حسام لوقا بديلاً عن علي مملوك؟

في الآونة الأخيرة راح يتصدّر وسائل الإعلام اسمُ اللواء حسام لوقا رئيس "إدارة المخابرات العامة" في سوريا. تركيز الأضواء عليه مردّه إلى حضور لوقا المتزايد على المستويات الأمنيّة الداخلية والخارجية. اللافت في الأمر أنّ الرجل صار مرشّحاً محتملاً وبديلاً عن رئيس "مكتب الأمن القومي" اللواء علي مملوك، أحد أركان حرس النظام البعثي القديم، الذي كان يشرف على جميع أجهزة المخابرات السورية.

ذاع صيت المملوك مديداً، فهو من الذين كانوا من الفاعلين الأساسيين زمن الرئيس السوري الراحل حافظ الأسد. وإلى جانب مهامّه الأمنيّة الحسّاسة التي اضطلع بها، فقد كُلّف إثر الأحداث في سوريا عام 2011 إجراء مصالحات داخلية. لكنّ الأهمّ هو تكليفه تنظيم علاقات وإدارة مفاوضات في الملفّات الخارجية مع دول عربية وأجنبية.

نشر "معهد الشرق الأوسط" تحليلاً عن شخصية وأدوار حسام لوقا تحت عنوان "عنكبوت خناصر(بلدته) والنجم السوري الصاعد حسام لوقا"، استعرض فيه سلسلة المحطّات التي رسمت صعود هذا الرجل الذي بدأ حياته المهنيّة ملازمَ شرطة في حلب عام 1984، وأصبح مديراً لـ"مديرية المخابرات العامة" للنظام السوري "الذي تبنّى العديد من الاستراتيجيات للتغلّب على مكاسب المعارضة الجادّة والتدخّلات الدولية، ومنها تعنيف المدنيين والاعتداء الوحشي على المعارضين، وصولاً إلى إعلان إصلاحات من دون مضمون جوهري، وإضفاء شرعية على الميليشيات الموالية له وجعلها قوات شرعية، ومحاصرة الأحياء المناهضة له وتطهيرها بالقوّة، واستخدام ذريعة "المصالحة" لإعادة فرض إرادته على المناطق المدمّرة والسكّان.

تطوّر دور لوقا وبات يشمل إعادة فرض نظام السلطة بعد نهاية المرحلة الشاملة من الحرب منذ أواخر عام 2019، حين عُيّن رئيساً للّجنة العسكرية والأمنية في درعا

أشار التقرير، الذي كتبه الباحث في المعهد غريغوري ووترز*، إلى الصعوبات التي يواجهها النظام السوري في تهديد الحكومة التي يقودها الأكراد في شمال شرق سوريا والمناطق المحميّة من تركيا في شمال غرب البلاد. وقد تمّ إسناد التفاوض بشأن تسلّم هاتين المنطقتين الوحيدتين اللتين ما زالتا مستقلّتين إلى علي مملوك، مدير مكتب الأمن القومي، البالغ من العمر 76 عاماً، والذي كان يشرف نظرياً على جميع أجهزة المخابرات السورية. لكن، وفقاً لأولئك الذين التقوه، "الرجل لم يكن مثير للإعجاب وفشلت محاولاته الأخيرة في استعادة بقيّة سوريا".

لهذه الأسباب، بدأ النظام في دمشق بالبحث عن رجل جديد يفرض إرادته على ما بقي من عقبات أمام "النصر الكامل". وأورد التقرير أنّ "الطبيعة الفاسدة والبارانويا للقيادة الأمنيّة والعسكرية للنظام تعنيان أنّ قلّة من الرجال اليوم لديهم ما يلزم من الكفاية والمكانة والثقة لتوليتهم منصب علي مملوك"، وهنا برز اسم حسام لوقا.

العنكبوت لوقا..

