انتحار جماعي لـ «ساويرس» و«أهل التطبيل»… «فيه واحد ناقص»!

«ربك يسلّط أبدانا على أبدان»… هذا ما قاله المتصوفة، وقد أنتجت الحالة التي نحن في صددها عملية «انتحار جماعي» لكافة أطرافها، حسب الصحافي المعروف، نائب رئيس تحرير «الأهرام» سابقا، محمد الشاذلي، في برنامج «المسائية» في قناة «الجزيرة مباشر»!

فرجل الأعمال نجيب ساويرس أعاد نشر صورة لستة من الإعلاميين، المرتبطين بالنظام المصري وجودا وعدما، وهي كاريكاتيرية في دور فرقة موسيقية يحملون الدفوف وغير ذلك، وعلق: «فيه واحد ناقص»، فكان هذا مبررا لفرقة «التطبيل» نشأت الديهي، أن تحتشد ضده، وتقول فيه ما قال مالك في الخمر، وكان طبيعيا أن ينال الرذاذ المتناثر من أهل الحكم بدون وعي من كل الأطراف!

تعليق ساويرس: « فيه واحد ناقص»، حمال أوجه، فقد يفيد النقص في العدد، وقد يكون النقص في الصفة، فواحد ممن هم في الصورة منعوت بالوصف «ناقص»، لكن تعامل الجميع مع التعليق على المحمل الأول، وبأن القوم ينقصهم واحد، فهل كان يقصد الديهي ولهذا تدخل في العراك منحازا لمجموعة الستة، أم أنه كان في حكم دول الحصار، مصر، حسب الوصف القاسي لقناة «الجزيرة» في معركة حصار دولا خليجية لقطر، وما زلنا نذكر أنه في هذه الفترة تم تبشير المصريين بأنه سيتم إخراج قطر من مجلس التعاون الخليجي لتحل مصر محلها، مع ما يتبع هذا من أثار، أخصها أن يحلم المصريون بإعادة توزيع الثروة، وكأنه لا توجد في دول التعاون دول فقيرة، فالمجلس ليس مؤسسة لتقاسم الأرباح بين الدول الأعضاء، لكن الجائع يحلم بسوق الخبز!

ما علينا، فمن الواضح أن كل من قرأ تعليق رجل الأعمال المذكور، لم يذهب بعيدا إلى التفسير الخاص بالصفة، فذهبت الأذهان تبحث عن المقصود بهذا الواحد الذي لم تشمله الصورة ويقصده ساويرس، لأن العدد أكبر من هذا بكثير، والسبب في أنهم ستة فقط، يرجع إلى أن الصورة الأصلية هي لفرقة فنية لبنانية اسمها «الزمرد»، وتضم ستة أشخاص، وبواسطة «الفوتوشوب» تم تغيير الوجوه بإعلاميين مصرين، وهي صورة قديمة، منشورة عبر السوشيال ميديا، لكن إعادة نجيب ساويرس نشرها، ورد الفعل الحاد ضده، هو ما لفت الانتباه بشكل أكبر اليها وساعد في ترويجها على نطاق واسع!

العائدون أجسادا بلا أرواح:

التعليق يصور نجيب ساويرس، كما لو كان شخصا معارضا، ولهذا اندفع يهاجم الذين يقومون بـ «التطبيل» لأهل الحكم، وهذا بخلاف الواقع، فهو من رموز 30 يونيو/حزيران الذين مهدوا الأجواء للانقلاب العسكري على المسار الديمقراطي، على الرغم من إعلان وزير الاستثمار في عهد الدكتور محمد مرسي، أن لهم أمالا عريضة في آل ساويرس، لكنه مع هذا سخر قناته «أون تي في» في الهجوم على الحكم الإخواني بعد أن أطلق شائعة أنه باع الجمل بما حمل لرجل أعمال تونسي يعيش في باريس، وكان مما حمل هذا الجمل، هو الإعلامي جابر القرموطي، الذي أعادوه للشاشة، بعد إحالته للتقاعد لفترة طويلة، كما أعادوا غيره، من إعلاميي المرحلة السابقة، فكانوا أجسادا بلا أرواح!

لم يكن ساويرس حاضرا في جبهة الإنقاذ التي دعت للثورة المضادة في 30 يونيو/حزيران، لكن حزبه كان مشاركا فيها بقوة، عن طريق أحد الأشخاص الذين تولوا لفترة موقع الرئاسة فيه، ولا نعرف عدد رؤسائه، لكننا نعرف أنهم عابرون في شارع السياسة، حيث نفاجأ بالواحد منهم أمامنا بصفته رئيس حزب المصريين الأحرار، فلا نعرف سابقة أعماله، ثم يختفي فلا نسمع له موقفا سياسيا، ولا نعرف من الرئيس الآن، لكن عموما فإن «المصريين الأحرار» يُعرف بأنه حزب نجيب ساويرس!

