زعيم حزب النهضة التونسي راشد الغنوشي معتقل وسجين من جديد

يبدو أن قدر زعيم حزب النهضة التونسي هو أن يظل مطاردا كما كان  من قبل ، ومهددا بالاعتقال والسجن  بتهمة تكوين حزب ذي مرجعية إسلامية ، وهو ما يغضب الغرب العلماني الذي لا يريد حزبا بمثل هذه المرجعية في أي قطر عربي أو إسلامي ، لأن ذلك يعتبر خروجا عن  سلطة علمانيته التي يريد عولمتها خصوصا في أقطار تدين بدين الإسلام .

وباعتقال الغنوشي يكتمل آخر فصل من فصول المؤامرة  المكشوفة على كل حزب ذي مرجعية إسلامية في الوطن العربي يروم خوض التجربة الديمقراطية التي هي عقيدة الغرب العلماني ـ يا حسرتاه ـ  ، والتي تسمح بوصول كل حزب مهما كانت عقيدته  إلى مركز القرار باستثناء الأحزاب ذات المرجعية الإسلامية التي آل هذا الغرب العلماني على نفسه ألا تصل إلى مراكز القرار ، وإن فازت في انتخابات بصناديق زجاجية شفافة .

ولقد تكرر أسلوب إجهاض كل تجربة ديمقراطية أوصلت الأحزاب ذات المرجعية الإسلامية إلى الحكم حيث بدأ هذا الأسلوب  الانقلابي المكشوف في الجزائر التي لا زال شعبها يعاني من استبداد العسكر ، ثم بعد ذلك انتقل إلى  مصر بعد أول تجربة ديمقراطية أوصلت رئيسا مدنيا إلى السلطة  ، ثم إلى  تونس مؤخرا  حيث انقلب رئيس مدني منتخب ديمقراطيا  على الديمقراطية ، وما نظنه فعل ذلك إلا بإيعاز من العسكر أيضا لأنه لو لم يكن العسكر متورطا في هذا الانقلاب لتدخل لحماية الديمقراطية المجهز التي أجهز عليها الرئيس المستبد بالسلطة عن طريق انقلاب كامل الخيوط .ومعلوم أسلوب الانقلابات العسكرية  لا تأتي إلا بأنظمة فاسدة مستبدة ، متسلطة على شعوبها .

وبعودة الغنوشي إلى المعتقل ، وقد شاب رأسه ، وتقوس ظهره ، وأنهكه المرض، يسقط قناع كل الذين أجهزوا على نتائج ثورات الربيع العربي التي راهنت فيها الشعوب العربية على الإسلام للخروج من وضعية تخلف على جميع الأصعدة طال أمده . والذين  أجهزوا على تلك النتائج هم نماذج مستبدة يتلقون الأوامر من الغرب العلماني المعادي لكل ما له صلة بدين الإسلام سرا كان ذاك أوعلانية .

ولقد تزامن اعتقال الغنوشي بسبب تحذيره الرئيس المنتخب ديمقراطيا ، والمنقلب على الديمقراطية بإيعاز ممن  يصدرون له أوامر التي تنقل إليه مباشرة أوعبر وسطاء من خطر ردة فعل شعبي على استبداده  قد تكون غير محمودة العواقب ، وهو ما اعتبره الرئيس المستبد تهديدا لأمن واستقرار تونس ، وأصدر أمره لقضاء صوري بتلفيق تهمة مفبركة لكل من يعارض استبداده على طريقة من سبقوه من مستبدين في حكم تونس . ولقد تزامن هذا مع فوضى عارمة في بلاد السودان حيث اندلع قتال بين العسكر الذي تعوّد على أسلوب الانقلابات منذ رحيل المحتل الإنجليزي عن أرضه .

وبالأمس عرض الصحفي المصري أحمد منصور حلقة من حلقات برنامجه شاهد على العصر كان قد استضاف فيها المفكر الإسلامي حسن الترابي ، والذي دفعه إلى ذلك هو محاولة تفسير طبيعة ما يحدث اليوم في السودان . ولقد كشف الترابي في شهادته على العصر أنه كان هو من دبر الانقلاب على الرئيس النميري المستبد والمنقلب بدوره على من كان قبله. ولما سأله الصحفي في قناة الجزيرة عن سبب تدبيره لهذا الانقلاب جاء جوابه مفاجأ، وهو أنه لم يكن أمام  حزبه ذي مرجعية إسلامية من سبيل للوصول إلى الحكم عن طريق اللعبة الديمقراطية ،لأن الغرب العلماني لا يقبل بذلك ، وقد مثل لذلك بما حصل في الجزائر ، وفي مصر ، لهذا وهو مفكر على جانب كبير من الدهاء ،اختار أسلوب الانقلاب المتعارف عليه في بلاد السودان من أجل الوصول إلى السلطة عسى أن يخرج بلاده من حكم الاستبداد العسكري الذي يجد فيه الغرب العلماني ضالته ، وصيانة لمصالحه .

ولم تفلح حيلة الترابي مع هذا الغرب الذي يرصد كل ما يجري ويدور في الوطن العربي ، ولا يسمح بوصول أحزاب ذات مرجعية إسلامية لا عن طريق الانقلابات العسكرية ، ولا عن طريق الصناديق الزجاجية ، وهو اليوم يتظاهر بالأسى والحسرة على ضحايا النزاع  العسكري بين عسكريين يتراشقان بتهمة الخيانة مع أن كلاهما خائن ومستبد قد سوفا طويلا بعد انقلابهما على من كان قبلهما لمنع تولي  حكومة مدنية زمام الأمور في البلاد . ومن المثير للسخرية أن العسكريين المتحاربين اليوم في السودان، كلاهما ينشد شهادة حسن السلوك عند الغرب العلماني ، وكلاهما يتبرأ من تهمة رائحة  المرجعية الإسلامية، وكفى بها تهمة تفضي إلى السقوط . ولا شك أن الغرب العلماني قد قرر ما قرره في شأن هذين المتصارعين والمتنافسين على السلطة مع التمويه على ذلك بالتباكي على الديمقراطية في السودان ،التي لم تكن فيه يوما من الأيام ، والتباكي على شعب هو ضحية صراع العسكر على السلطة ضحك على الذقون كما يقال  .

ولقد سقطت أقنعة من حرشوا بين هذين المتصارعين على السلطة في السودان إقليميا وبإيعاز من الغرب العلماني ، وغاية هؤلاء المحرشين الذي يتلقون الأوامر من عواصم الغرب ، هو قطع الطريق على كل شكل من أشكال الديمقراطية في الوطن العربي خصوصا إذا أفضى ذلك إلى وصول حزب ذي مرجعية إسلامية إلى مركز القرار أو صنعه .

ومن المفارقة أن تبذل الجهود لإعادة ديكتاتور سوريا الدموي إلى حظيرة الوطن العربي مقابل الإجهاز على كل محاولة ديمقراطية ، ولقد صارت الديكتاتويات في الوطن العربي أصلا ، بينما صارت الديمقراطيات استثناء ، ولله الأمر من قبل ومن بعد .

وسوم: العدد 1029