وُلد اللواء حسام لوقا في عام 1964 في بلدة الزراعة الشركسية الصغيرة "خناصر" الواقعة جنوب شرق مدينة حلب. بدأ حياته المهنية ملازمَ شرطة في حلب عام 1984، ثمّ انتقل إلى مديرية الأمن السياسي بعد حصوله على رتبة عقيد. وبعد خدمته لبعض الوقت في مديرية المخابرات الصغيرة في عفرين ودمشق، تمّ تعيينه رئيساً لـ"فرع الأمن السياسي" في حمص عام 2004. ثمّ رُقِّي إلى رتبة عميد، ثم عُيّن رئيساً لفرع الأمن السياسي في مدينة حماه مع بداية الاحتجاجات في عام 2011. لكن سرعان ما تمّت إعادته إلى حمص مع اشتداد الاحتجاجات وارتفاع وتيرة قمع النظام، فلعب لوقا دوراً مركزياً في القتال لمدّة خمس سنوات اتُّهم خلالها بتدبير مجازر متعدّدة بحقّ المدنيين فرضت عليه الولايات المتحدة عقوبات بسببها.

في تموز من عام 2016، تمّت ترقيته من لواء إلى نائب مدير مديرية المخابرات العامة أو فرع أمن الدولة الذي لعب دوراً رئيسياً في "المصالحات" التي بدأت دمشق بتنفيذها في جميع أنحاء البلاد. ووفقاً لوسائل الإعلام المؤيّدة للمعارضة السورية، قاد لوقا شخصيّاً في منصبه هذا المفاوضات لطرد آخر فلول المعارضة السورية من حيّ الوعر بحمص في أيار 2017. في تشرين الثاني 2018، عُيّن مديراً للأمن السياسي، وبعد ثمانية أشهر مديراً لمديرية المخابرات العامة حيث ما يزال حتى اليوم.

اعتبر كاتب التقرير ووترز، وهو محلّل أبحاث في مشروع مكافحة التطرّف، أنّ صعود حسام لوقا المطّرد في صفوف المخابرات السورية يُخفي الدور الأكثر تعقيداً الذي لعبه طوال الحرب. والذين يعرفون حسام لوقا أو التقوه يصفونه بأنّه "رجل ذكيّ ومتحدّث ماهر تجعله تجربته المبكرة في ريف حلب ماهراً، وخصوصاً في التفاوض مع قادة المعارضة الذي غالباً ما يكون ضبّاط المدرسة القديمة للبعث والعلويون غير قادرين عليه. لقد نجحت طبيعة لوقا القاسية والهادئة في حشد حلفاء أقوياء له من حلب إلى اللاذقية ودمشق، وإكسابه لقب "العنكبوت". اليوم، تجعله جهوده ونجاحاته على مدى السنوات العشر الماضية في إعادة بسط سلطة النظام في مجتمعات المعارضة مرشّحاً رئيسيّاً للحلول محلّ مملوك وتولّي ملفّ المفاوضات الأكبر".

وجد النظام السوري في لوقا وما حقّقه في بناء المحسوبيّات، والحصول على دعم ميليشيات سنّيّة موالية، أداة قيّمة لإعادة دمج المجتمعات السنّية المنشقّة

جيش سنّيّ جديد

استعرض التقرير إنشاء دمشق لـ"قوات الدفاع الوطني"، وهي ميليشيات على مستوى البلاد عمل "الحرس الثوري الإسلامي الإيراني" مع قيادة الجيش العربي السوري على تشكيلها وتدريبها، "وهي مصمّمة لدمج الشبّيحة العلويين مع المجتمعات السنّية التي تمّ حشدها حديثاً في قوات محلّية لدعم عمليّات الجيش العربي السوري في المناطق السنّية أو المختلطة". واعتبر ووترز أنّ إنشاء هذه الميليشيات والتحوّل نحو المجتمعات السنّية شكّلا للوقا أوّل فرصة مهمّة، "إذ استفاد من العلاقات الوثيقة التي أقامها مع إدارة مصفاة بانياس للنفط قبل الحرب، فقام بتحويل الأموال، التي ما يزال يحوّلها إلى الآن، إلى المدينة للمساعدة في تشكيل مركز بانياس لقوات الدفاع الوطني، الذي مكّنه من نشر هذه القوات في "خناصر" مسقط رأسه عندما تعرّضت للتهديد في أواخر تموز 2013، وكان أوّل انتشار للمجموعة خارج المنطقة الساحلية. وحصل على دعم المخابرات العسكرية لتأسيس ميليشياته الخاصة في "خناصر"، المعروفة باسم الفوج الشركسي، والتي ما تزال موجودة في المدينة حتى اليوم".

