الأسرة ... في ظلال التربية الإسلامية

الأسرة : اسم مفرد وجمعها : أُسَرٌ . وأُسَرات . وأُسْرات . والأسرة تطلق على الأب والزوجة والأولاد من بنين وبنات . وقد تطلق على أي مجتمع آخر فنقول الأسرة التعليمية وأسرة الجمعية الخيرية وأسرة شركة كــذا ... وذلك لارتباط هذه المجتمعات بعمل محدد في مكان معين ولها نظام لايخفى على منسوبيها . والأسرة في بيتها وبقية الأسر التي تُنسب إلى الجهات الأخرى كما ذكرنا لها قيم ولها روابط مشتركة تميزها عن غيرها من المجتمعات . والذي نريد أن نقف عنده هنا هو الأسرة في بيت الزوجية . وأقصد الأسرة المسلمة التي تتمسك بقيم دينها وعادات قومها الأصيلة القويمة . فهي تختلف عن حياة الأسر في الدول الأخرى التي لاتدين بالإسلام .

فالأسرة في ظلال الإسلام لها منهج مميز في التربية والمعاملة والتصور لأمور الحياة . والأسرة هنا في الحقيقة هي المحضن الحصين لحفظ أفرادها من الزيغ والضياع والحرية المتفلتة التي نسمع عنها في البلاد الأخرى من هذا العالَم الفسيح . فالأطفال هم أمانة في أعناق والديهم , ويسألهم الله سبحانه وتعالى عن تربيتهم وحمايتهم من الانزلاق في مستنقعات الرذيلة وخصوصا في زماننا هذا زمن الموبقات المهلكات . ولا يجهل أحد مافي هذا العصر من الفتن والإغراء ورفقة السوء ... فالأسرة المسلمة تصونها الإرشادات والتوجيهات المستمدة من كتاب الله تبارك وتعالى ومن سُنَّة نبيِّه صلى الله عليه وسلم . ومن التشريع الرباني العظيم . فالأسرة ـــ هنــا ـــ تتمتع في ظلال التربية الإسلامية الربانية . وليست الأسرة المسلمة هي عبارة عن رجل وامرأة وأطفال وحسب . وإنما هي محضن للمودة والرحمة والتفاهم والانسجام التام والطاعة القائمة على أساس البر . يقول سبحانه : ( وجعل بينكم مودة ورحمة ) . وتقوم الأسرة على تحقيق أهداف سامية وجليلة لإعمار الأرض عن طريق النسل . فالبنون هم من زينة الحياة الدنيا . وهم عدة المستقبل لأسرتهم ولأمتهم وأوطانهم وفي كتاب الله الكريم : ( المال والبنون زينة الحياة الدنيا ) 46/الكهف . وحسن تربية البنين مسؤولية الأبوين فإن صلحت التربية تتحقق الطمأنينة في الأسرة . ويشعر الوالدان بالسعادة التي تمنحهما الفرح والبهجة . حيثُ يُرجَى من أبنائهما الدعاء لهما بعد الموت والبر بهما في الحياة وعد العقوق أو الشذوذ الذي ينقلب شقاء وبؤسا على الأسرة إن خرج البنون عن الطوق . وألغوا القيم السامية من حياتهم كالمودة والألفة والخدمة المنزلية في حالات تستوجبها. ويجب على الوالدين أن لاينسيا قيمة التربية القويمة التي جاء بها الإسلام فهو واجب عليهما وفيه خير كثير لهما ولأولادهما. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( أكرموا أولادكم ، وأحسنوا أدبهم ) رواه ابن ماجة . وهذا الإحسان للأولاد وهذا الأدب الكريم ينعكس بلا ريب على مستقبل الأولاد والبنات . ويُؤتي ثمراته يانعة عليما . فالولد الصالح يكون صلاحُه نعمةً عليه وعلى والديه . ويجب من الله التيسير والتوفيق في أمور حياته الدنيوية . ويكون مقبولا لدى مجتمعه وفي ذلك ورد حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إذا خطب إليكم مَن ترضون دينَه وخُلُقَه فزوِّجوه ، إلاَّ تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفسادٌ عريض ) رواه الترمذي . فالشاب صاحب الدين والخلق مقبول لدى الناس . وكذلك البنت فصلاح أمرها يكون فاتحة خير لها . وفيه أسباب سعادتها في حياتها . وتكون أيضا مقبولة لدى الأسر الأخرى في مجتمعها . فصاحبة الدين والحياء والعفاف تتمناها كل الأسر في المجتمع الذي تعيش فيه . وفي هذا ورد الحديث الشريف حيث قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( تُنكح المرأةُ لأربع : لمالها ، ولحسبها ، ولجمالها ، ولدينها . فاظفر بذات الدين تربتْ يداك ) رواه البخاري ومسلم . فالشاب والشابة إن كانا صالحين وجدا مايسرهما في مستقبل أيامهما . وفي هذا المطاف تحضرنا قصة الشيخ الجليل سعيد بن المسيب . يوم خطب الخليفة عبدالملك بن مروان ابنة الشيخ الجليل سعيد بن المسيب لأحد أولاده ، فرفض الشيخ تزويج ابنته له ، وزوَّجها لتلميذه كثيِّر بن أبي وداعة ، لأنه كان صالحا وذا خُلُقٍ ودين . رغم علمه بفقره وقلة ذات يده ، وبعد فترة الزفاف نهض الزوج ليلحق بحلقة العلم التي يقيمها والد زوجته ، فسألتْه الزوجة الصالحة إلى أين ؟ أجابها إلى حلقة أبيك طلبا للعلم ، فقالت له : اجلس أُعلمْكَ علمَ سعيد بن المسيب ، فانبهر الزوج لعلمها وأدبها وسعة اطلاعها ، فلقد كانت صِنو أبيها في العلم والأدب .

