الفرق بين منطق المسيح ومنطق الأعور الدجال (٦٦٦)

خواطر من الكون المجاور

الخاطرة ٣٣٢ : الجزء ٦

في البداية أود أن أشير إلى ملاحظة هامة وهي أن المقالة تعتمد على معلومات ورموز تم شرحها بشكل مفصل في مقالات ماضية وهنا نذكرها بشكل مختصر جدا لكي لا يتحول حجم المقالة من (١٠) صفحات إلى (٥٠٠) صفحة . فمن لم يقرأ الأجزاء الماضية لن يفهم شيئا لأن المعلومات مرتبطة مع بعضها البعض إرتباط وثيق وبدون معرفة المعلومات التي ذكرناها في المقالات سيعتقد القارئ أن معلومات المقالة تعارض النصوص الدينية وأنها مجرد خرافات .

في الأجزاء الماضية ذكرنا بما معناه بأن دور روح الأعور الدجال في آخر الزمان هو محاولة القضاء على تعاليم النبي يوسف عليه السلام والتي كانت بمثابة البذرة التي منها نبتت شجرة جميع أنواع العلوم ، حيث جذورها تمثل العلوم المادية (فيزياء ، كيمياء ، فلك ، طب ...إلخ) ، وساقها وأوراقها وثمارها هي العلوم الروحية والإنسانية (علوم الدين ، الفن ، علوم اللغة ، علم النفس، الإجتماع .... إلخ) . وقلنا بأن تعاليم يوسف هدفها توحيد هذه العلوم الروحية والمادية في علم واحد يسمى علم الحكمة (الفلسفة) والذي يساعد في تأويل الأشياء والأحداث ليجعل جميع هذه العلوم تسير على مبدأ (العلم والفن ، والدين في خدمة الإنسان) ، وليس مبدأ (العلم للعلم ، الفن للفن ، والدين للدين) كما يحصل في المنهج العلمي الحديث .

تعاليم النبي يوسف عليه السلام هدفها الرئيسي هو فهم المخطط الإلهي من خلال رؤية أسماء الله الحسنى وفهمها (إن لله تسعةً وتسعين اسماً من حفظها دخل الجنة . حديث شريف) . فجميع النصوص الدينية للديانات العالمية قد تم صياغتها على مبادئ تعاليم يوسف . حيث تطور منهج كتابة نصوص الديانات السماوية يعطينا صورة واضحة عن هذه التعاليم . فالتوراة والتي هي أول الكتب المقدسة السماوية هي مكتوبة بطريقة نثرية ، أما الإنجيل فهو مكتوب بطريقة نثرية ولكن مع تغيير طفيف حيث نجد أن عيسى عليه السلام يستخدم قصص قصيرة رمزية ليشرح للناس الفرق بين المعنى الظاهري والمعنى الباطني الموجود في مضمون القصة . فعيسى من خلال إستخدامه للقصص الرمزية وكأنه يقول لليهود بأن أحداث قصص الأنبياء تحوي داخلها معاني رمزية وفهم هذه الرموز هو الذي سيقود المؤمنين إلى الحقيقة . بعد الإنجيل يأتي القرآن الكريم ، وحادثة نزول أول آيات القرآن تعطينا صورة واضحة عن حقيقة طريقة فهم المعاني التي تحملها آياته ، حيث يظهر الملك جبريل ويقول لمحمد عليه الصلاة والسلام (إقرأ) فيرد عليه (ما أنا بقارئ) فيطلب جبريل منه ثانية أن يقرأ ويجاوبه رسول الله بنفس الإجابة ، ويتكرر الأمر للمرة ثالثة وعندها يتلو جبريل الآيات الخمسة الأولى من سورة العلق {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (١) خَلَقَ الإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ (٢) اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأَكْرَمُ (٣) الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ (٤) عَلَّمَ الإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ (٥) } .

