الدجاج البرازيلي … عن الدولة التاجر (دولة السيسي) نتحدث!

لا ينقصهم إلا أن يغنوا للدجاج البرازيلي، كما تم الغناء في السابق لـ «العنب»، وقد دخل إعلام المحروسة بكل ثقله للحديث عن دجاج القوم، وقيل إن المستورد منه خلال الأيام القليلة الماضية هو مئة ألف طن كمرحلة أولى، وفي حملة تاه فيها الحد الفاصل بين الإعلام والإعلان، واختلط الحابل فيها بالنابل، والتحرير بالدعاية، وهذه إشكالية أن يكون التاجر هو نفسه، صاحب الوسيلة الإعلامية، ومستورد الدجاج في حالتنا هو من يملك الإعلام في البلاد، ما ظهر منه وما بطن، وهذه الملكية ثابتة لما يسمى بالشركة المتحدة، التي تنوب عن المالك الحقيقي، صاحب صفقات الدجاج البرازيلي!

مشهد ذكرني بواقعة جرت قبل ثلاثين عاماً، عندما وجدت أحد أصحاب المخابز لصناعة الخبز البلدي، يفكر في اصدار صحيفة، وسألته عن الدوافع؟ فقال حتى تجري الصحيفة مقابلة مع وزير التموين، وتلتقط له هو صورة معه، فيعلقها في مدخل المخبز، فيعمل مفتشو التموين له حساباً، ومن الواضح أن هذه الحالة التي أضحكتنا في وقتها، سمح لها المناخ الجديد بالتطور، ليصبح صاحب «السبوبة»، هو نفسه مالك ترسانة الإعلام، فيسخره للترويج لبضاعته، وبالحديث عن مذاق الدجاج البرازيلي، المذبوح وفق الشريعة الإسلامية، والذي يرد الصحة ويداوي الكحة!

الإنجاز الأول للانقلاب العسكري الحاكم، كان في الاكتفاء الذاتي من البيض، وهو الخبر الذي نشر في عامه الأول، ثم تكرر في العام الثاني، إلا أن البيض ارتفع سعره أضعافاً مضاعفة، وصار سعر البيضة الواحدة يتراوح بين أربعة وخمسة جنيهات مصرية، بحسب المربع السكني، ثم بدأ الحديث عن ارتفاع سعر الدجاج المحلي، وبيعت لأول مرة في تاريخ البلاد أرجل الدجاج بسبب انتشار الفقر، وكل هذا كان يروج له إعلام أهل الحكم في مصر، وبدا الأمر كما لو كانوا يدفعون الناس للثورة، لا سيما عندما يتم الدفع بإحدى الهيئات العلمية لإصدار بيان أضحك الثكالى عن القيمة الغذائية لأرجل الدجاج، وإن سخر المصريون من هذه الدعاية، فلأننا لم نكن نعرف ما في جراب الحاوي!

ولأنها كانت معركة تحالف قوى الشعب العامل، فقد دخل الجنرال على الخط، وهو ينصح المصريين بالامتناع عن السلعة التي يرتفع سعرها، ومصدر الآهات هنا، أنه لا توجد سلعة واحدة لم يرتفع ثمنها إلا الانسان، فحتى سندوتشات الفول والطعمية، والكشري، ارتفع سعرها ولم تعد هناك وجبة شعبية، في استطاعة عموم المصريين اعتمادها، وهذا الاقتراح من جانب رأس السلطة يعني أن الدولة تخلت عن مسؤوليتها، وقد تحول هو إلى فيلسوف يقدم النصائح والارشادات الأسرية، ولم نكن نعرف المخطط!

أزمة الأعلاف والاستيراد

لقد اكتملت الصورة بإقدام أصحاب مزارع تربية الدواجن بإعدامها، لعدم توافر الأعلاف، ولأن الأعلاف يتم استيرادها من الخارج، ولأن الاستيراد يكون بالدولار، ولأن مصر تعاني أزمة فيه، فقد تم الإعلان عن عدم توافره، ثم حدث ما لم نتوقف أمامه، فهناك صفقات من الأعلاف ظلت راكدة في الموانئ المصرية لم يسمح لها بالدخول، إلا بعد أن ارتفعت الأصوات بالشكوى، ووجدت السلطة نفسها في حرج، فتدخل رئيس الوزراء بنفسه وبصفته للإفراج عنها بعد عدة أسابيع!

والحال كذلك، ففجأة يتم الإعلان عن استيراد الدجاج من البرازيل، وهو الأرخص نسبياً بالمقارنة بأسعار الدجاج المحلي، لكنه ليس الأرخص لما كان عليه الحال قبل الأزمة الأخيرة، لنكتشف أن الأزمة كانت مرسومة للوصول إلى هذه النقطة، فقد توافرت الدولارات، وتم الاستيراد، واحتشد الإعلام ليروج لهذا البديل الاستراتيجي!

وقالت لميس الحديدي في برنامجها على قناة «أون»، لو «الفراخ» المحلية غالية فأمامك «الفراخ البرازيلي» درجة أولى. وقال أحمد موسى في برنامجه على قناة «صدى البلد» إن «الفراخ البرازيلي» موجودة في تركيا وكل دول الخليج منذ 20 عاماً، وغنى ورد على نفسه بأن هناك من يقولون إن الدجاج البرازيلي يسبب العقم، ومن ثم حمل على هؤلاء، وأكد أن العقم لم يصب أحداً في دول الجوار الإقليمي!

