وجاء الرد داميا على حسن نواياكم

جاء الرد الفاشي الاحتلالي الصهيوني الإجرامي الدموي سريعا على حسن نوايا السلطة، بل السذاجة والضعف الفلسطينيين لعرقلة أي خطوات من شأنها أن تعطي الأمل المفقود لدى القيادة الفلسطينية، ولا أقول الفلسطينيين، لأنه لا آمال يعلقونها على الإدارة الأمريكية، التي لم تفِ بوعودها يوما، ولا يثقون بوعود وتعهدات دولة الاحتلال غير المعروفة بالالتزام بتعهداتها للتفاهم مع الفلسطينيين، لأن التفاهم مع الفلسطينيين ليس غرضها، بل قتلهم وتدمير أراضيهم ومزارعهم، والاستيلاء عليها وعلى بيوتهم لحملهم على الرحيل.

جاء الرد بأسرع وأبشع مما توقعت وتوقع غيري.. جاء الرد بمثابة لطمة على الوجه لم يتوقعها أولئك المتفائلون دوما بهذه السرعة، جاء الرد بمجزرة حقيقية على النمط الإسرائيلي الإجرامي الاحتلالي، ارتكبها ليس غلاة المستوطنين المسعورين المنتشرين في كل بقاع الضفة، بل جيش الاحتلال نفسه، الذي يحاول أن يثبت أقدامه وسط هذه المعمعة الأمنية والسياسية التي تعيشها دولة الاحتلال. جاء الرد بلطمة قاسية وغير متوقعة ومباشرة على وجه أولئك الذين يعلقون آمالا كبيرة على الأمريكيين والإسرائيليين معا، واللاهثين وراء الحلول النصفية التي أثبتت فشلها مرة تلو المرة.

نعم هذا هو رد الاحتلال في أوضح صوره، على من لا يزال الشك يساوره بأن هناك احتمالا للتفاهم فرضه الأسياد الأمريكيون على السلطة الفلسطينية الضعيفة، المترددة في مواقفها والمتعلقة بقشة.

هل لا يزال عند القيادة الفلسطينية أو بعضها أمل في تطوير العلاقة مع دولة الاحتلال وحكومة الاحتلال بثالوثها العنصري الفاشي نتنياهو ـ بن غفير ـ سيموتيريتش؟

11 شهيدا من بينهم مسنان تجاوزا السبعين عاما من عمريهما، ونحو مئة مصاب، جراح بعضهم خطيرة. لم أستغرب هذه المجزرة البشعة، بل استغرب قيام السلطة بسحب مشروع قرارها الذي كان مطروحا أمام مجلس الأمن الدولي، الذي يدين بأشد العبارات الاستيطان الصهيوني، لاسيما قرار الكابنيت الذي يشرع9 بؤر، وبناء نحو10 آلاف وحدة سكنية، ويهدد بنقل القضية إلى محكمة الجنايات الدولية. جاءت هذه المجزرة لتؤكد خطأ التفاهمات الأمريكية لسحب مشروع القرار من على طاولة مجلس الأمن، بل أذهب إلى ما هو أبعد من ذلك بوصف القرار بالفاحشة الكبرى، ممثلا بتراجع السلطة الفلسطينية وسحب قرارها واستبداله ببيان رئاسي هزيل، بعد كل الجهود الدبلوماسية التي بذلت لإدانة دولة الاحتلال الفاشية الإرهابية، وخطواتها الرامية إلى بناء المزيد من المستوطنات ووضع إدارة بايدن مجددا على المحك. والغريب في الأمر أن السلطة الفلسطينية لم تحصل على ضمانات من الجانب الإسرائيلي بوقف الاستيطان والقتل، وهدم المنازل، وجرائم المستوطنين اليومية، ولم يشمل سحب الموافقة على تشريع البؤر الاستيطانية التسع، التي صادق عليها الكابنيت، أي الحكومة الإسرائيلية الأمنية المصغرة، ولا حتى وقف هدم المنازل في مناطق (ج) وغيرها. وارتكبت هذه الفاحشة، وهي ليست الأولى «بعدما وصلت اللقمة إلى الحلق» كما يقول المثل، لنُخرج أنطوني بلينكن وزير الخارجية الأمريكي وزمرته من مأزقهم مقابل وعود. ولكن إذا كانت هناك وعود خفية كما تزعمون، فمن حقنا عليكم أن نعرفها، أو على الأقل أن نعرف بعضها، حتى تبرروا ذلك أمام الجمهور الذي بدأ يفقد ثقته بكم.. وإذا كان الأمريكيون لم يعدوا بشيء، لا إعادة فتح القنصلية في القدس، أو إعادة فتح مكتب منظمة التحرير في واشنطن، أو رفع اسم منظمة التحرير الفلسطينية من لائحة الإرهاب أو المساعدات المالية، ولا ولن يتراجع الإسرائيليون عن خطواتهم، يبقى التساؤل هو ما الذي حققه الفلسطينيون من هذه الصفقة، إلا إذا كانت هناك بنود سرية لم يكشف عنها، وأنا شخصيا أشك في ذلك، بعدما أكد نتنياهو، أن حكومته لم تلتزم بوقف هدم المباني «غير القانونية» في المناطق المصنفة (ج). كل ما أراده الأمريكيون هو منع التصويت في مجلس الأمن ونجحوا في ذلك، حتى لا يضطروا إلى استخدام «الفيتو» ضد مشروع القرار الذي يعكس مواقفهم من قضية المستوطنات، كما أنهم يخشون من أن استخدامهم لهذا الحق سيؤدي إلى تصعيد للموقف. فهل كانت القيادة الفلسطينية ذات الخبرة الطويلة في التعامل مع كذب الإدارة الامريكية، تلك الإدارة التي فشلت على مدار سنتين ونصف السنة في البيت الأبيض تقريبا في الإيفاء بأي من وعودها، تصدق ما يقوله الأمريكيون؟ المؤمن لا يلدغ من جحر واحد مرتين فكم من مرة لدغتم؟

