المجلة القانونية المرموقة بجامعة هارفارد طلبت من باحث فلسطيني مقالا عن “نكبة غزة” ثم جبنت عن نشره ودفنته

لندن- : نشر موقع “ذي انترسيبت” تقريرا أعدته ناتاشا ليونارد، حول قرار المجلة القانونية المرموقة بجامعة هارفارد، “هارفارد لو ريفيو”، منع نشر مقال كان جاهزا للنشر طلبته من طالب الدكتوراه بالجامعة الباحث الفلسطيني ربيع إغبارية.

وكان إغبارية الخيار المناسب، فهو محام مختص بحقوق الإنسان، وقدم حالات مهمة تتعلق بالحقوق المدنية للفلسطينيين أمام المحكمة العليا الإسرائيلية.

وقدم إغبارية مسودة المقالة المكونة من ألفي كلمة بداية تشرين الثاني/نوفمبر وناقش فيها أنه يجب تقييم الهجوم الإسرائيلي على غزة في إطار وخارج “الإطار القانوني” للإبادة.

وبناء على المعايير المتبعة في مجلة “هارفارد لو ريفيو” فقد تم طلب المقالة وكلف الكاتب بكتابتها والتعاقد معه عليها، وتم التدقيق بها وتحريرها ومصادقة المحررين ذوي العلاقة عليها، ومع ذلك لم تنشر في “هارفارد لو ريفيو”. وبعد تدخل وتأخير نشر مقالة إغبارية من “هارفارد لو ريفيو”، تعرضت القطعة لمراجعة من عدة لجان قبل قتلها في لقاء طارئ للمحررين.

وكانت المقالة المعنونة “النكبة المستمرة” أول مقالة لباحث فلسطيني ستنشر في المجلة. وفي رسالة إلكترونية لإغبارية ورئيسة تحرير “هارفارد لو ريفيو”، أبسارا أير، وصفت مديرة الموقع تساتشا شهرياري- بارسا وواحدة من المحررين الذين طلبوا المقالة، قرار المحررين بأنه “غير مسبوق”.

وقالت “كرئيسة تحرير، لدينا توجه كامل لطلب قطع من أجل النشر”. وكتبت لإغبارية أن مقالته لن تنشر على الرغم من الإجراءات المتفق عليها لمقالات المدونة. وقالت إن قلقا نشأ من احتمال تعرض العاملين للتحرش أو الأذى و”قرار مقصود لقمع صوتك خوفا من ردة الفعل هو مناقض لقيم الحرية الأكاديمية وتعزيز الأصوات المهمشة في الأكاديميا القانونية والتي تدافع مؤسستنا عنها”.

تساتشا شهرياري- بارسا لإغبارية: قرار مقصود لقمع صوتك خوفا من ردة الفعل هو مناقض لقيم الحرية الأكاديمية وتعزيز الأصوات المهمشة في الأكاديميا القانونية والتي تدافع مؤسستنا عنها

وقالت شهرياري- بارسا والمحررة صابرينا أوتشا إنهما لم تريا أبدا مقالا يواجه تدقيقا شديدا في “هارفارد لو ريفيو”. ولم تعثر شهرياري- بارسا على أي مثال تعرض فيه مقال للمنع بعد تدقيقه ومروره بمعايير التحرير المعروفة.

وقال محرر آخر، رفض الكشف عن هويته، إن معاملة مقالة إغبارية غير مسبوقة. وأضاف أنه وبناء على بحثه فقد منح الباحثون الإسرائيليون مساحة للتعبير عن مواقفهم في المجلة ولكن لم يتم ذلك مع الفلسطينيين. وقال المحرر إنه لم يعثر وبناء على بحثه على مثال تم فيه منع مقال كان جاهزا للنشر.

وفي رده على المحررين كتب إغبارية “هذا تمييز، علينا ألا نتظاهر بغير ذلك. إنها رقابة مقلقة وخطيرة”.

وبحسب رسائل الكترونية من شهرياري- بارسا وإغبارية فقد قررت أير تأخيل نشر المقالة بناء على مخاوف السلامة والمناقشة مع بقية المحررين. لكن رسالة إلكترونية من شهرياري- بارسا إلى إغبارية، وضحت أن أبسارا أير عبرت في لقاءات مع المحررين عن موقف واضح أنها “شخصيا غير مستعدة للسماح بنشر القطعة”. وبعد طلب 30 محررا، عقد اجتماع طارئ لكل طاقم المجلة، وبعد ست ساعات، صوت أكثر من 100 محرر بطريقة سرية حول نشر المقالة أو عدم نشرها، وكانت الغالبية ضد النشر.

وقالت المجلة في بيان “مثل أي دورية أكاديمية، لدى هارفارد لو ريفيو إجراءات تحرير تغطي الكيفية التي تطلب وتقيم وتحدد متى وإن كانت ستنشر القطعة” و”إحدى السمات الجوهرية لهذه العمليات الداخلية هي سرية وجهات النظر ومداولات وآراء محررينا البالغ عددهم 104″ و”بعد لقاء كل الطاقم وتصوير كامل العضوية الأسبوع الماضي فقد صوتت الغالبية الجوهرية على عدم المضي بالنشر”.

