الديمقراطية هي السبيل لإظهار قادة عرب عظماء جدد

ما أن تحزب شرفاء العرب حازبة ، وما أكثر حوازبهم في هذا الزمان ، حتى يصرخوا مستغيثين بعظماء تاريخهم ، فنسمع صارخا يهتف : " عد يا صلاح الدين ! " ، وأحيانا يستغيثون بعبد الناصر ، ويتحسرون على صدام والقذافي وهواري بومدين ، وسواهم من عظماء التاريخ العربي والإسلامي قديما وحديثا . ولا وجود لهذه الظاهرة في شعوب أخرى إلا في النادر . ففي أميركا لا يستغيثون بجورج واشنطن بطل استقلالهم وتحررهم من بريطانيا ، ولا بأبراهام لينكولن بطل توحيد الشمال والجنوب بعد تمرد الجنوب . والبريطانيون لا يستغيثون بونستون تشرتشل بطلهم في الحرب العالمية الثانية . وانعدام استغاثاتهم بقدامى أبطالهم لا يعني أنهم لا يواجهون مشكلات محدثة ، بل لوعيهم أن أولئك الأبطال لن يبعثوا استجابة لأي صرخات استغاثة لو أطلقوها عاصفة داوية ، وكل علاقتهم بأولئك الأبطال أنهم مصادر إلهام وتحفيز لفعل ما ينفع البلاد والعباد الذي يتحتم أن يقوم به قادة جدد ، ولديهم الوسيلة لإظهار هؤلاء القادة الجدد . إنها الديمقراطية بنظامها الانتخابي الذي ينفذ كل عدة سنوات محددة دستوريا . ولو خاب أملهم في من انتخبوه رئيسا يسمح لهم النظام الديمقراطي  بانتخابات مبكرة استثنائية تخلصهم ممن خيب أملهم . وهو ما فعله حزب المحافظين مؤخرا حين أزاح ليزا تراس من رئاسته وبالتالي من رئاسة الوزارة ، وانتخب سوناك من العرقية الهندية رئيسا له ورئيسا للوزراء . العالم العربي محروم من هذا النظام ؛ لذا تنطلق صرخات اليأس المستغيثة كلما حزبته حازبة . واليائس أرعن متلهف  تصدر عنه أشياء لا معقولة ، ورعونته تصده عن حزم أمره لإصلاح حاله محركا قواه الذاتية للتخلص مما يحزبه . وفي الإنسان فردا أو أمة قوى مستقرة في داخلهما تترقب تحريكهما لها لتفعل فعلها لإنقاذهما مما يحزبهما من الحوازب أيا كان نوعها ، وأيا كان مدى شدتها وتعقدها . وحل كل مشكلات العالم العربي في انتهاج النظام الديمقراطي الذي يحرك كل طاقات الأمة البشرية والمادية والروحية تيارا واحدا متآلفا متآزرا صوب ما تصبو إليه من غايات ، ويجعلها مقتدرة صلبة في مواجهة ما  يثب في طريقها من عقبات وتحديات . وما من حياة نقية من ألوان لا عد لها من العقبات والتحديات . ومغالبة هذه العقبات والتحديات تحمس الهمم ، وتحض على البحث عن الحلول الملائمة الفاعلة ، وكل هذا آيات حيوية تفعم قلب الفرد أو الأمة بالحيوية والثقة في النفس . والفوز في التغلب عليها يراكم هذه الحيوية  وهذه الثقة ، ويجهز النفوس في اطمئنان لمغالبة عقبات وتحديات جديدة . وتحديات الحياة لا تنتهي ، والله _ تعالى _ يقول :  "خلق الإنسان في كبد . " ، أي أن حياته مكابدة ومجاهدة ومثابرة ، وكلها من حوافز البهجة والحمية لا الاكتئاب والهمود والانطفاء . ويروقنا في الثقافة الغربية احتسابها المشاكل سوانح لا عثرات وعقبات ، والإخفاق حافزا للمحاولة مجددا حتى الفوز المبين . وكل هذه القيم تنتجها