ورحل مردوخ مصر وسره معه … هل هي اللعنة؟!

في الأسبوع الماضي مات الرجل اللغز محمد الأمين في محبسه، لتكون نهايته عبرة لمن يعتبر، ولمن ألقى السمع وهو شهيد!

لم يثبت لديَّ «تيتل» بلغة الإعلاميين للفقيد، فقد وصفته الصحف التي أذاعت خبر موته بـ «رجل الأعمال»، دون أن نعرف أعماله ونشاطه التجاري. ونشرت الصحف حين سجنه أنه المالك السابق لشبكة تلفزيونات «سي بي سي»، وفي اعتقادي أنه لا مالك ولا يحزنون، ولكنه مجرد واجهة لقوم آخرين، لم نتعرف عليهم بعد، وعندما كانوا يقيمون له زفة، منذ ظهوره المريب في المشهد الإعلامي، ويصفونه بـ «روبرت مردوخ مصر»، كنت أسأل في هذه الزاوية «فضائيات وأرضيات» مَنْ هذا الرجل الذي هبط على المشهد بـ «الباراشوت»، ولو شغل الحكم الإخواني ما شغلني فربما أمكنه وقف حملة الإبادة الإعلامية ضد الرئيس محمد مرسي!

ولم يكن الأمر مرتبطاً بإيمان هذا الحكم بحرية الإعلام، ولكنها الغفلة، فليس في البحث عن المالك الحقيقي لهذه الإمبراطورية الإعلامية، والممول لها، جناية في حق حرية الإعلام، فحماية هذه الحرية يلزم بذلك، ولن يكون الأمر صعباً، حتى وإن قيل إنه وفَّرَ ثروته من العمل في إحدى دول الخليج لمدة عشرين سنة ، فأي عمل يمكن أن يوفر إطلاق ترسانة من القنوات التلفزيونية، توجد فها قناة خاصة من بابها للطهي هي « سي بي سي سفرة»، بجانب صحيفة يومية، ومراقبة التدفقات المالية لهذه الإمبراطورية سيمكن من الإمساك بالخيط والتوصل إلى الجناة، الذين يمهدون الطريق للانقلاب على المسار الديمقراطي، الذي يتأسس في مصر بشق الأنفس!

سألت عن مسقط رأس الرجل، فيمكن أن يقود هذا إلى تتبع خط سيره، منذ النشأة والتكوين، ومن كان يعرفه في مصر قبل السفر وحينه وبعده، ومن كان يعرفه في دولة الكويت وأين كان يعمل فيها؟ ولم أتلق إجابة، ومما قلته إنه لو كان معاراً لمنصب الأمير بالخليج لعشرين عاماً فلن يمكنه تمويل هذه الإمبراطورية الإعلامية، والذي زاد وغطّى، أنه تقدم وأغرى صاحب شبكة قنوات مودرن، واشتراها منه، وكانت أغرب عملية شراء في تاريخ الإعلام، أن تشتري قنوات تلفزيونية لا لكي يتم استثمارها ولكن من أجل إغلاقها!

وبالبحث والتحري تبين أن معتز مطر كان يقدم برنامجاً على واحدة من قنوات شبكة مودرن، وأنه هاجم المشير محمد حسين طنطاوي، في أيام حكمه بعد الثورة، فكان هذا التدخل الخشن، وكتبت في هذه الزاوية أكثر من مرة عن عملية البيع المريبة هذه، فالأصل شراء هذه القنوات والاستغناء عن خدمات معتز عقاباً له، ثم تستمر في العمل، وهو ما لم يحدث!

وصهر الرئيس أيضا

في هذه الفترة شغلني إثنان من الشخصيات الهابطة بالباراشوت على الحياة العامة، محمد الأمين، وأحمد فهمي رئيس مجلس الشورى، ورئيس المجلس الأعلى للصحافة وما استجد من أعمال، وهو شخصية باهتة وغامضة وحضوره يشبه غيابه، وكل قيمته أنه صهر الدكتور محمد مرسي، وقبل وقوع الانقلاب وجدت من يجيبني، وبنهاية حكم الرئيس محمد مرسي ذهب فهمي للتدريس في الجامعة، وكأنه كان في إعارة وعاد لاستلام عمله، وهي الجامعة ذاتها التي قامت بفصل الدكتور محمود عزت لأنه قيادي في الإخوان، وفصلت الدكتور محمد الجوادي لأنه ضد الانقلاب!

علمت أن أحمد فهمي من محافظة المنوفية، لكنه استوطن محافظة الشرقية إعمالاً لمنطق جحا، الذي سُئلَ عن بلده؟ فأجاب: التي منها زوجتي. لكن لم أعرف مسقط رأس محمد الأمين إلا بعد وفاته وإقامة سرادق عزاء فقير في قريته في بني سويف، والصور المنشورة تشير إلى عزوف الناس عن تقديم واجب العزاء، فبدا السرادق المنصوب فارغاً، ولم يجد الرجل من ينعيه من الذين عملوا في «إقطاعيته الإعلامية» سوى «خيري رمضان»، ولو أن الوفاة كانت قبل الانقلاب العسكري لكان وجهاء مصر كلهم هناك!