دور فعّال في عقد "التسويات"

عرض التقرير لكيفية انخراط لوقا في صفقات المصالحة "المعروفة بالتسوية والتي تنطوي على تسجيل المدنيين والمقاتلين المسلّحين رسمياً لدى القوات الأمنية والعسكرية للنظام عند استسلامهم، وقبولهم بمجموعة من الشروط التفاوضية مقابل إعفاء الدولة لهم من العقوبات على جرائمهم. هذه العملية التي تمّ إضفاء الطابع الرسمي عليها بموجب المرسوم 15 في تموز من عام 2016، استخدمها النظام بشكل فعّال إلى جانب الحصار العسكري الوحشي، لفرض استسلام المدن والبلدات التي تسيطر عليها المعارضة في جميع أنحاء البلاد".

وجد النظام السوري في لوقا وما حقّقه في بناء المحسوبيّات، والحصول على دعم ميليشيات سنّيّة موالية، أداة قيّمة لإعادة دمج المجتمعات السنّية المنشقّة، فتمّ تعيينه في مديرية أمن الدولة، التي تشرف على معظم اتفاقيات المصالحة.

تطوّر دور لوقا وبات يشمل إعادة فرض نظام السلطة بعد نهاية المرحلة الشاملة من الحرب منذ أواخر عام 2019، حين عُيّن رئيساً للّجنة العسكرية والأمنية في درعا المؤلّفة من كبار المسؤولين العسكريين في المنطقة والمكلّفة تنسيق مقاربة النظام الأمنية في مواجهة التمرّد المتزايد في الجنوب.

لوقا في ميادين الحرب والمصالحات

بحسب التقرير، بلغ مشروع لوقا الذي استمرّ عامين في درعا ذروته في العملية العسكرية المدعومة من روسيا في آب 2021 لفرض سلطة النظام الكاملة على العديد من المجتمعات التي منحها المفاوضون الروس وضعاً شبه مستقلّ خلال المصالحة في عام 2018.

بعد فترة وجيزة من فرض لوقا إرادة النظام في درعا، بدأ مصالحة جديدة على مستوى البلاد، وافتتح مراكز تسوية جديدة في ثماني محافظات على الأقلّ. وبدا أنّ القصد من هذه المبادرة الجديدة تحقيق أمرين:

ـ أوّلاً، تعزيز سيطرة دمشق على المناطق الريفية السنّية النائية التي استعادت السيطرة عليها بعد عام 2017.

ـ ثانياً، تقويض سلطة قوات سوريا الديمقراطية المدعومة من الولايات المتحدة في شمال شرق سوريا، وكذلك "جماعة تحرير الشام" المتمرّدة في شمال غرب البلاد.

استراتيجية الدبلوماسيّة والعنف

اعتبر كاتب التقرير، الذي يعمل أيضاً مستشاراً لمجموعة الأزمات الدولية، أنّ مسيرة حسام لوقا جزء من المسار الوحشي الذي رسمه النظام السوري لنفسه. فمِن قتل المتظاهرين السلميّين إلى إنشاء ميليشيات إجرامية، ثمّ المصالحات القسرية بين المجتمعات المعارضة، شارك لوقا في كلّ خطوة في استراتيجية دمشق المضادّة للثورة.

*غريغوري ووترز باحث غير مقيم في معهد الشرق الأوسط، ومستشار لمجموعة الأزمات الدولية، ومحلّل أبحاث في مشروع مكافحة التطرّف. يركّز بحثه على قوات الأمن التابعة للنظام السوري، وبشكل أساسي قدرات وبنية الجيش العربي السوري والميليشيات المتحالفة معه.

وسوم: العدد 1011