طريقة نزول الآيات الأولى ليست صدفة ولكن حكمة إلهية توضح لنا نوعية المنهج الذي تعتمده سور وآيات القرآن ، فجبريل يعلم بأن رسول الله لا يعرف القراءة والكتابة ولكنه يكرر عليه كلمة (إقرأ) ثلاث مرات لأن القراءة والتي هي مصدر أسم كتاب المسلمين (القرآن) لا تعني كمصطلح ديني الكتابة والقراءة ، فكلمة (إقرأ) هنا تعني رؤية مضمون الأشياء والأحداث فطريا ، ولهذا اختار الله محمد صلى الله عليه وسلم من بين جميع البشر في تلك الفترة الزمنية ليكون هو خاتم الأنبياء والمرسلين ، فمعنى القراءة كمصطلح ديني يختلف عن معناه الظاهري ، وأن وصف الرسول بالنبي الأمي {الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ ...(١٥٧) الأعراف } لا تعني النبي الذي لا يعرف الكتابة والقراءة ، فكلمة (الأُمِّيَّ) في الآية مصدرها كلمة (أم) والمقصود بها الرؤية الروحية . القرآن الكريم نزل ككتاب مقدس أكثر تطورا من الكتب المقدسة التي سبقته بسبب تطور المعارف الإنسانية، فهو يستخدم بعض أحداث قصص التوراة والإنجيل وكأنه يذكر ملخص عنها وكذلك يقوم بتغيير بعض أحداثها ويضيف أيضا عليها أحداث غير موجودة في الكتب اليهودية والمسيحية كنوع من تطوير فهم المعاني الباطنية لهذه الأحداث ، ولهذا نجد أن أغلب سور القرآن مكتوبة بطريقة شبيهة بالقصائد الشعرية . فهذا التطور في أسلوب صياغة الكتب السماوية من أسلوب نثري إلى شعري ليس صدفة ولكن حكمة إلهية توضح لنا نوعية التطور الذي يجب أن يعتمده العلماء في فهم النصوص الدينية.فالصياغة النثرية بشكل عام تعتمد على التوضيح والتصريح لإيصال فكرة أو معلومة معينة للقارئ حيث النص النثري لا يهتم كثيرا بإثارة أحاسيس ومشاعر القارئ ، فالنثر دوره نقل المعلومات بأبسط أشكالها إلى القارئ . بينما الشعر يعتمد على الاختزال والإيجاز وعلى الرمز والإيحاء والتلميح بشكل يُجبر القارئ على التفاعل العقلي والحسي مع القصيدة كما يقول الشاعر البحتري :

وَالشِعرُ لَمحٌ تَكفي إِشارَتُهُ وَلَيسَ بِالهَذرِ طُوِّلَت خُطَبُه

وَاللَفظَ حُليُ المَعنى لَيسَ يُريـ.....ـكَ الصُفرُ حُسناً يُريكَهُ ذَهَبُه

فالشعر هو عكس (الهذَر) فمعنى الهذَر :هو التحدث الطويل بأمور ومواضيع سطحية . بينما الشعر هو كلام مكثف يحوي على الكثير من المعاني الباطنية التي تجعل القارئ ينتقل من الجزئيات الظاهرية للموضوع إلى الكليات لنحصل على معلومة واضحة من جميع جوانبها .

ليس من الصدفة أن منطقة نزول القرآن الكريم كان في منطقة تشتهر بشعرائها والذين وبشكل فطري قاموا بتطوير الشعر من شعر يمكن فهمه بالتفسير إلى شعر يحتاج فهمه إلى التأويل ولو أن التأويل كان في شكله البدائي . ورغم أن نقاد الشعر العربي قد شرحوا هذه الصفة في الشعر الجاهلي ولكن -للأسف- ظلت هذه المعلومة محصورة فقط في إختصاص علماء الشعر ولم تنتقل إلى بقية العلماء لتتحول إلى ركن أساسي في الثقافة العربية . فحتى اليوم نجد علماء الدين الإسلامي يتعاملون مع آيات القرآن والأحاديث الشريفة وكأنها نصوص نثرية وفهمها يعتمد المعنى الظاهري لها وليست نصوص تعتمد مبدأ القصائد الشعرية التي تعتمد الرموز والتلميح والمعاني الباطنية .

ليوناردو دافينشي أيضا والذي يُعتبر من أكبر مؤسسي عصر النهضة الأوربية نجده قد حول فن الرسم من فن ظاهري إلى فن تأويلي ، حيث إعتبر أن شكل الإنسان وكذلك جميع عناصر الطبيعة هي لوحات فنية رسمتها روح الله بطريقة تحمل فيها تعابير روحية لها معاني تفيدنا في فهم حقيقتها وعلاقتها بالوجود الإنساني.

