زلة حماس تستحق التوبة والإنابة إلى الله

ترددت كثيراً في الكتابة حول السقوط المشين عندما ألقت حركة حماس بنفسها في أحضان نمرود الشام، الذي يُصنف باعتراف العالم أجمع أنه وحيد عصره في الإجرام والقتل والتدمير، وحماس المصنفة على العرب بأنها الثلة المجاهدة الباقية في مواجهة الصهاينة، وأثبتت وجودها في كل مواجهة مع الكيان الصهيوني حتى أجبرته على الهروب من غزة هاشم يلعق جراحه.

نعود لطاغية العصر بشار الأسد ووالده من قبله لنفتح سجل هذه العائلة المتعطشة لسفك دماء السوريين والفلسطينيين.

في عام 1976 دفع حافظ الأسد بجيشه إلى لبنان بضوء أخضر من أمريكا والكيان الصهيوني بحجة وقف الحرب الأهلية فيه والفصل بين الطوائف المتحاربة، فاصطف إلى جانب عملاء بني صهيون في مواجهة الحركات الوطنية المقاومة والمدعومة من الفصائل الفلسطينية، ولما كان الميزان العسكري في صالح قوات حافظ الأسد حيث يملك الأسلحة الثقيلة والقوة النيرانية التي تفتقد لها الحركات الوطنية والفصائل الفلسطينية، مجبراً الفلسطينيين على مغادرة آخر معاقلهم في طرابلس الشام، بعد أن دمر مخيم نهر البارد وتل الزعتر على رؤوس الفلسطينيين، خرج الفلسطينيون بحماية العلم الفرنسي، إلى آخر منفى لهم في تونس، وطرد البقية الباقية من الفلسطينيين الذين رفضوا الخنوع والاستزلام له من المخيمات الفلسطينية في سورية.

وحتى يضمن حافظ الأسد عدم عودة الفصائل الفلسطينية إلى لبنان جعل منه المحافظة الخامسة عشر لسورية الأسد، وراح يطبق سياسته الإجرامية على لبنان واللبنانيين، فينصّب الرئيس ويشكل الوزارات ويرشح النواب ويرفع ويخفض ويسرح ويعين ويقتل ويبعد، ويفعل كل الأفاعيل المنافية للعقل والمنطق والأخلاق والشرائع السماوية والأرضية في لبنان كما يفعل في سورية، بعد أن جعل منها مزرعة له ولأسرته وطائفته يتقلبون في نعيمها وترفها.

وخلال تلك الفترة كان يدبر بليل نصب مجازر في سورية بعد أن أحس أن هناك من يناصبه العداء ويتحين الفرصة ليثور عليه وينهي صفحة ظلمه وطغيانه وجبروته عن سورية والفلسطينيين واللبنانيين، فبدأ بمدينة حلب وريفها التي كانت تغلي كالمرجل، ففاجأ الناس يوم العيد في حي المشارقة وجمع نحو مئتي شاب ورجل وطفل وشيخ وامرأة وأنزلهم من بيوتهم إلى مقبرة الحي، ليتكفل قائد الوحدات الخاصة المقدم العلوي هاشم معلى بتصفيتهم، ولم يكتف بمجزرة المشارقة بل قام بأبشع منها في كل من جسر الشغور وسرمدا، وانتقل لفعل نفس الشيء في حمص وحماة والتي توج أكبر مجازره فيها، والتي سميت بمأساة العصر، حيث تم القضاء على ما يزيد على أربعين الفاً وفرار نحو 300 ألف من سكانها، وتدمير عدد من أحيائها بما فيا من دور عبادة ومدارس ودور ثقافة وبنية تحتية وآثار عامرة بكل نفيس.

وفي الوقت الذي كان حافظ الأسد ينصب المجازر للسوريين كان جيشه يفر كالجرذان أمام العدو الصهيوني وتتساقط طائراته كالفراشات أمام نيران طائرات العدو الصهيوني، وليجتاح شارون جنوب لبنان حتى بيروت، وقد تمثل الشاعر بوصف حاله قائلاً: (أسد علي وفي الحروب نعامة.. ربداء تجفل من صفير الصافر).

ويتسلم حكم سورية ولبنان ولده البهلول مجرم الحرب بشار الأسد عام 2000 برعاية أمريكا وأوروبا والكيان الصهيوني، ليكمل الدور المرسوم لآل الأسد في حماية حدود الكيان الصهيوني، حيث تصل ذراعه العسكرية المعدة مسبقاً لهذه الحماية، التي امتدت لنحو نصف قرن، ليتفرغ الصهاينة لذبح الفلسطينيين وتهجيرهم وقتلهم والتضييق عليهم.

وثار الشعب السوري على المجرم البهلول بشار الأسد مطالبين بالحرية والعدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية، فقابل صدورهم العارية بالنار والرصاص والذبح والنحر والتضييق، والشعب الثائر صابراً على نزيف دمه لأكثر من ستة أشهر، إلى أن انشق عدداً من الضباط الشرفاء من جيش البهلول المجرم بشار الأسد، وتطورت الثورة بان حمل الشباب الثائر القليل من السلاح حيث تمكنوا من تحرير نحو 70% من مساحة سورية من يد سفاح دمشق، وكان الفلسطينيون يشاركون إخوانهم السوريين في هذه المقاومة بالقدر المستطاع، مما جعل مجرم الحرب بشار الأسد ينكل بهم في أماكن تواجدهم وكاد يطهّر مخيم اليرموك منهم وهم بمئات الآلاف بمن فيهم عناصر حركة حماس، ولهذا كانت حماس أول المفاصلين لهذا المجرم السفاح الذين غادروا سورية، وتبعتهم بعض الفصائل الفلسطينية معلنين وقوفهم إلى جانب الشعب السوري المكلوم، إلا قلة قليلة من أراذلهم وسفهائهم ارتضوا ليكونوا صبياناً وعبيداً للأسد البهلول .

