العربدة الإسرائيلية في سوريا وأنساق الصمت الأربع

الاعتداءات الإسرائيلية على أهداف في عمق الأراضي السورية تواصلت وتزايدت وانتظمت على نحو جعلها أقرب إلى الحدث الروتيني الذي لم يعد يحتل صدارة الأخبار، وصار من المعتاد أن يكرر النظام السوري معزوفته الروتينية حول الرد في الوقت المناسب، مقابل عدم اكتراث دولة الاحتلال حتى بإعلان المسؤولية عن الضربات إلا إذا اقتضت توجيه رسالة إضافية ذات طابع ردعي معلن، كما في تعليقات رئيس الأركان الإسرائيلي السابق أفيف كوخافي حول قصف شاحنات إيرانية أواخر السنة الماضية.

ولأن غالبية الصواريخ الإسرائيلية تصيب أهدافاً إيرانية مباشرة أو ميليشيات تابعة لطهران أينما تواجدت على الأراضي السورية، فإن النسق الثالث الروتيني من الصمت هو السكوت عن وقوع ضحايا من الجنسية الإيرانية، لأسباب تتصل أولاً بتضليل الرأي العام الإيراني لكنها تنطوي تالياً على ازدراء الضحايا في صفوف المدنيين من أبناء سوريا. وبالطبع فإن عجز النظام السوري عن التصدي لهذه الاعتداءات يقابله امتناع إيراني عن مواجهتها، سواء أصابت منطقة البوكمال على الحدود السورية ـ العراقية والساحل السوري وأخرجت مطارَي دمشق وحلب عن الخدمة، أو توغلت أبعد داخل الأراضي الإيرانية ذاتها فضربت منشأة عسكرية وأخرى نووية.

والاعتداء الإسرائيلي الأخير استهدف منطقة في قلب دمشق، وليس ثمة الكثير من الألغاز التي تكتنف بواعث دولة الاحتلال وراء هذا الاختيار بالذات، الذي يضم الكثير من الأهداف الإيرانية الصريحة أو المموهة، وليس من فارق كبير في أن يكون المستهدف خلية أركان تابعة للحرس الثوري الإيراني أو شخصية إيرانية كبيرة، ما دام تنفيذ الاعتداء يتم بدرجة عالية من الاستعلام المسبق والتوقيت القاتل. ولا تُلام وسائل الإعلام المختلفة، بما فيها تلك الإيرانية الرسمية، على المسارعة إلى إقامة روابط بين قصف كفر سوسة قبل أيام، واغتيال القيادي الكبير في حزب الله عماد مغنية قبل 15 سنة، ما دام هذا الحي تحديداً هو مسرح العمليتين.

نسق رابع من الصمت تلتزم به الرادارات الروسية في سوريا، التي تُصاب بالخرس التام حين تمارس دولة الاحتلال عربدتها على امتداد العمق السوري عموماً، ولكن حين تستهدف خصوصاً مواقع قريبة من نقاط انتشار الجيش الروسي على طول الشريط الساحلي من اللاذقية ومطار حميميم وصولاً إلى ميناء طرطوس. لا ألغاز هنا أيضاً، لأن تفاهمات دولة الاحتلال مع الكرملين ليست عالية الوضوح والتناسق فحسب، بل تمّت صياغتها خلال لقاءات مباشرة «مثمرة» بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ورئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو.

لكن الصمت ليس خيار النظام السوري أو إيران وميليشياتها أو القاذفات الروسية، حين يتصل الأمر باستهداف قرى وبلدات ومدن سورية صُنّف سكانها في نسق العصاة والمتمردين والخارجين عن السلطة، إذ يستوي في حالتها قصف المخبز والمشفى والمدرسة والسوق الشعبي، كما يستوي أن يكون سلاح الفتك المستخدم صاروخاً أو برميلاً متفجراً أو مقذوفاً كيميائياً. وهنا لا حاجة لمعزوفة الرد في الوقت المناسب، إذ لا تناسب أصلاً ولا مناسبة.

وسوم: العدد 1020