والشاهد أن عناصر 30 يونيو/حزيران لم يعودوا على قلب رجل واحد، فلم يعد من الذين شاركوا في المشهد سوى مسؤول حركة تمرد، (لأنه حماية إماراتية)، ولأن كل من تطاول على الجيش بعد ثورة يناير/كانون الثاني، دفع الثمن، وإن كان من وجهاء الانقلاب، فالفتى له مداخلات تلفزيونية يهاجم فيه الجيش، لكنه وصديق له لا يزالان عضوين في البرلمان للدورة الثانية، وقد بقي في الصورة من مرحلة ما قبل الانقلاب العسكري، عدد من الإعلاميين يتصدرون المشهد، فهذا للضرورة التي تقدر بقدرها، فقد فشلت مهمة صناعة أذرع إعلامية، قال قائد الانقلاب العسكري إنها تستغرق عشر سنوات، وبعد السنوات العشر تمخض الجبل فولد فأرا ميتا، رغم أنهم لم يبخلوا عليه بالعطاء، فيقدم برنامجا في التلفزيون، وآخر في الإذاعة، ويمنح منصب رئيس تحرير لصحيفة يومية، ومسؤول عن قناة من بابها، وعن قطاع مهم في مؤسسة أهل الحكم للإعلام!

وحتى رئيس نادي القضاة أحمد الزند، الذي كان يصور نفسه على أنه شريك في الملك، لأنه من قادة 30 يونيو/حزيران، وهذا صحيح، تم إخفاؤه تماما، فلم تعد تسمع له ركزا!

غواية منصات التواصل:

ويبدو واضحا أن ساويرس، الذي كان يخطط لرئاسة الحكومة فأزعج تخطيطه السيسي فأجل انتخابات البرلمان لأكثر من مرة للتخطيط لتهميش حزب المصريين الأحرار، يعاني فراغا كما صوره واحد من مجموعة الستة، فمهما تحصل من أعمال، في هذه المرحلة، فلن تساوي شيئا، والرجل كان في عهد مبارك، وعهد ما بعد الثورة، يجري في الدنيا جري الوحوش في البرية، فشغل فراغه بمنصات التواصل الاجتماعي، وبتعليقات ساخرة، والأمر ليس فراغا فحسب، ولكنها «غواية» منصات التواصل، من حيث رد الفعل السريع، وقد أساءت هذه الغواية لإعلاميين كبار، كانت سماعة المذيع سترا وغطاء عليهم، ولو كنت في موقع المسؤولية بأي وسيلة إعلامية لاشترطت على من يلتحق بها، أن يغلق صفحته عليها، حفاظا على هيبته من أن تهدر، وعلى ضحالته من أن تتبدى للرأي العام!

بعض تعليقات ساويرس قد تكون سببا في الهجوم الحاد عليه، وكان التعليق الأخير «فيه واحد ناقص»، سببا في أن ينفر المعنيون، وردوا الهجوم بهجوم، والتطاول بتطاول أكبر منه، لكن يبقى أن تعليقه أسعد كثيرين ليسوا من شيعته، كما أسعد الهجوم عليه أيضا من ليسوا من شيعة مهاجميه، لأنه نال من سمعة الحكم!

لم ينف أحد من الستة على نشأت أنه طبال، أو يطبل للنظام، وقال عمرو أديب إن «تطبيله له أصوات»، لكن «تطبيلك له أبراج ودولارات». إنه يريد أن يقول كلنا في الهواء سواء، وقد ألمح إلى منح نجيب ساويرس قطعة أرض في حي الشيخ زايد من قبل السيسي لبناء أبراج عليها بالمخالفة لقوانين البناء في هذه المؤسسة، واتهمه أحمد موسى بأنه هاجم الجيش. وقال آخر إنه هرب أمواله للخارج. فمن المسؤول عن عدم تطبيق القانون عليه سواء في الهجوم على الجيش، أو في تهريب الأموال إلى الخارج، هل لأن النظام الحاكم يخشاه، أم أنه متواطئ معه في التهريب، تواطؤه في السماح له بمخالفة القوانين في حي الشيخ زايد، وأي تطبيل منه كان ثمنه أبراجا ودولارات، ومن المانح لكل هذا إن لم يكن النظام الحاكم؟!

زمان، كان يتولى منصب وزير الداخلية درويش اسمه عبد الحليم موسى، كان يبالغ كثيرا ليثبت أنه درويش، وشهد الشارع فوضى مع تركيزه على جماعات العنف فقط، وحدث أن كنت ونجم الشاشات في مرحلة تالية الخبير الاقتصادي صلاح جودة، على مقهى تابع لفندق في شارع جامعة الدول العربية في حي المهندسين، عندما حدث صدام بين سيارتين، تسبب في مشاجرة كبيرة بين السائقين، وهرول جودة إلى أرض المعركة، وعاد يقول لي إنهما ضابطا شرطة، ويعلق في دهشة: إن البلد ليس فيه وزير داخلية، فمشهد كهذا لا يمكن أن يحدث في الظروف الطبيعية!

وكان يمكن وقف المعركة سريعا فلا ينال السلطة ما نالها من جراء تهشم الزجاج في مشاجرة كان يمكن في الظروف الطبيعية أن تكون بين «مصارين البطن» الواحدة، لكن لا أحد هناك، يمنع حالة الانتحار الجماعي كما وصفها زميلنا محمد الشاذلي!

سبحانه وتعالى يسلّط أبدانا على أبدان!

وسوم: العدد 1013