تعاليم يوسف والتي أخذت أسماء عديدة منها (القابالا والهرمسية والفيثاغورية والصوفية .. وغيرها) كان هدفها فهم علاقة التناغم والإنسجام بين الشكل والمضمون في الاشياء والأحداث ، وكان الحكماء في هذه الفرق يحاولون باستمرار إظهار أسس هذه النوعية من إدراك الحقيقة ، لتلعب دورها في توحيد العلوم الروحية والعلوم المادية ، ولكن على مر العصور كانت تحدث محاولات في تشويه مبادئها والذي جعلها تبدو وكأنها مجرد تنجيم وسحر لإكتساب قوى خفية خارقة . فكل ما نعرفه اليوم عن حقيقة هذه الفرق هي معلومات خاطئة مضللة هدفها القضاء على تعاليم يوسف واستبدالها بتعاليم مادية سهلة الممارسة والتعلم كونها لا تحتاج إلى الإلمام بعلوم عديدة مختلفة وكذلك لا تحتاج إلى سلوك يومي صارم يحقق نوع من السمو الروحي .

في مقالة اليوم سنحاول شرح مبادئ علوم يوسف بشكلها الحقيقي النقي وكما وجب عليها أن تكون اليوم بعد تطورها لمدة حوالي خمسة آلاف عام . ولكن قبل أن أذكر مبادئ تعاليم يوسف سأعرض قصيدة من متون الهرمسية تساعدنا في أخذ فكرة مبسطة وسريعة عن نوعية هذه المبادئ ، القصيدة تقول :

" آه أيتها الروح العمياء .... تسلحي بنور الأسرار .... ففي ليلة أرضية ستكتشفين .... إزدواجيتك المشرقة .... روحك السماوية .... .... إتبعي الدليل الإلهي وسيصبح قرينك .... لأنه يملك مفتاح أعمالك .... الماضية والمستقبلية .

اسمعوا ما في أعماقكم .... وانظروا إلى اللانهاية .... للمكان والزمان .... هناك ستسمعون أغنية النجوم .... وصوت الأرقام .... وإنسجام الأفلاك الكونية ..... كل شمس هي فكرة من الخالق ... وكل كوكب هو نهج لهذه الفكرة .... تعلمي الفكر الإلهي أيتها الأرواح .... فهو السبب الذي جعلك تهبطين .... وتحاولين بإصرار .... الصعود نحو السماء "

تعاليم يوسف تعتمد على مبادئ هامة جدا وسنذكر هنا أهمها :

١ - الإيمان بوجود الله : وهو أهم مبدأ في علوم يوسف ، فبدون هذا الإيمان ينهار كل شيء وتتحول جميع الأمور إلى فوضى وعشوائية . هذا المبدأ عبر عنه الأديب الروسي فيودور ديستوفسكي في روايته الخالدة (الأخوة كارامازوف) حيث يقول " إن لم يكن الله موجود فإن كل القيم واﻷخلاقيات تسقط عن نفسها ويصبح كل شيء مباح من أصغر الذنوب إلى أبشع الجرائم". ولهذا نجد أن معظم الأساطير والديانات القديمة كانت تعتقد أن الكون في بدايته كان يعيش في حالة فوضى وعشوائية .

٣ - الكون الإنساني : الإنسان هو مركز الكون بأكمله فهو أرقى مخلوقات الله كونه يحوي جزء من روح الله في تكوينه ، فكل شيء موجود في الكون وكل حدث يحدث فيه هو من أجل المساعدة في وصول التكوين الإنساني المادي والروحي إلى الكمال .

٤ - الكون الحنيف : كلمة حنيف كمصطلح ديني تعني متجدد ، فالكون غير ثابت فهو في حالة تطور مستمر في كل شيء . فكما تذكر سورة التين {لَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ (٤) ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ (٥)} ، فالتكوين الإنساني بعد طرد الإنسان من الجنة أصبح في أسفل سافلين ، أي أن تكوينه تم تفكيكه إلى أصغر شيء في الوجود . ولهذا وجب تصحيح هذا التكوين عن طريق إعادته إلى أصغر الوحدات التي يتكون منها ليتم تجميعها من جديد بصورة متناغمة صحيحة ، وعملية هذا التصحيح مرت في مراحل عديدة داخل الكون وهي: ظهور المادة وتطورها ، ظهور الحياة وتطورها ، ظهور الإنسان وتطوره من خلال ظهور الأديان والحضارات .