وكان هذا في وقت صدر التوجيه المعنوي للذباب الإلكتروني بأن يتبنى تغريدة واحدة، تفيد شراء صاحب الصفحة للدجاج البرازيلي من أسواق «صن مول»، وبـ «هاشتاغ»: «خلوا الفراخ تعفن عند بتوع الفراخ»، فكيف أن الدجاج البرازيلي شهي، وقد أمكن لصديقنا تامر جمال (عطوة كنانة)، أن يمسك عدداً من الصفحات التي أذاعت هذا المنشور بالنص، وهي أزمة العقلية التي تدير هذه اللجان، فلا تستعين بمتعلمين يصدر لهم التوجيه، فيتولى كل منهم صاغة منشوره، رغم أن هذه اللجان يصرف لها أجر مقابل هذا العمل، لكن من الواضح أن القوم، شكلوا لجانهم على قواعد «فرق الأمن المركزي»، حتى إذا صدرت التعليمات لهم نفذوها بالنص بدون نقاش، لم يتمرن عليه حضرة الضابط!

أملاك الخدمة العامة

بالبحث عن متجر «صن مول»، عثرت عليه في موقع «القوات المسلحة» ضمن أملاك جهاز الخدمة العامة، وهو منتشر في سبع عشرة محافظة، ويوجد في كل من محافظتي القاهرة والجيزة أربعة فروع في كل محافظة، وفرعان في محافظة الإسكندرية، ثم إن السلطة نصبت معارض تحمل اسم «أهلا رمضان» أعلنت بيع الدجاج البرازيلي فيها، واندفعت الصحف والمواقع الإلكترونية تروج للمنتج الجبار، وتنشر أن إقبالاً منقطع النظير على الدجاج البرازيلي الذي غزا الأسواق المصرية، وتنشر عن مميزاته ومنافعه، في انتظار الخطوة المقبلة من الدعاية، بصورة المشلول، وقد مشى على رجليه بعد أن أكل دجاجة برازيلي!

فهل دور الإعلام نشر هذه الدعاية الفجة؟ بدلاً من أن يقوم المستورد بالدعاية مدفوعة الثمن لمنتجه؟ فمن هو المستورد؟

لم يتم الإعلان عن الجهة التي تستورد الدجاج البرازيلي، لكن ما حدث من ملابسات مثل إشارة بالسبابة إلى المستورد، الذي هو نفسه مالك الإعلام، وصاحب السلطة، التي مكنته من منع استيراد الأعلاف لمزارع الدواجن لعدم توافر الدولار، ثم توافر هذا الدولار لاستيراد الدجاج من البرازيل.

إنها دولة، ما بعد، بعد، الحداثة.. «الدولة التاجر»!

أرض – جو:

لم يرتبط وجداني بإذاعة القرآن الكريم، وبأصوات مذيعيها، لأن جيلي والأجيال السابقة التي نشأت في الصعيد ارتبطت بإذاعة البرنامج العام، فالإذاعات الأخرى لم تكن تصلنا بسهولة، لكن أعرف ما يمثله صوت الإذاعي الجيد لمستمعيه، عندما يصبح الصوت هو الذي يخاطب الوجدان، ويدشن للعلاقة بين المتحدث والمستمع، ولهذا أتفهم شكاوى البعض من انحراف إذاعة القرآن الكريم عن مسارها المعروف، وبوصلات إعلانية طويلة، وبدعاية سياسية فجة، كما تابعت حالة الحزن على منصات التواصل لوصول رحلة الإذاعي بهذه الإذاعة شحاتة العرابي إلى نهايتها بوصوله الى سن التقاعد الوظيفي. وفي دولة ارتفعت بسن الإحالة للتقاعد إلى السبعين بالنسبة للقضاة، فإنها ترفض المد لغيرهم في الوظائف الأخرى، فتنتهي مسيرة الناس في ذروة العطاء. ومهما يكن فكم سيكون مناسباً لو تم المد لمن هم في حكم شحاتة العرابي في مواقعهم، ولو بدون شغل درجات وظيفية، وإن كان حديثي موجهاً لمن لم لا تختزن ذاكرتهم شيئاً من هذا، وكل ما في هذه الذاكرة هو تبكيت قائده له لأنه وضع الدبوس في الاستيكة.

وقد انطلقت قناة «الوثائقية» من القاهرة في الأسبوع الماضي، فإني أتمنى لها أن تكون استثناء في تجارب أهل الحكم الإعلامية، فليس معقولاً أن تفشل كل تجاربهم، والأمر هنا ليس مرتبطاً بالسياسة، ولكن له علاقة وثيقة بالمهنة، فيهمني أي نجاح في مجال الإعلام، حتى لا يكون الفشل سبباً في اندثار مهنتنا، حتى إذا انقشع الغبار، اتسع الخرق على الراتق. أتمنى لها النجاح وإن كنت أدرك أنه ليس كل ما يتمناه المرء يدركه.

وسوم: العدد 1021