد ، ولا يأتي في باله أنهم قتلة ولصوص في أرض شعب آخر ، وأنهم فرع دموي خبيث من شجرة دموية خبيثة أكبر هي إسرائيل ، وأنها المستوطنة الكبيرة الأم ، وأن هؤلاء المستوطنين هم سلالتها الشيطانية ، وأنه لا فرق في عدم الشرعية بين المستوطنة الكبيرة الأم وبين المستوطنات الصغيرة التي تفشت في الضفة وغزة بعد عدوان 5 يونيو 1967 . وفي خبث ، تقسم إسرائيل مستوطنات الضفة إلى " شرعية " عددها 132 ، وما تسميه بؤرا عشوائية عددها 147 تزعم أنها أقيمت دون موافقة رسمية من الحكومة ، وهي التي تحميها وتنفق عليها تمهيدا لصيرورتها رسمية شرعية وفق تقسيمها . وفي القدس 14 مستوطنة كلها رسمية شرعية وفق ذلك التقسيم الباطل المضلل . المشروع الصهيوني قام على ثنائية الهجرة والاستيطان ، ومزيد من المهاجرين يؤدي إلى مزيد من الاستيطان . وتوسعه في أماكن جديدة لا يوضح أن الأرض التي أقيمت عليها إسرائيل في 1948 ضاقت بهؤلاء المهاجرين المستوطنين ، وكلهم يعيشون في حوالي 15 % من تلك الأرض ، والهدف الحقيقي من التوسع الاستيطاني في الضفة والقدس والجولان ، وسابقا في سيناء وغزة ، هو تهويد تلك الأراضي لتكون جزءا من إسرائيل الكبرى المستقبلية ، ولتفريغها من سكانها العرب خاصة الفلسطينيين الذي يمثلون الأكثرية العربية في الأرض التي تخضع الآن للاحتلال الاستيطاني ، وترى إسرائيل وجودهم فيها تهديدا ماحقا لوجودها كله . وإساءات المستوطنين القليلة العابرة للجنود الإسرائيليين لا تأثير لها على جوهر الاستيطان ولا على العلاقة بين الطرفين . إنهم امتداد جغرافي وبشري للمستوطنة الأم ، وهي التي تمولهم ، وجيشها هو الذي يحميهم ، وتعاملهم في كل ناحية معاملة خاصة متميزة عن مستوطنيها في أراضي 1948 ، فتعفيهم من الضرائب ، وتخفض ثمن المنازل التي يسكنونها في المستوطنات تخفيضا كبيرا يجعله زهيدا جدا قياسا بأثمان المنازل وإيجاراتها في تلك الأراضي ، وشجع  هذا  دائما على قدوم مستوطنين جدد إلى الضفة من أراضي 1948 ، ومن العالم ، والنوع الثاني منهم يزيد في الحروب والأزمات ، وتسكن الحكومة الإسرائيلية القادمين الجدد في المنازل الخالية في المستوطنات ، وتسببت الحرب الروسية الأوكرانية في قدوم 39 ألف مهاجر أوكراني وروسي ، والباب مفتوح لقدوم المزيد ما دامت الحرب في عنفوان أوارها ، وتعزيز الاستيطان في الضفة الذي تنشط في ميدانه 72 جمعية إسرائيلية ، أشهرها جمعية إلعاد التي تركز نشاطها  في القدس ، ليس موقوفا على ما تموله به الحكومة الإسرائيلية ، فهذه الجمعيات  تحصل  على تمويل سنوي من مصادر مدنية في أميركا مقداره 4 مليارات دولار .   ويضلل غانتس زاعما أن المستوطنين الذين اعتدوا على الجيش والذين يصفهم بالمجرمين لا يمثلون أخلاق المستوطنين ، وكلهم في الحق من قماش واحد ، من اعتدى على الجيش حين تظاهر بمنعهم من رجم سيارات الفلسطينيين بالحجارة ، ومن لا يعتدي عليه ، فهم والجيش شركاء في الاعتداءات اليومية على الفلسطينيين ، ولولا حمايته الدائمة لهم ما تجرؤوا في الاعتداء عليهم . وأحيانا يحذر كتاب إسرائيليون من انتقال عدوى وحشية المستوطنين ضد الفلسطينيين في الضفة والقدس إلى مستوطني الداخل المحتل في العلاقة بينهم كإسرائيليين وهما من  أولئك الكتاب أو  تضليلا مقصودا بوجود فارق بين الطرفين في هذا التوحش ولو تباينت الأساليب . نوعية الفعل تحدد هوية صاحبها سموا أو انحطاطا ، والتمويه واختلاق المسوغات المضللة لا يستران هذه النوعية . سرقة وطن شعب آخر والعمل على اقتلاع أهله منه وقتلهم وتخريب عمرانهم أعلى درجات التوحش الهمجي والانحطاط الأخلاقي والقسوة الدموية المتمادية. ودائما كانت هذه صفة سراق الأوطان وقتلة الإنسان باسم الاستيطان والحضارة والعمران ، ولا فرق في هذه الصفة بين المستوطنين اليهود في فلسطين وبقية الأرض العربية وبين المستوطنين الأوروبيين وراء الأطلسي في بلاد الهنود الحمر . وصف الكاتب والشاعرالأميركي بريت هارت ( 1836 _ 1902) أولئك المستوطنين ب squalid and vicious   murderers   و desperadoes    و lynchers  " أي سفاحون قذرون أرذال ، ومجرمون بؤساء متهورون ، وقتلة دون محاكمة . " ، وتلك هي صفات إسرائيل المستوطنة الأم وصفات مستوطنيها في الضفة والقدس والجولان ، ولم تتبدل الصفات على توالي الزمان بين المستوطنين الأوروبيين القدامى وبين المستوطنين الإسرائيليين المحدثين ، والأخيرون الذين ابتلينا بهم هم أساسا أوروبيون .  

وسوم: العدد 1003