٥ - الغائية الكونية : هناك مخطط إلهي يسير عليه كل شيء في الكون (لكل سبب نتيجة ، ولكل نتيحة سبب ، الكل يحدث حسب القانون ، الحظ -الصدفة- هو قانون نجهله حتى الآن) ، فكلمة (صدفة) ممنوع إستخدامها في تعاليم يوسف، لهذا يجب التعامل مع جميع الأشياء والأحداث وكأنها لوحة فنية أو أبيات من قصيدة شعرية صنعها الله عز وجل تحوي داخلها تعابير روحية على شكل رموز توضح لنا الغاية من وجودها أو الغاية من حدوثها وتوضح كذلك نوعية علاقتها بالوجود الإنساني وتطوره في المخطط الإلهي . فدور الإنسان هو تأويل الأشياء والأحداث لفهم هذا المخطط الإلهي.

٦ - الخلافة الإلهية : الله الأحد ، الصمد ، الذي لم يلد ولم يولد ، ولم يكن له كفوا أحد ، والذي خلق آدم في الجنة ، هذا الخالق هو خارج الكون ، لأن الكون تتحكم به قوتان كونيتان قوى روح الخير العالمية وقوى روح السوء العالمية لهما قوانينهما ، والله الصمد هو فوق هذه القوانين فهو خارج حدود الزمان والمكان ، لهذا الكون لا يستطيع أن يحتوي داخله الله الصمد . فمفهوم (الخالق الموجود داخل الكون) هو مختلف عن نهائيا عن مفهوم كلمة (الله الصمد) . ولتوضيح هذه المعلومة بشكل أفضل نعرض هذا المثال البسيط :

الطيارة كما اخترعها الإنسان في البداية فرضت عليه دخولها لقيادتها ، هذا الإختراع هو من نظام قديم ، أما النظام الحديث فيعتمد الطيارة المسيرة المبرمجة ، حيث دور الإنسان هو فقط أن يضع المعلومات التي يجب تنفيذها في جهاز الكمبيوتر داخل الطيارة ثم يضغط زر التشغيل فتطير الطيارة وتنفذ عملها ثم تعود دون أي تدخل من الإنسان . فهذا التطور الذي حدث في قيادة الطيارة ليس صدفة ولكنه من وحي إلهي وحكمة هذا الإختراع هو المساعدة في تطوير مفهوم الله عند الناس ، بأن الله الصمد هو خارج هذا الكون ولا يتدخل في شؤونه ، فبعد طرد الإنسان من الجنة وضع الله شيفرة إلهية تتحكم في كل شيء يحصل داخل الكون وهذه الشيفرة هي أسماء الله الحسنى التي رمزها (١٨+٨١) الموجودة على شكل خطوط في كفي يدين الإنسان . والشخص الوحيد من جميع البشر الذي يفهم هذه الشيفرة بكامل تفاصيلها لينقلها إلى الناس هو هابيل فقط الذي قُتل في الجنة والذي أحياه الله وأرسله إلى داخل الكون ليساعد نسل آدم وحواء في تصحيح تكوينهم ليعودوا إلى الجنة . فهابيل ولد عدة مرات باسماء مختلفة (إدريس - يوسف - عيسى ) وسيظهر في آخر الزمان بأسم (المهدي- المسيح). والمرة الوحيدة من الولادات الماضية التي ظهر فيها وهو يحمل الرمزين (١٨+٨١) هو يوسف ، فحتى عيسى عليه السلام الذي ولد قبل ألفي عام كان يمثل الرمز (١٨) فقط ولهذا أرسل الله معه النبي يحيى عليه السلام الذي يمثل الرمز (٨١) . فعيسى رغم أنه يوسف ولكنه كان يُمثل نصف تكوين يوسف . والشخص الذي سيقضي على روح الأعور الدجال في آخر الزمان هو يوسف الذي يمثل {المهدي(١٨) و المسيح (٨١)} معا . فدور روح الأعور الدجال في جميع العصور هو تنمية التعصب الديني في أتباع كل ديانة لتجعل من نبي ديانتهم وكأنه أفضل خلق الله ، البوذيون يعتبرون بوذا هو أفضل البشر، اليهود يعتبرون موسى عليه الصلاة السلام هو أفضل البشر ، والمسيحيون يعتبرون عيسى عليه الصلاة والسلام هو الرب ، والمسلمين يعتبرون محمد عليه الصلاة والسلام هو أشرف الخلق . ولكن رسول الله نفسه يذكر في حديثه الشريف (ما مِن بَني آدم مَوْلودٌ إلا يَمَسُّه الشيطانُ حِين يُولَد، فيَسْتَهِلُّ صارخا مِن مَسِّ الشيطان، غير مريم وابنها) . فكلمة (مريم) لا تعني فقط أم عيسى ، ولكن تعني أيضا حواء ، فأسم مريم له معنيين : الأول البحر المالح ، والثاني المحبوبة . فهابيل هو ابن حواء الذي طهر نفسه من الخطيئة ولذلك تقبل الله قربانه ، أما أم إدريس ، وراحيل أم يوسف ، ومريم أم عيسى فهن مجرد جسد تم إستخدامه لتصنيع جسد هابيل ليستطيع الظهور كإنسان ويعيش معهم ويساعدهم وكأنه واحد منهم . ولهذا نجد أن القرآن يذكر أسم مريم وابنها في أحداث لا علاقة لها بأحداث حياة عيسى .

