الخيرية و النقد

ما من أمر كرر الله ذمه في القرآن الكريم من العادات و التقاليد أكثر من التقليد الأعمى للآباء و الأجداد.

وكلما ذكر نبيا أرسله إلى قوم و ما استجابوا له ، إلا كانت إجابتهم من مثل ( هذا ما وجدنا عليه آباءنا ) و من باب التأكيد على هذه الفكرة عبر العصور كلها قال تعالى (. وَكَذَٰلِكَ مَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِّن نَّذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَىٰ أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَىٰآثَارِهِم مُّقْتَدُونَ (23) الزخرف ، و عرض الصورة في هذا السياق إشارة واضحة أن التقليد الأعمى للآباء و الأجداد دائرة مذمة ، لاينبغي للمسلم أن يقع فيها ، والتوجيه واضح بضرورة الخروج من دائرة المذمة فلا نكتفي بالاستماع إلى ما جاء به آباؤنا و أجدادنا على عظيم ما جاؤوا به في عصرهم و ظروفهم ، بل يجب علينا البحث و التدقيق و التجديد و لا نكتفي بما قيل سابقا و ذلك في المجالات التي يمكن فيها البحث والاجتهاد و التجديد ، و لا يخفى على أحد أن هناك موضوعين اثنين ، لابد من فهمهما و لا أظن أن أحدا قادر على الاتيان بجديد فيهما ، ألا و هما موضوع العقيدة و موضوع العبادة ، إلا أن يوفق أحد ما للشرح بلغة اكثر فهما من غيره تكون مقاربة للغة العصر الحالي.، أو قد يستنبط أحد ما لم يخطر في بال غيره.

و يبقى القسم الثالث وهو المعاملات و الأخلاق، ففيه مجال رحب كبير للتجديد و التطوير و التحديث تحت العناوين الرئيسية ، تبعا لتغير الأزمان و الأمكنة .

و من أهم أقسام المعاملات موضوع الدولة و تنظيمها و تجديد التنظيم فيها ، و العمل السياسي و الدبلوماسي و أساليب الممارسة وتقنينها و تطويرها باستمرار، وعموما هذه المواضيع كانت غير مطروحة للبحث في كثير من عصور الملك العضود ، لأن الحاكم لم يكن ليسمح بها و خصوصا أن دراسات متأنية من هذا الباب ستعارض واقع الحال الذي كان موجودا ، فما بالنا في زمن الحكم الجبري الذي يعتقل كل مفكر كان مسلما أو غير مسلم ، و غالبا لا يكتفي بالاعتقال بل تلصق به تهم اخرى تؤدي الى أعواد المشانق . .

و في السياق نفسه من هذا التسلسل ، نأخذ مثلا : موضوع الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر (كجزء من مواضيع الدولة - كمعاملات وأخلاق ) كانت له صورة في زمن آتت ثمارها في حينها ، أما في عالمنا المعاصر فلابد من تفكير في فهم جديد لتطبيق هذا المفهوم العظيمالذي حثنا عليه الله سبحانه و تعالى بقوله ( كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ ۗ ) ، و لعل الأمربالمعروف و النهي عن المنكر ، يشكل أهم جانب في خيرية هذه الأمة ، و قد أكد رسول الله صلى الله عليه و سلم على الموضوع بأحاديثمنها ( و الَّذي نَفسي بيدِهِ لتأمُرُنَّ بالمعروفِ ولتَنهوُنَّ عنِ المنكرِ أو ليوشِكَنَّ اللَّهُ أن يبعثَ عليكُم عقابًا منهُ ثمَّ تَدعونَهُ فلا يَستجيبُ لَكُم) صحيحالترمذي ، و في رواية (و لتأخذن على يد الظالم )..و قد تكون أفضل صورة معاصرة حاليا للأمر بالمعروف و النهي عن المنكر ، في عالمالسياسة و الدولة و العمل العام ، هو ( النقد ) وأبسط تعريف للنقد هو : تبيان الجيد و السيء في أمر ما .

و لابد لممارسة النقد العلني من أجواء الحرية في التعبير ، و النشر و الخطابة و الاجتماعات العامة و النقاشات المستفيضة ، و إلا كانالناقد عرضة للعقاب و التنكيل به ، إلى درجة ترفعه إلي مقام سيد الشهداء لما لهذا الموضوع من اهمية تبقي الأمة في مستوى الخيرية العالمية ، فقد قال رسول الله صلى الله عليه و سلم ( سَيِّدُ الشُّهَدَاءِ حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، وَرَجُلٌ قَامَ إِلَى إِمَامٍ جَائِرٍ فَأَمَرَهُ وَنَهَاهُ، فَقَتَلَهُ؟) رواهالحاكم و صححه و كذلك صححه الألباني .

وسوم: العدد 1027