ويدير هارفارد لو ريفيو الطلاب، إذ إن أبسارا أير وشهرياري- بارسا، مثل إغبارية يدرسون في الجامعة، وهي مجلة معروفة بأنها نقطة انطلاق للمسار السياسي.

وكان باراك أوباما رئيس المجلة عندما كان طالبا في كلية الحقوق، وعادة ما يذهب الخريجون للعمل والتدرب في المحكمة العليا ويحصلون على وظائف في شركات المحاماة المعروفة. وخوفا من تعرض المسيرة العملية للمحررين، فقد جاء قرار “هارفارد لو ريفيو” بعدم نشر مقالة إغبارية وسط القمع للحرية الأكاديمية في جامعات النخبة “أيفي ليغ” وأماكن أخرى لمنع الخطاب المؤيد لفلسطين وبعد هجمات حماس في 7 تشرين الأول/ أكتوبر.

عدم نشر مقالة إغبارية يأتي وسط قمع الحرية الأكاديمية في جامعات النخبة الأمريكية وأماكن أخرى لمنع الخطاب المؤيد لفلسطين

وقال برفسور القانون بهارفارد ريان دويرلفر “لا أستطيع إلا التكهن حول أسباب المحررين الأفراد”، وحضر البروفيسور اللقاء بشأن المقالة الفلسطينية وقال “كل ما لاحظته، أن التصويت حصل وسط عمليات قمع الآراء المؤيدة لفلسطين”. وقال محرر آخر طلب عدم الكشف عن هويته إن عامل الخوف من ردة الفعل كان سببا في تصويت “لا” ضد مقالة إغبارية. وأضاف أن المحررين وجدوا “أمورا جوهرية” في القطعة والتي فاقمت المخاوف بين المحررين، وأن أسماءهم وصورهم ستوضع على شاحنة ويتهمون بالتعاطف مع حماس، وهو أمر حصل لطلاب في جامعة هارفارد وقعوا على رسالة بشأن الحرب في غزة. وقال المحرر إن هذه الأمور حُررت قبل إعداد المقال للنشر، لكن الخوف ظل بين المحررين من أن التحرير لم يكن كافيا بسبب عدم الاتفاق على المعلومات فيها. وقالوا “النقاش الأكاديمي المنطقي لم يكن ليحدث في هذا السياق” و”لأن النقاش، في هذا الوقت لن يحدث بدون وضع وجهك على شاحنة”، في إشارة للجماعات المؤيدة لإسرائيل التي تستخدم شاحنات عليها لوحات إعلانية تفضح فيها كل متعاطف مع فلسطين.

وقال دويرفلر إن مقالة إغبارية “هي قطعة قوية من البحث القانوني” و”تناقش موقفا يحتاج إلى شجاعة لتقديمه”. وبالنسبة لبعض المحررين في المجلة فإن التأخير وقتل مقالة إغبارية لم يتبع العمليات المعروفة. وفي بيان لـ 20 محررا بالمجلة اعترضوا فيه على التحرك لقتل المقال. جاء فيه “لسنا على معرفة بأن مقالا طلب قد تم إلغاؤه من لو ريفيو بهذه الطريقة”، “هذا قرار غير مسبوق ويهدد الحرية الأكاديمية ويديم قمع الأصوات الفلسطينية، ونحن نرفض ذلك”. وقال المحرر الأول إنه راجع وآخرون مئات المقالات المقدمة للنشر في المدونة وإن مقالة إغبارية “جيدة جدا” وسبب التصويت بلا هو “الخوف”. وقال المحرر الثاني إن المحررين “عبروا عن دعمهم للمقالة وأرادوا تعزيز الأصوات المهمشة، ولكنهم صوتوا ضد نشرها لأنهم خافوا من التداعيات وعملوا جهدهم بألا يخاطروا بمستقبلهم. وعبر بعضهم عن قلق من ردة الفعل على المقالة وأنها ستؤدي للتمييز ضد الملونين أكثر من غيرهم”.

رفض 20 محررا بالمجلة قرار قتل المقال واعتبروه قرارا يهدد الحرية الأكاديمية ويديم قمع الأصوات الفلسطينية

ويواجه الطلاب والكتاب والفنانون الذي يدعمون فلسطين قمعا، فقد قررت جامعة كولومبيا وبرانديس تعليق جمعية طلاب للعدالة في فلسطين وفروع الصوت اليهودي للسلام، بحجة أنهما خرقتا قوانين التظاهر في حرم الجامعة. ودعا حاكم فلوريدا رون دي سانتيس إلى إغلاق فروع الجمعيتين.

وواجهت هارفارد ضغوطا لوقف الأصوات المؤيدة لفلسطين، وتم فضح الطلاب ونشر معلوماتهم وهوجموا على الإنترنت لتعبيرهم عن مواقف مؤيدة لفلسطين.

وفي مقالته، ناقش إغبارية أن الجرائم في غزة تصل إلى حد الإبادة، وناقش الأطر المتبعة لمناقشة السياسات الإسرائيلية في فلسطين بشكل عام ودعا لإطار متميز لفلسطين. وبحسب إغبارية فإن “التجربة في جنوب أفريقيا جلبت الأبارتيد إلى المعجم القانوني والدولي”، ولهذا فالطبيعة المتميزة للهيمنة التي تواجه الفلسطينيين تتطلب معيارا جديدا للجريمة.

وسوم: العدد 1059