أسم (هابيل) يتألف من قسمين (هاب - ايل) هاب مصدرها هبا ، هبا العطر أي سطع العطر وإنتشرت رائحته في كل مكان ، أما أيل فتعني روح الله (الأسماء الحسنى) فأسم (هابيل) يعني الذي سينشر أسماء الله الحسنى بين البشر . هابيل هو خليفة الله الصمد في الكون ، وجميع الأنبياء والرسل هم خليفة هابيل على الأرض ، ولهذا الآية القرآنية تذكر {يَوْمَ يَجْمَعُ اللَّهُ الرُّسُلَ فَيَقُولُ مَاذَا أُجِبْتُمْ قَالُواْ لاَ عِلْمَ لَنَا إِنَّكَ أَنتَ عَلاَّمُ الْغُيُوبِ (١٠٩) إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ وَعَلَى وَالِدَتِكَ إِذْ أَيَّدتُّكَ بِرُوحِ الْقُدُسِ .... (١١٠) المائدة} ، رقم الآية هو (١١٠) وهو رقم ترتيب سورة (النصر) ، والمقصود في هذه الآية هو الإنتصار النهائي على روح الأعور الدجال. فعبارة (يوم يجمع الله الرسل) هذا الجمع سيكون في المستقبل في آخر الزمان ، وروح القدس التي أيد الله عيسى بها ، هي ذلك الجزء من روح الله الذي نفخه في آدم قبل ظهور حواء من آدم ، فمع ظهور حواء خسر آدم نصف هذه الروح التي ذهبت إلى حواء ، ولهذ يقول الله عن عيسى { إِنَّ مَثَلَ عِيسَىٰ عِندَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ ۖ خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُن فَيَكُونُ (٥٩) آل عمران }. والمقصود هنا هو تكوين آدم قبل خلق حواء. فكلمة الرب أو الله الموجودة في التوراة والإنجيل والقرآن الكريم لا تعني دوما (الله الصمد) الموجود خارج الكون ، ولكن قد تعني أسماء الله الحسنى (٩٩) والتي يحملها هابيل (إدريس - يوسف - عيسى) خليفة الله الذي يحمل رسائل الله الصمد إلى البشر .