وعندما أحس مجرم الحرب بشار الأسد بالهزيمة استقدم الإيرانيين من العراق ولبنان بكامل أسلحتهم المتطورة، وعندما وجد مجرم الحرب بشار الأسد أن هذه الميليشيات الرافضية ليست قادرة على تثبيت حكمه والحيلولة دون سقوطه؛ لجأ إلى مجرم الحرب بوتين الذي جاء بكل ما يملك من ترسانة حربية مدمرة يجربها في أجساد السوريين قتلاً وتهجيرا وتدميراً، حتى بلغ مجموع ما قُتل من السوريين على يد بشار وحلفائه بتنسيق أمريكي وغربي ما يزيد على مليون سوري، واعتقال ما يزيد على نصف مليون، ونزوح ثلاثة ملايين من بيوتهم وأماكن سكناهم، وتهجير نحو عشرة ملايين إلى خارج سورية، وضيق المجرم السفاح على من تبقى في سورية من السوريين والفلسطينيين في مناطق ضيقة من سورية، بدعم من الأعداء الروس وحزب اللات اللبناني والميليشيات الرافضية التي جندتها إيران من كل أصقاع الأرض، لدعم بشار وتثبيت أركان حكمه والحيلولة دون سقوطه.

والمعيب المخجل أن حركة حماس التي كانت إحدى ضحايا آل الأسد تسارع للارتماء في أحضان هذا البهلول المجرم، في وقت ترفض معظم دول العالم تصنيفه بغير ما يستحق؛ بأنه مجرم حرب لا شبيه ولا مثيل له، وكأن حماس افتقدت الرجل الرشيد الذي يسير بها في طريق العقل الحر الرزين، الذي يفرق بين الحق والباطل والغث والسمين.

 ويمكن فهم إعادة فتح قنوات التواصل مع إيران، والتي لم تنقطع كلياً أبداً حتى في ذروة وقوف "حماس" إلى جانب الثورات، وتحديداً في سورية. فكانت زيارة رئيس المكتب السياسي للحركة إسماعيل هنية إلى طهران للتعزية في اغتيال قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني، قاسم سليماني، عام 2020، وما تلاها من عودة التقارب والدعم الذي تتلقاه "حماس" من النظام في إيران. هذا الفهم لتحوّل موقف "حماس"، رغم الانتهاكات التي قامت وتقوم بها إيران في دول عربية عديدة، وفي مقدمتها سورية واليمن والعراق، مرتبط بوضع "حماس" كحركة مقاومة فقدت كل السند الذي كانت تعوّل عليه خلال السنوات القليلة التي أعقبت الربيع العربي، فعادت إلى السند الإيراني، خصوصاً في ظل "مهرجان التطبيع" مع إسرائيل، والذي ترعاه الولايات المتحدة، مدعومةً ببعض الدول العربية، ووصل إلى مراحل متقدّمة.

ووفق المنطق نفسه، يمكن استيعاب التقارب القائم مع حزب اللات اللبناني، والذي تُوّج بزيارة إسماعيل هنية إلى بيروت، ولقائه الأمين العام للحزب حسن نصر اللات، وذلك على الرغم من الانتهاكات التي قام وتقوم به ميليشيات الحزب ضد الشعب السوري.

لكن ما لا يمكن فهمُه ولا استيعابه هو فكرة التطبيع مع النظام السوري المجرم الذي ذبح من الفلسطينيين ما لم يذبحه الصهاينة على مدار احتلال فلسطين.

التطبيع مع النظام السوري لا يمكن أن يندرج ضمن أيٍّ من البنود السابقة التي يمكن سردها لتبرير، وليس قبول، عودة "حماس" إلى الحضن الإيراني والتحالف مع حزب الله، فإذا كان الدعم العسكري والمادي الإيراني مبرّراً، فإن هذا لا ينطبق بتاتاً على النظام السوري، والذي عُرف عنه أنه لا يقدّم أموالاً أو سلاحاً. وإذا كانت مواجهة مهرجان التطبيع مع الكيان الصهيوني سبباً للتنسيق مع طهران، فإن هذا أيضاً لا يمكن قياسه على وضع النظام السوري، فارتماءها المذل والمهين في حضن هذا القاتل السفاح، دون مراعاة لنهر الدماء الذي سفحه هذا المجرم من أجساد السوريين والفلسطينيين على مدار عشر سنين فلا مبرر له إلا التوبة إلى الله بانكسار واعتذار، وإلى المفاصلة المعلنة والبراءة من هذا النظام علناً وعلى رؤوس الأشهاد، علّها تكفّر عما ارتكبته من مظلمة بانخراطها إلى جانب عدو للعرب والمسلمين، ومتنكر لكل أخلاق العرب وقيم المسلمين، وهذا ليس عليه غريب فهي قرينة لازمته منذ وطئت قدماه وقدما أبيه من قبله سلم قصر المهاجرين، في غفلة منا أجمعين.

وسوم: العدد 1003