الثقافة الديمقراطية التي يشعر الناس في جوها  بقدراتهم الذاتية ، وأهليتهم للوصول إلى أعلى قمم النجاح ، وأن هذه الأهلية ليست محصورة زورا وباطلا في سلالة القوى الحاكمة المستبدة . تاتشر رئيسة وزراء بريطانيا  السابقة ابنة بقال ، وطوني بلير رئيس وزرائها السابق  عمل نادلا في مقهى ، ورئيس البرازيل للمرة الثانية سيلفا دي لولا عمل ماسح أحذية . طائر الديمقراطية استقر في بلاد كثيرة ، فانبعثت من مراقد جمودها وضعفها وفقرها ، وقويت وغنيت ، وصارت ذات قيمة تحت الشمس ، مهتابة الطرف ، ولم يحط هذا الطائر في بعض البلدان العربية سوى  حين قصير ، وطرد ، بل اغتيل . الحكام في العالم العربي حكام بأمرهم لا بأمر شعوبهم ، وكلهم يُزمنون  في الحكم ، ويورثونه مَن بعدهم أشخاصا من ذات الأسرة الحاكمة في الأنظمة الملكية والأميرية والسلطانية والحزبية في الجمهوريات التي سميت لهذا السبب جملوكيات ، فيدوم الاستبداد واللامحاسبة مع الحاكم الخالف مثلما كانا مع الحاكم السالف ، ويترسخ ضعف الدولة والشعب ويتوسع ، وتسحق ملايين المواهب والمهارات في الشعب ،  وتحرم منها ها البلاد في السياسة وتنظيم المجتمع ، والاقتصاد والعلم والدفاع والدبلوماسية  . في دول الخليج كل المناصب السيادية يليها أبناء العائلات الحاكمة ، وتغلق في وجوه أبناء الشعب ، ومهما توالى إخفاق أبناء العائلات فيها فلا إقصاء لهم منها ، ولا لوم لهم ، ولا نقول محاسبة ، على إخفاقهم مهما فَظُع وتغالى في مداه . وفي فلسطين كل السفراء من فتح ، ففسدت الدبلوماسية الفلسطينية ، ولم تصنع أي إنجاز مهما تضاءل وتقزم لقضية شعبها ، وصارت تورث إلى الأبناء والبنات والأقارب الأدنين . ومنذ عامين قال  أبو مازن إنه ينوي تعيين سفراء من خارج فتح ، ولم ينفذ ما قال إنه نواه . وبعد إخفاق الربيع العربي الذي أرادته أكثرية الشعوب العربية سبيلا إلى نظام ديمقراطي يساوي بين المواطنين ، ويقدم الأحسن والأكفأ على الأسوأ والأخرق ؛ ترددت عبارة بين الإسرائيليين موجزها أن عالما عربيا ديمقراطيا خطر كبير على إسرائيل ،ونشطوا مع أميركا وقوى الغرب المعادية للشعوب العربية لإحباط مسعى هذه الشعوب نحو الديمقراطية ، فتخرب ما تخرب من البلدان العربية التي تفجرت فيها ثورات ذلك الربيع ، وجيء في بعضها بحكام أضرى عداوة للديمقراطية من الذين أطاحت بهم عواصف ثورات الربيع ، وانتهت أحلامه مكاسب إسرائيلية مجانية ، كثر فيها المطبعون معها ، وتخطوا التطبيع إلى التحالف ، وفتح بلادهم لمخابراتها وعسكرها وتجارتها ، ومفسداتها لوعي وتوجهات شعوبهم القومية . ولا حل لكل مشكلات العرب إلا بالنظام الديمقراطي ، وحينئذ سيكونون قادرين في سلاسة على إظهار قادة عظماء مخلصين أكفاء  يغايرون  النوعية الحالية جلابة النكبات والمذلة والضعف والفقر لهم ، والتي لا تأخذ  شرعيتها منهم ، وإنما من أميركا والغرب الأوروبي وإسرائيل ، فيحمون بقاءها ، وتحمي مصالحهم مضحية بمصالح شعوبها .  

وسوم: العدد 1005