استهلاك وتداول شرائح عريضة من مستعملي وسائل التواصل الاجتماعي المواضيع المتعلقة بالعرافة

من المعلوم أن الإنسان بطبعه تواق إلى معرفة كل  ما خفي أو غيّب عنه ، وهذا ما جعل بعض البشر منذ القديم يمتهنون العرافة ، وهي التنبؤ بالمستقبل وكشف المغيب  . ولقد اختلفت طرق ووسائل العرّافين عبر التاريخ حتى جاء عصرنا ،فعرف الناس بعض تلك الطرق والوسائل من قبيل  قراءة  خطوط الأكف ، و النظر في الفناجين ، وفي ألواح العظام ، و في الرمل ...و في كل ما يعتقد الناس أنه أفق من الآفاق التي تخفي المغيّب والمستور  .

ومعلوم أن الذي يجعل الناس يتطلعون إلى معرفة المغيّب والمستور هما أمران : الرغبة في حصول المرغوب ، والخوف من حصول المكروه . ولقد استعبد العرافون منذ فجر التاريخ خلقا كثيرا من خلال  استغلال هاذين الهاجسين .

ولقد تصدت الكتب السماوية كلها لدجل العارفين وسفهتها ، ولهذا كان كثير من الناس يلتبس عليهم دجل العرافين بوحي المرسلين . والرسالة الخاتمة المنزلة على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ، وهي رسالة موجهة للعالمين إلى يوم الدين قد حسمت في موضوع  إبطال العرافة ، وطوته إلى الأبد إلا أن كثيرا من الناس في عالم اليوم  لا زالوا ضحايا دجل العرافين يلتمسونه يوميا في المصادر التي تنشره مثل الأبراج على سبيل المثال حيث يعمد الراغبون في المرغوب ،والخائفون من المكروه إليها لمعرفة المغيب المتعلق بصحتهم  أو مرضهم وبنجاحهم أو فشلهم في عواطفهم و أعمالهم ... إلى غير ذلك مما يظنونه كشفا للمغيب وهو محض أوهام  .

ومع نهاية  كل عام ميلادي وبداية  عام جديد ،تكثر تنبؤات العرافين في كل أقطار المعمور ، ومن بينها البلاد العربية والإسلامية . ومع الانتشار الواسع لوسائل التواصل الاجتماعي عبر العالم،  كثر الإقبال على العرافين والعرافات خصوصا في البلاد التي يعاني مواطنوها من فراغ روحي بسبب الهيمنة المادية على حياتهم، الشيء الذي يجعلهم يميلون إلى التماس ما يسد مسد ذلك الفراغ الروحي ، ولو التمسوه في مظانه لكان خيرا لهم .

ومما يتداول هذه الأيام عبر وسائل التواصل الاجتماعي دجل العرافة المتعلق بتنبؤات  خاصة بالعام المقبل، وأغلبها ينذر بالويل والثبور وعواقب الأمور ، وذلك للعزف على وتر تكريس المخاوف التي تنتاب من يسلسون قيادهم للعرافة . وتحاول الجهات المروجة لدجل العرافين والعرافات إيهام الشرائح المصدقة لهم بأنهم أصحاب نبوءات سابقة قد صدقت من قبل ، وهو محض كذب  .

وإلى جانب هؤلاء ظهرت بعض الفيديوهات لبعض المتدينين يتحدثون فيها عن بعض علامات قرب قيام الساعة ، وهي أكبر وأعظم ما يخشاه الخلق مؤمنهم وكافرهم .

وللرد على العرافين والعرافات ، وعلى الخائضين في موضوع قرب الساعة نقول إن كتاب الله عز وجل قد حسم في أمر كشف الغيب الذي استأثر بعلمه سبحانه وتعالى في مثل قوله : (( قل لا يعلم من في السماوات والأرض الغيب إلا الله وما يشعرون أيّان يبعثون )) ، ومثل قوله تعالى : (( يسألونك عن الساعة أيّان مرساها قل إنما علمها عند ربي لا يجلّها لوقتها إلا هو ثقلت في السماوات والأرض لا تأتيكم إلا بغتة يسألونك كأنك حفي عنها قل إنما علمها عند الله ولكن أكثر الناس لا يعلمون )) . وكفى بهذين النصيين القرآنيين دليلا على دجل العرافين ، وعلى لا جدوى خوض الخائضين في موضوع علامات قرب قيام الساعة ، علما بأن الرسالة الخاتمة والرسول الخاتم عليه الصلاة والسلام أصح العلامات على أنه ليس بعدهما إلا قيام الساعة التي علمها عند الذي أخفاها سبحانه وتعالى .

ولا داعي للخوض في علامات الساعة الصغرى أو الكبرى لأن سائلا سأل عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم فكان جوابه : "ماذا أعددت لها ؟ "  وعقلاء الناس من شغلوا أنفسهم بالإعداد لها عوض الانشغال بعلاماتها .

وأكثرهم غفلة من شغلوا أنفسهم بتلك العلامات من قبيل  الحديث عن تطاول الرعاة في البنيان ،علما بأن هذا التطاول ليس وليد هذا العصر بل قد تطاول بنو أمية في البنيان لما حكموا الشام والأندلس ، وتطاول مثلهم بنو العباس في البنيان لما حكموا العراق وغير العراق ، وقد تطاول رعاة البقر في القارة الأمريكية في البنيان قبل تطاول البنيان في دول الخليج  أو غيرها ، فلماذا يشار إلى  تطاول  بعض البنيان في يعض الجهات  دون غيرها من جهات بلاد المعمور ،علما بأن الرعي لم يخل من قطر من أقطاره  وتطاول البينان لا يخل أيضا منها ؟

ولا يجب أن تذهب فهوم البعض إلى أن في هذا القول تشكيك أو تكذيب لما أثر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من إخبار عن علامات الساعة الكبرى والصغرى بل القصد هو تنبيه الناس إلى خطر الخلط الذي من شأنه أن يقعوا فيه بحيث يلتبس عليهم موضوع دجل العرافة بموضوع الغيب . وعلى الدعاة إلى الله عز وجل أن ينصرفوا إلى تحفيز الناس على صالح الأعمال عوض شغلهم بما غيبه الله تعالى عنهم، واستأثر بعلمه . وكفى بقول رسوله الله صلى الله عليه وسلم : " بعثت أنا والساعة كهذين " دليلا على قربها دون أن يزعم أحد معرفة وقتها .

وعلى الذين يتمنون كل يوم حصول المحمود  في حياتهم ،  ويخشون كل يوم حصول المكروه أن تستيقن أنفسهم دلالة قول الله تعالى : (( قل  لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا هو مولانا وعلى الله فليتوكل المؤمنون )) . فمن تشرّب هذه الآية عاش آمنا مطمئنا مستغنيا عن دجل العرافة ، وعن الخوض في أحاديث وأخبار علامات الساعة الكبرى والصغرى ، واشتغل بالإعداد العملي والإجرائي للساعة.

وسوم: العدد 1012