القرآن الكريم يصف لنا قدرة الله التي وهبها لهابيل {.... أَنِّي قَدْ جِئْتُكُم بِآيَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ أَنِّي أَخْلُقُ لَكُم مِّنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُبْرِئُ الأَكْمَهَ وَالأَبْرَصَ وَأُحْيِي الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُنَبِّئُكُم بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ ... (٤٩) آل عمران} حادثة خلق طير من الطين لم تحدث في حياة عيسى قبل ألفي عام ، ولكنها حادثة رمزية تفسر لنا دور روح هابيل في ظهور الطيور كمرحلة من مراحل تطور الحياة . أيضا هذه القدرات الخارقة التي يحملها هابيل يذكرها الحديث الشريف عن قيام الساعة (.. فيأتيهم الله تبارك وتعالى في صورة غير صورته التي يعرفون فيقول: أنا ربكم، فيقولون: نعوذ بالله منك، هذا مكاننا حتى يأتينا ربنا، فإذا جاء ربنا عرفناه، فيأتيهم الله تعالى في صورته التي يعرفون، فيقول: أنا ربكم، فيقولون: أنت ربنا...) بعض علماء الدين رفضوا صحة هذا الحديث لأنه يجسم الله ، ولكن الحقيقة أن هذا الحديث هو صحيح ، فهذا الحديث هو توضيح لما قاله عيسى في الإنجيل عن الأحداث قبل ظهوره في آخر الزمان ، فكما يذكر إنجيل متى الإصحاح ٢٥ (٤٣ : كنت غريبا فلم تأووني عريانا فلم تكسوني مريضا و محبوسا فلم تزوروني - ٤٤ :حينئذ يجيبونه هم أيضا قائلين يا رب متى رايناك جائعا أو عطشانا أو غريبا أو عريانا أو مريضا أو محبوسا و لم نخدمك - ٤٥ فيجيبهم قائلا الحق أقول لكم بما انكم لم تفعلوه باحد هؤلاء الاصاغر فبي لم تفعلوا} ، وبناء على هذه الآيات كما فهمها علماء الدين بأن عيسى في مجيئه الثاني سيأتي متنكرا ولن يعترف به أحد ولكن عندما يظهر على صورته الحقيقية فعندها سيصدقونه ، ولهذا نجد في تقاليد التراث المسيحي في الطائفة البروتستانتية تستخدم عادة التنكر في عيد الهلويين (عيد القدسيين) المصادف يوم /٣١/ أكتوبر (تشرين الأول) . حيث تكون العادة أن يتنكر الأطفال بوضع الأقنعة على وجوههم ويرتدون ثياب غريبة (كرمز للمسيح) فيذهبون من بيت إلى بيت ليطلبوا من أصحاب كل بيت إعطائهم شيئا يأكلوه (الحلوى) . وفي هذا العيد أيضا يتم وضع ثمرة اليقطين المضاءة في البيت ، إن اختيار ثمرة اليقطين بالذات لتكون هي رمز عيد هالويين ليس صدفة ولكن حكمة إلهية، فثمرة اليقطين بلونها البرتقالي وشكلها تشبه تماما ثمرة اليوسفي ولكن بحجم كبير ، لأن هابيل في آخر الزمان سيأتي بهيئة يوسف الذي تكوينه يحتوي على الرمزين (١٨+٨١) . أيضا الكاثوليك والأورثوذكس يحتفلون بارتداء ألبسة وأقنعة تنكرية في فترة أيام ما قبل الصوم الكبير. والمعروفة اليوم باسم الكرنفالات ، فبعد الصوم الكبير يأتي عيد الفصح وهو عيد قيامة عيسى أي بعثه في آخر الزمان . ولهذا أيضا تذكر النصوص الإسلامية بأن قبل ظهور المسيح سيظهر المهدي ، فالمهدي هو يوسف قبل أن يظهر على هيئته الحقيقية فهو سيعيش حياة إنسان طبيعي دون أن يعرف نفسه فهو سيراقب ما يحدث ولن يكون له أي قوة يستطيع بها التدخل لإنقاذ الضعفاء والمظلومين حتى يأتي أمر الله وعندها سيظهر على هيئته وقوته التي وهبها الله له ، وكما حصل في حياة يوسف حيث تحول من عبد مملوك إلى وزير يدير كل صغيرة وكبيرة في مصر ، هكذا سيحصل عند ظهوره على هيئته الحقيقية في آخر الزمان . فالمسلم الذي يعتقد بأن الله الصمد هو الذي سيأتي للناس ولن يصدقوه ، هو إنسان جاهل لا يعلم شيئا عن ماهية قوانين الكون .