    وتبقى التربية الإسلامية المنزلية في البيت المسلم محفوظة بسور من التقوى . وبمنهج الهدي النبوي . حيث أمر الله سبحانه بالتقوى : ( ياأيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة ) . فالتقوى تمنح البيت هالة من الأمن والطمأنينة بين الرجل والمرأة يقول سبحانه : ( وعاشروهن بالمعروف ) . ويقول النبيُّ صلى الله عليه وسلم : ( خيرُكم خيرُكم لأهله ، وأنا خيرُكم لأهلي ) . ويقول صلى الله عليه وسلم : ( استوصوا بالنساء خيرا ) . ومن هذه التربية الشاملة في حياة الأسرة المسلمة تكون العلاقة الطيبة المباركة . ويكون الاحترام المتبادَل . وبر الوالدين . ويشعر الابن أن الجنة تحت أقدام الأمهات :

أُمِّي ... إذا ناديْتُ في ليلي ، وفي صدرِ النهارْ
أُمِّي ... إذا شقشقتُ كالطيرِ المدلَّلِ في الدِّيارْ
أُمِّي ... وأجني من حنانِكِ حُلوَ أطيابِ الثِّمارْ
أُمِّي ... وأنتِ حِمىً ــ فدتْكِ الروحُ يا أُمِّي ــ وجارْ
أبكي وأضحكُ في جِوارِكِ لستُ أخشى من عثارْ

إضاءة :

وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم لابن عباس رضي الله عنهما : ( ياغلام : احفظ الله يحفظْكَ ، احفظ الله تجدْه تجاهك ، تعرَّف على الله في الرخاء يعرفْكَ في الشِّدة ، واعلم أن ما أصابك لم يكن ليخطئك ، وما أخطأك لم يكنْ ليصيبك ، واعلم أن الخلائق لو اجتمعوا على أن يعطوك شيئا لم يرد اللهُ يعطيك لم يقدروا عليه ، أو يصرفوا عنك شيئا أراد أن يصيبك به لم يقدروا على ذلك ، فإذا سألتَ فسل الله ، وإذا استعنت فاستعن بالله ، واعلم أن النصر مع الصبر ، وأن الفرج مع الكرب ، وأن مع العسر يسرا ، واعلم أن القلم قد جرى بما هو كائن ) .

وسوم: العدد 1028