تونس: تعويم فرنسي لسعيّد أم «مؤامرة»؟

بدأت السلطات التونسية، مؤخرا، بإجراء تحقيقات مع 25 شخصية سياسية وإعلامية، بدعوى أن هؤلاء يمثلون شبكة «تتلقى دعما من فرنسا للإطاحة بسعيّد»، وذلك بعد أيام من اختتام القمة الثامنة عشرة للفرانكفونية التي انعقدت في جزيرة جربة التونسية في الشهر الماضي، والتي كانت، من دون شك، عملية دبلوماسية كبيرة قادتها باريس لإعطاء شرعيّة للرئيس التونسي قيس سعيّد.

تضمنت الحبكة المذكورة تفصيلا مهمّا، وذلك بنسبة ما جرى إلى المخابرات الجزائرية التي ساهمت في كشف «الشبكة» المذكورة، وبذلك تحقّق هدفان، تمثّل الأول بإنكار وجود رعاية رسميّة فرنسية لنظام الرئيس التونسي، الذي استعان، في 25 تموز/يوليو 2021، بالجيش للتخلّص من حكومة هشام المشيشي، والبرلمان المنتخب، واستقلالية القضاء والإعلام، وتمثّل الثاني بتظهير الدور الجزائري، باعتباره طرفا مهموما بمكافحة فرنسا «الاستعمارية»، التي كان مسؤولوها قد احتفوا برئيسها ووفده الكبير في آب/ أغسطس الماضي أيّما احتفاء!

لإظهار الركاكة السياسية لحكاية «المؤامرة الفرنسية»، مفيد التذكير بما حصل للرئيس التونسي الأسبق المنصف المرزوقي، عندما طالب في 12 تشرين أول/أكتوبر من العام الماضي، في لقاء مع قناة «فرانس 24»، بعدم عقد «القمة الفرانكفونية» في تونس «باعتبار أن تنظيمها في بلد يشهد انقلابا تأييد للدكتاتورية والاستبداد».

استشاط سعيّد حينها غضبا معلنا سحب جواز السفر الدبلوماسي من المرزوقي، وطالب وزيرة العدل ليلى جفال بفتح تحقيق قضائي، معتبرا ذلك «تآمرا على أمن الدولة الداخلي والخارجي»، وهو ما حصل فعلا، لتصدر بعدها محكمة تونسية حكما غيابيا يقضي بسجن المرزوقي «مدة أربع سنوات، مع الإذن بالنفاذ العاجل»، وذلك بتهمة «الاعتداء على أمن الدولة الخارجي»!

يوضّح غضب سعيّد، والإجراءات القضائية الجائرة ضد المرزوقي، الأهمّية الكبرى التي كان يتوخّاها من عقد «قمة الفرانكفونية»، باعتبارها مصادقة أوروبية ودولية، ولو تحت مظلة فرنسا، على شرعيّة إجراءاته الانقلابية، وهو ما حصل فعلا.

يناقض العقل، بعد تلك المناورة الدبلوماسية الهائلة، التي أدت لحصول «القمة الفرانكفونية» في تونس، والتي ساهمت بإنجاحها «شبكة» دولية وإقليمية متعاضدة على دعم نظام سعيّد، وأن يكون «كبش الفداء» فيها، الرئيس المنتخب الأول لتونس بعد ثورة 17 كانون الأول/ديسمبر 2010، أن تتحدث السلطات التونسية عن «مؤامرة فرنسية».

المعلومات الواردة عن شبكة «المؤامرة الفرنسية»، تتحدث عن مجموعة صغيرة من مؤيدي سعيّد الذين كانوا مقرّبين من نادية عكاشة، مديرة الديوان الرئاسي السابقة لسعيّد، والتي كان التونسيون يعتبرونها «خازنة أسرار الرئيس» و«حاكمة قرطاج»، والتي اتهمت عند استقالتها في كانون ثاني/يناير الماضي «زمرة من الفاشلين» ممن «لا دين لهم ولا شرف ولا وطنية» بالاستيلاء على مسار تموز/يوليو (أي حركة سعيّد الانقلابية)، والتي انكشف دورها في التخطيط لها في وثيقة يعود تاريخها إلى 13 أيار/مايو 2021، وتتحدث عن خطة لـ«دكتاتورية دستورية» في البلاد!

الذي حصل بعد ذلك أن جناح العائلة الذي يحيط بسعيّد، ويضم زوجته القاضية إشراف شبيل، وشقيقه نوفل سعيّد، ووزير الداخلية رضا شرف الدين أبعدوا المقرّبين لعكاشة عن المناصب الأمنية، وغادرت عكاشة بعدها إلى باريس، حيث بدأت بإطلاق بعض التصريحات العنيفة ضد المجموعة الآنفة الذكر، وكذلك بعض التسريبات التي تتحدث عن «صحة الرئيس»، واعتزامه طرد السفير الأمريكي، وقضايا عائلية خاصة.

«المؤامرة الفرنسية»، بهذا المعنى، هي صراع ضمن أجنحة الرئيس اللصيقة والمنشقّة، ولا يخلو من المكايدات الشخصية، وما بقي بعد ذلك، يدخل في باب التسليات المخابراتية!

وسوم: العدد 1009