٧ - الصراع الكوني : هناك صراع دائم بين روح الخير العالمية التي تمثلها أسماء الله الحسنى (١٨ ، ٨١) وبين روح السوء العالمية (١٧ ،٧١) . فآدم وحواء والشيطان وقايين (قابيل) ، بعد خروجهم من الجنة فقدوا تكوينهم المادي ، أي أن وجودهم في الكون هو وجود روحي فقط ، روح آدم وحواء التي رمزها (١٨ - ٨١) تمثل روح الخير العالمية (ذكر - أنثى)، أما روح الشيطان وقابيل فتمثل روح السوء العالمية (ذكر - ذكر) . روح الشيطان لا تستطيع دخول التكوين الجسدي للإنسان لأنها ستحول شكل جسم الإنسان إلى شكل غريب أشبه بشكل حيوان ، وكذلك روح قايين لا تستطيع دخول التكوين الجسدي للإنسان لأنها ستحول شكله إلى شكل مزيج مختلط بين شكل الإنسان وشكل الثور والكلب والحشرة ، فكل طفل يولد هو في حماية إلهية تمنع دخول روح السوء في تكوينه ولهذا يولد على شكل إنسان . ولكن روح الشيطان تستخدم أجزاء من روح قابيل لتدخل في التكوين الروحي للإنسان عندما يصل نمو الجسم إلى شكله الطبيعي بعد سن المراهقة ، فيكون الشخص الذي يتبع روح الأعور الدجال له شكل إنسان ولكن سلوكه وتصرفاته تكون تحت سيطرة الغرائز الحيوانية . في الماضي كانت تظهر روح الأعور الدجال في نهاية الحضارة التي تعيشها المنطقة وكان مع إزدياد عدد أتباع الأعور الدجال يؤدي إلى دخول الحضارة في عصر الإنحطاط ، ولكن في نفس الوقت كانت تظهر في منطقة أخرى حضارة جديدة تتابع دفع الإنسانية في التطور نحو الأرقى . فحتى الحضارة الإسلامية دخلت في عصر الإنحطاط وظهرت بدلا منها حضارة عصر النهضة الأوربية . ولكن اليوم وبسبب تطور وسائل النقل ووسائل التواصل الاجتماعي أصبح العالم وكأنه مدينة صغيرة ، لهذا استطاعت روح الأعور الدجال السيطرة على العالم بأكمله ، فعدد أتباع الأعور الدجال اليوم في جميع شعوب العالم عشرات أضعاف أتباع يوسف ، وأخطر أتباع الأعور الدجال اليوم هم أولئك الذين بسبب تعصبهم الأعمى لدينهم أو مذهبهم يستخدمون الدين في تنمية العداوة والبغضاء بين الأديان والشعوب . فهؤلاء بجهلهم يمنعون توحيد أسماء الله الحسنى التي وزعها الله فأعطى كل شعب ودين جزء من هذه الأسماء {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ... (١٣) الحجرات} ، عنوان السورة (الحجرات) يعني مناطق العالم ، فكل حجرة هي منطقة لأمة واحدة ، والحجرات هي مناطق جميع الأمم ، ولهذا كان عدد آيات سورة الحجرات هو (١٨) . ولهذا أيضا الله في هذه السورة يحذر الله المؤمنين من صفات روح الأعور الدجال (أصلحوا بين الطوائف والاخوة .. لا يسخر قوم من قوم ... لا تنابزوا بالألقاب .. اجتنبوا الظن ... لا تجسسوا ... لا يغتب بعضكم بعضا .... تعارفوا وتعاونوا ... ) .

فالحكمة الإلهية جعلت الرمز (١٨٨١) نصفه عربي (رمز القسم الشرقي من العالم) ونصفه يوناني (رمز القسم الغربي من العالم) ، حيث الرمز (١) هو حرف الألف (أ) العربي ، أما الرمز (٨) فهو حرف لامزة (Λάμδα) اليوناني والذي يمثل حرف (ل) العربي . فلفظ الرمز (١٨٨١) كأحرف عربية ويونانية هو (ا ل ل ا) أي الله ، أما حرف الهاء الأخير (ه) العربي من كلمة (الله) فهو رمز الكون . الحكمة الإلهية في تصميم القرآن الكريم ذكرت هذه المعلومة في سورة الهمزة (وَيْلٌ لِّكُلِّ هُمَزَةٍ لُّمَزَةٍ) ، الآية تذكر كلمة (لَّمزة) التي لفظها هو تماما لفظ حرف اللام في اليونانية (لامزة) ، أما الهمزة (ء) فهي رمز العين السفلى أي رمز عين الغرائز التي ترى رموز روح السوء فتحول الرمز لمزة من الشكل (٨) إلى الشكل (٧) ، أما الألف الموجودة في الرمز (١٨٨١) فهي حرف (أ) حيث الهمزة توجد في أعلى الحرف ، وهي رمز العين العليا التي ترى رموز روح الخير (أسماء الله الحسنى) .

٨ - التقمص (تناسخ الأرواح) : خطيئة الإنسان التي طردته من الجنة كان لها نتائج معقدة جدا ، وتصحيح هذا التشويه الذي حصل في تكوين الإنسان كان يحتاج إلى مئات السنوات لتصحيحها وحياة واحدة مدتها من (٥٠ - ١٠٠) عام هي ضئيلة جدا ، ولهذا وجب أن يحدث التصحيح على مراحل من خلال الولادة عدة مرات كما حصل مع هابيل ، ولهذا نجد أن بعد وفاة يوسف في عصر الأهرامات تظهر عقيدة التحنيط في الشعب المصري وتأخذ أهمية كبيرة وخاصة بالنسبة لملوك مصر ، ولهذا أيضا نجد أن معظم أتباع الفرق التي اعتمدت تعاليم يوسف تؤمن بعقيدة التقمص . الكتب المقدسة السماوية ذكرت عقيدة التقمص بشكل رمزي يحتاج تأويلها لفهم . أما عدم ذكرها بمعناه الظاهري كما هو في الهندوسية والبوذية ، فسببه أن هذه الكتب المقدسة السماوية هي كتب روحية أولا ، والروح لا تموت بموت الإنسان ولكن تعود إلى حياة ثانية لتبدأ حياة جديدة . فموت الجسد في الديانات السماوية مشابهة لنوم الإنسان حيث الروح تنام لعدة مئات من السنين لتستيقظ من جديد لتتابع عملية تصحيح التكوين الإنساني من شوائب الخطيئة .

