التطرف والعنصرية الإسرائيلية

إن التصعيد الدموي الذي تشهده الأراضي الفلسطينية يعكس السياسة والعقلية الإسرائيلية الاستعمارية، ويحدد طبيعة الصورة التي بدأت تظهر ملامحها إزاء الهجمة المتطرفة التي تحظى بتأييد يميني عنصري، خاصة بعد فوز حلف نتنياهو بالانتخابات الأخيرة واتفاقه مع بن غفير. لقد أخذت مشاهد الإعدامات بحق المدنيين الفلسطينيين العزل في مناطق الضفة والقدس تطورًا ملحوظًا، إضافة للحصار والعدوان المتكرر على قطاع غزة في ظل عملية التحريض الممنهجة لمحاولة فرض واقع جديد عنوانه العنصرية وإنكار الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني. هذا الواقع الذي عززه الصمت الدولي، وغياب الاستراتيجية الوطنية الموحدة التي يجب تستند إلى عناصر القوة الفلسطينية وعلى رأسها إنهاء الانقسام واستعادة الوحدة الداخلية.

الحقيقة أن قادة الاحتلال لم يختلفوا على تأدية مهمتهم الأسمى وهي محاربة الإنسان الفلسطيني على أرضه، لتشريع سياساتهم العنصرية ومنح مساحة أكبر لقواتهم الإجرامية في ارتكاب المزيد من المجازر الدموية، وتغلغل الاستيطان بهدف السيطرة على الأرض، وهذا الجوهر بحد ذاته لإنهاء الوجود الفلسطيني.

تتزامن هذه السياسات الترانسفيرية التي تشرف عليها دولة الاحتلال الإسرائيلي بمختلف أجهزتها الأمنية والعسكرية، مع احتفالات مونديال قطر للعام 2022م. هذه الاحتفالات التي أزعجت إسرائيل برفع الجماهير العربية والدولية للأعلام الفلسطينية، وغياب تام لما يسمى العلم الإسرائيلي والرفض الواضح للتعاطي مع وسائلهم الإعلامية، في رسالة تذكير أنه غير مرحب بهذه الدولة الفاشية، وأن الفكرة التي تسوق لها قد ماتت ولم تعد شعارتها المزيفة تجدي نفعًا لأن الشعوب ما زالت حية، وتوجيه رسالة للزعماء والحكام المطبعين أيضًا بأنه آن الأوان لوقف حالة التخاذل والهرولة خلف التطبيع ومساعيه الرامية إلى شرعنة هذا المحتل على أرض فلسطين.

كما منح هذا المونديال الذي أحيته الأصوات الحرة، والتي عكست الوجه الحقيقي للشعوب المنحازة للحق الفلسطيني فرصة عظيمة لشعبنا في إعلاء صوته، ووفر الدعم المعنوي والشعبي والسياسي أمام العالم كله في دعم حقوقه التي أقرتها الشرعية الدولية وفي مقدمتها حق العودة (194) وتقرير المصير وإقامة الدولة المستقلة بعاصمتها القدس الأبدية.

إن الأدوار التي تمارسها حكومات الاحتلال مُتكاملة، وتُسند بشكل مباشر من الحكومة اليمينية المتطرفة ما يعطي دلالة أن الوقائع الميدانية تحدث بشكل مُتعمد كما تهدد حياة الشعب الفلسطيني بأكلمه، الذي بات يعيش الاستهداف الممنهج من آلة الحرب الإسرائيلية بشتى أنواعها ومكوناتها، والتي تظهر جليًا في التصريحات التي تحث المستوطنين وقوات الاحتلال على ارتكاب المزيد من الجرائم، حيث كان أخرها إشادة المتطرف زعيم حزب القوة اليهودية إيتمار بن غفير بالجريمة التي ارتكبها الجندي الإسرائيلي بقتل الشاب على حاجز حوارة في نابلس.

يأتي هذا المؤشر الخطير في ظل المواقف الصادرة عن الائتلاف اليميني عبر تهديداته المستمرة لاقتحام الأقصى وتهويده، والسماح للمستوطنين بالصلاة فيه، ومنح الموافقة العلنية لهم في استهداف الفلسطيني بالرصاص الحي، ومنح الترخيص والميزانيات للبؤر الاستيطانية العشوائية، إضافة لعمليات الاعتقال اليومية، وهدم المنازل، وإعدام المدنيين العزل.

فرغم التوثيق الإعلامي لواقعة إعدام الشاب الذي يؤكد زيف رواية الاحتلال، نجد أن وصف قادة الاحتلال للعملية الإرهابية الأخيرة بالدقيقة والحاسمة هو كشف  للعقلية الاستعمارية «الكولونيالية» التي تريد إسرائيل فرضها، والتي يشجعها المجتمع الدولي صاحب الموقف الخجول والمنحاز لدولة الاحتلال، إضافة لسياسة ازدواجية المعايير التي لم تنصف شعبنا المضطهد يومًا، بل قدمت غطاء فعلي على جرائمه، وأن لغة الاستجداء أصبحت لم تجدي نفعا ما لم تكن مقرونة بفعل ميداني مستمر ومنظم يقود إلى انتفاضة شاملة.

فلا شك أن الجماهير الحرة استعدتنا بصورتها التضامنية، إلا أن مواجهة الحالة المسعورة من التطرف الإسرائيلي التي راح ضحيتها أكثر من 200 شهيد منذ مطلع هذا العام، تُحتم علينا إنجاز الوحدة الفلسطينية، وضرورة الاستجابة إلى بنود «إعلان الجزائر» والبدء في اتخاذ خطوات عملية لتنفيذه من أجل إفشال استراتيجية الاحتلال القائمة على الإرهاب المنظم، واحترام تضحيات شعبنا واستثمارها نحو إنجاز حقوقه المشروعة.

وسوم: العدد 1009