الرئيس التونسي وقاعدة لا حياة لمن تنادي

يواصل الرئيس التونسي قيس سعيّد التزام الصمت تجاه نتائج الدور الثاني لما سُمّي بانتخابات تشريعية لم تتجاوز نسبة المشاركة فيها 11,3٪، في تأكيد جديد على معطيات الدور الأوّل الذي جرى أواسط كانون الأول/ ديسمبر الماضي وتوقفت نسبة المشاركة فيه عند 11٪. لم تكن هذه حاله في المسارعة إلى التعليق على نتائج الدور الأوّل، حين اعتبر أن العبرة في الدور الثاني على غرار مقابلة رياضية لا يجوز الحكم عليها من الشوط الأول.

من غير المرجح بالطبع أن يعلق الرئيس التونسي على هذا العزوف الشعبي الصريح، الذي يرقى فعلاً إلى مستوى بطاقة حمراء في وجه سعيّد ما دام قد استطاب اللجوء إلى مقارنات رياضية، كما يشكل مناسبة جديدة أشد وضوحاً لانفضاض شرائح عريضة من مؤيديه السابقين عن تأييد تدابيره التي بدأت منذ 25 تموز/ يوليو 2021. وليس بالنظر إلى عدم انتهاء تلك الإجراءات الانقلابية إلى نتائج إصلاحية ملموسة على الأرض فقط، بل تحولها تدريجياً إلى قوانين معيقة لمسار ديمقراطي ترسخ تباعاً منذ ثورة 2011، وتكريسها لنظام استبداد رئاسي وهيمنة على السلطات الثلاث التشريعية والتنفيذية والقضائية.

ولو أن سعيد شاء فعلاً التمعن في ما أرسلته مؤشرات الدورين الأول والثاني من دلالات، فإن نسبة الـ11٪ لن تكون وحدها كفيلة بدفعه إلى إبصار البطاقة الشعبية الحمراء، بل كذلك حقيقة فوز 3 نساء فقط خلال الدور الأول، في بلد عرفت فيه المرأة مكاسب اجتماعية وسياسية ومهنية قلّ نظيرها على نطاق العالم العربي. هنالك أيضاً بقاء 7 دوائر انتخابية خارج البلاد شاغرة تماماً لعدم تقدّم أي مواطن تونسي للترشيح فيها، وفوز 23 مرشحاً فقط من أصل 262 خلال الدور الأول، فضلاً عن فوز مرشحي عدد من الدوائر بالتزكية لعدم وجود مرشح منافس.

صحيح بالطبع أن الاستراتيجية الانقلابية التي اعتمدها الرئيس التونسي منذ صيف 2021 لا تُدرج أصلاً مبدأ انتخابات تشريعية نزيهة تأتي ببرلمان فعال ذي أدوار تشريعية ودستورية ملموسة، وجلّ ما سعت إليه هو تنصيب محفل لنوّاب لا حول لهم ولا طول لأن صلاحياتهم لا تمس مقام الرئاسة ولا أولويات ما يقرر ويشرّع. لكن الصحيح في المقابل هو أن أوضاع البلاد المعيشية والاقتصادية الآخذة في التدهور المضطرد قد تدفع أبناء تونس عموماً والفئات الفقيرة ومحدودة الدخل خصوصاً إلى خيارات قصوى تجعل شارع السخط والاحتجاج هو البرلمان الفعلي، بما ينطوي عليه تطور كهذا من عواقب بالغة الخطورة.

ومن جانب آخر، لو أن الرئيس التونسي أحسن الإصغاء إلى نبض الشارع الشعبي وما تقوله مؤشرات مهزلة الانتخابات التشريعية، فثمة فرصة سانحة تمثلها المبادرة المرتقبة لمنظمات المجتمع المدني التونسية الأبرز، وفي عدادها الاتحاد العام التونسي للشغل والرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان وهيئة المحامين والمنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية. أم يصح القول إن المبادرة لن تجد منه آذاناً صاغية ما دام سادراً في نهجه الانقلابي، وقاعدة لا حياة لمن تنادي هي الحاكمة عنده؟

وسوم: العدد 1017