لا أنسى ذاك اليوم في الأمم المتحدة في نيويورك في سبتمبر 2011 الذي قاوم فيه أبو مازن الضغوط الأمريكية والعربية، لاسيما من جانب دولة الإمارات التي قطعت مساعداتها للسلطة، كجزء من الضغوط عليها، بعدم سحب مشروع قرار للاعتراف بدولة فلسطينية، لكن إصراره وتمسكه بمشروع القرار، أحرج إدارة أوباما واضطرها لاستخدام «الفيتو. بيد أن إدارة بايدن لا تريد أن تصل الأمور إلى هذا الحد، ولا تريد أن تكون محرجة باستخدام الفيتو، ونجحت في الضغط على السلطة، أو بالأحرى على أطراف منها، بإقناع أبو مازن بالعدول عن فكرة مشروع القرار. ولم تمض سوى ساعات قليلة على بداية التوافقات بين الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي، بسحب الأول قرار مشروع لمجلس الأمن يدين الاستيطان، واستبداله بـ»بيان رئاسي»، وإعلان حكومة الاحتلال وقف النشاط الاستيطاني مؤقتا، ضمن الخطوات التي وضعتها الإدارة الأمريكية لتهدئة الأوضاع الميدانية المتوترة، قبل حلول شهر رمضان، حتى كشف النقاب عن وجود قناة تواصل بين الطرفين، ذكر تقرير عبري أن حسين الشيخ أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير، قادها عن الجانب الفلسطيني، وعن الجانب الإسرائيلي مستشار الأمن القومي تساحي هنغبي. ويدور الحديث عن أن تلك القناة نشطت منذ أكثر من شهر بين ديوان الرئاسة الفلسطينية، ومكتب رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، رغم تعليق قناة التنسيق الأمني بين الطرفين، من قبل السلطة الفلسطينية، ردا على عقوبات إسرائيلية فرضت عليها، وبعد هجمات دامية نفذها جيش الاحتلال شمال الضفة. ويوضح التقرير العبري الذي نقل عن عدة مصادر مطلعة، أن «اتصالات مباشرة» رفيعة المستوى جرت بين مكتب نتنياهو ومكتب عباس، منذ تشكيل الحكومة الإسرائيلية اليمينية، بعلم الإدارة الأمريكية. وحسب التقرير، فإن الشيخ، كان قد بعث برسالة إلى مكتب نتنياهو عبر الإدارة الأمريكية، في الأسابيع التي سبقت تنصيب الحكومة، أوضح فيها أنه على الرغم من الخلافات العميقة، إلا أن السلطة الفلسطينية مستعدة للعمل معه. وذكرت أن الشيخ المسؤول أيضا عن الشؤون المدنية في السلطة، كرر رسالته لمكتب نتنياهو بعد تنصيب الحكومة، وأشار إلى رغبة السلطة في فتح قناة محادثات معها، ولاقى العرض قبولا من نتنياهو، حيث عين مستشار الأمن القومي، تساحي هنغبي، مسؤولاً عن الملف الفلسطيني، وفوضه إجراء المحادثات مع الشيخ، التي بحثت في بدايتها المحاولات الرامية لمنع التصعيد.

ويكشف التقرير العبري أن كلا من الشيخ وهنغبي، ناقشا عدة مرات عبر الهاتف التطورات الحاصلة على الأرض، كما عقدا عدة لقاءات، كان آخرها في الأيام الماضية، حيث جرى التركيز خلال اللقاء الأخير على تثبيت التفاهمات بين الطرفين. وقال «كانت هناك مناقشات مع الأمريكيين ومعنا أيضا حول كيفية خلق أجواء جديدة وجاءت هذه الأجواء التي يتحدثون عنها بقتل11 فلسطينيا في يوم واحد ليصل عدد الشهداء منذ مطلع العام الجديد إلى نحو 60 شهيدا. فهل لا يزال عند القيادة الفلسطينية أو بعضها أمل في تطوير العلاقة مع دولة الاحتلال وحكومة الاحتلال بثالوثها العنصري الاجرامي الفاشي نتنياهو – سيموتريتش مسؤول الاستيطان وبن غفير مسؤول في الضفة ومسؤول السجون؟ ننتظر الرد.

وسوم: العدد 1021