الخطة العبقرية

خطة للـ «بي بي سي» كانت عبقرية، فقد أعادت تدوير إعلام العهد البائد، ومن كانوا الواجهة التي تمهد للتوريث، فلما قامت الثورة تحولوا، ومع ذلك لم تكن تتحملهم القنوات التي كانوا يعملون فيها مثل التلفزيون المصري، وكان استمرارهم كفيلاً بأزمة كالتي قوبل بها قرار المجلس العسكري الحاكم بالتمسك برئيس قطاع الأخبار في التلفزيون المصري عبد اللطيف المناوي، وغني عن البيان أن «ثوار ماسبيرو» أخرجوه من مكتبه بالقوة إزاء هذا التعسف!

لقد استعانت القناة الوليدة في رمضان 2011، بإعلاميين مثل «لميس الحديدي»، و»خيري رمضان»، و»عماد أديب»، وعدد من القادمين من الخلف مثل «باسم يوسف»، و»مظهر شاهين»، و»معتز عبد الفتاح»، و»مجدي الجلاد»، بجانب برنامج لشخصية تنتمي فعلا للثورة هو الشاعر «عبد الرحمن يوسف»، وتم تعويم هؤلاء بهؤلاء، وباستضافة ما سُمّيَ بشباب الثورة، وما أطلقت عليهم أصحاب ائتلافات الوجاهة الاجتماعية، ثم كانت التغطية للفاعليات الثورية بعد ذلك أقرب إلى نبض الشارع، وأبعد عن المجلس العسكري!

واختلط الحابل بالنابل، فلم يعد أحد غيري يكتب عن أن لميس الحديدي مثلاً كانت مسؤولة الحملة الإعلامية لمبارك، فالجميع مستفيد من هذه «الخلطة»، وباسم الثورة كان الهجوم على المسار الديمقراطي لوأد التجربة، وكانت «بي بي سي» في كل جمعة تضع كاميرا أمام أحد فنادق القاهرة بينما شخص واحد يريد اقتحام الفندق بالقوة فيمنعه أمن الفندق، ويظل الأمر هكذا لساعات، فلا تمل الكاميرا ولا يتم القبض على هذا الشخص، وذات يوم جمعة كان النقل من أعلى كوبري السادس من أكتوبر، وكيف أن هناك من يقطعون الطريق وأيضاً لساعات!

كان الهدف إشاعة أن مصر تعيش الفوضى في ظل حكم الرئيس محمد مرسي، وأيضاً رسالة للسياح بعدم القدوم لهذا البلد الذي يعاني فوضى عارمة، وكنت أطالب بتطبيق القانون، وتوقيف الجناة للوصول الى مَنْ وراءهم، لكن «قد أسمعت لو ناديت حياً»، ولا يرد علينا بأن الداخلية كانت متواطئة ضد الرئيس، لأنه لو صدرت التعليمات للوزير بالقبض عليهم وتقديمهم للنائب العام الذي عيّنه الرئيس، فتقاعس لتبيّن إنه متواطئ ولما استدعى هذا استمراره إلى حين اليقين من كونه في الاتجاه المعاكس بعد الانقلاب!

الردح ضد الرئيس

ومن قناة «سي بي سي» ردحت «لميس الحديدي» للرئيس، وتجاوزت قواعد العمل الإعلامي، فكان رد الرئيس كيف تفعلين هذا مع رجل في سن والدك؟ كانت طيبة قلب متناهية، لكي تتمكن الترسانة الإعلامية من تهيئة الأجواء تماماً للانقلاب على الرئيس وعزله، واستمر محمد الأمين يمارس دور المالك لقنوات «سي بي سي»، واستمرت فكرة الواجهة، فتم استدعاء أبو هشيمة ليكون واجهة لعدد من وسائل الإعلام الأخرى، ثم تجاوزت السلطة هذه المرحلة فكانت الشركة المتحدة المملوكة لها، وقد وضعت يدها على وسائل الإعلام، ومن بينها قنوات «سي بي سي»، لتنتهي أسطورة محمد الأمين سريعاً بالقبض عليه بتهمة مخلة بالشرف هي التغرير بقاصرات، وإدانته ليموت في مستشفى السجن، وقد أخذ سره معه!

فلا نعرف ما إذا كان واجهة لأجهزة داخل مصر، أم لدولة ما، كما هو حال سيد البدوي شحاتة الذي كنا نعتقد أنه مالك قنوات الحياة، فتبين إن المالك الحقيقي هي دولة الإمارات، ومن المفارقات الغربية أن مالكي هذه القنوات الصوريين أو الحقيقيين انتهوا نهاية أليمة، فتم تغييب السيد البدوي عن المشهد، وأجبر ساويرس على بيع «أون تي في»، ومات صاحب «دريم» كمداً لأنهم أجبروه على بيعها للشركة المتحدة، وسجن صاحب «المحور» بتهمة الاتجار في الآثار، وأغلقت «الفراعين» وأحيل صاحبها وصاحبته على التقاعد، وانتهى محمد الأمين تحيط به عملية التشهير التي جرت!

وكأنها اللعنة، فاللهم حوالينا لا علينا.

وسوم: العدد 1012