٩ - سن الرشد الروحي /٤٠/ عام : البعثة النبوية حصلت عندما بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم سن الأربعين. هذه الحادثة ليست صدفة ولكن حكمة إلهية ، فالنمو عند الإنسان له نوعين : الأول وهو النمو المادي حيث نمو الجسدي يتوقف في سن ال/٢٠/ تقريبا ، والثاني هو النمو الروحي والذي يستمر حتى سن ال/٤٠/ عام ، فقبل سن الأربعين يعيش للإنسان فترة المراهقة الروحية ، لهذا يُمنع منعا باتا على الإنسان قبل بلوغه سن ال/٤٠/ أن يُعطي أو ينشر آرائه الخاصة في المواضيع التي تبحث في الأمور الروحية . فحتى سن الأربعين على الإنسان فقط أن يقرأ ويبحث في كتب الآخرين في مثل هذه المواضيع . فكل شخص لم يبلغ هذا السن ستكون روح الشيطان مشاركة معه في أبحاثه ، لهذا فإن نشر ما توصل إليه الباحث قبل بلوغه سن الأربعين فعدا عن أنها سيكون هدفها الأول هو المجد والشهرة وجمع المال ، فهي أيضا ستكون مليئة بأخطاء كارثية ستلعب دور كبير في تضليل الآخرين. أما الصبر والتمهل في نشر المعلومات حتى سن الأربعين فإن المعلومات التي نتجت من البحث مع مرور الزمن وبفضل نمو المعرفة عند الباحث ستصل هذه المعلومات إلى العقل الباطني للباحث حيث روح الله الموجودة في تكوينه ستقوم بغربلتها من معظم الشوائب الشيطانية ، وعندما يصل سن /٤٠/ ستكون هذه المعلومات التي نتجت من أبحاثه شبه خالية من الأخطاء الشيطانية ، وعند نشرها وحتى وإن كان معظمها غير صحيحة فإنها لن تضلل الآخرين ولكن على العكس فهي ستحوي شيئا من روح الله وستساعد بطريقة ما في رفع مستوى الإدراك في الآخرين . لهذا أقول إحذروا من جميع أولئك الشباب المندفعين من شهوة حب الشهرة والمجد وجمع المال ، الذين يظهرون في وسائل التواصل الاجتماعي بعناوين مبهرة لتفسيرات جديدة للنصوص الدينية والأمور الروحية ، فهؤلاء جميعهم هم من أتباع روح الأعور الدجال. فكل شخص لم يتجاوز سن الأربعين ويسمح لنفسه بإعطاء تفسيرات جديدة في الأمور الدينية والروحية ، وكأنه يقول بشكل غير مباشر (أنا أذكى من رسول الله) كونه لم يحترم سن الرسول في البعثة النبوية ، فأمثال هؤلاء هم الذين يشوهون تعاليم الدين الإسلامي . وأفضل مثال على هؤلاء المطففين هو (ابن تيمية) حيث السلفيون يفتخرون به ويقولون عنه بأنه كان يُعطي فتاوة دينية وهو بعمر /١٢/ عام فقط . ولهذا كانت نتيجة ظهور ابن تيمية وأمثاله بداية لدخول الحضارة الإسلامية في مرحلة الإنحطاط . ابن تيمية كان رجل دين مطفف من أتباع روح الأعور الدجال ، فإبن تيمية كان من أشد الحاقدين على علي رضي الله عنه ، فمن يحقد على علي ليجعل الحق مع معاوية ابن أبي سفيان كما فعل ابن تيمية ، وكأنه يقول بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان أبا فاشلا (وحاشى أن يكون هكذا) لأن علي منذ صغره كان يعيش في بيت رسول الله وهو الذي قام بتربيته . فأن نقارن بين علي ومعاوية وكأننا نقارن بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين أبي سفيان .... والله أعلم .

في المقالة القادمة إن شاء الله سنتابع شرح بقية مبادئ تعاليم يوسف

وسوم: العدد 1049