مؤسف جدا بخس البعض ملحمة طوفان الأقصى مع أنها إسعاف للكرامة العربية والإسلامية المحتضرة في الإنعاش، وتضميد للعزة المكلومة النازفة

بقدر ما تعبر المسيرات والمظاهرات المليونية المؤيدة لصمود الشعب الفلسطيني بغزة  في كل أصقاع العالم العربي والإسلامي على بقية نبض للكرامة العربية والإسلامية  التي دخلت الإنعاش منذ مدة طويلة ، وازداد حالها سوءا  مباشرة بعد الإجهاز على ثورات الربيع العربي بتدبير خبيث وماكر من الغرب الصليبي المتصهين ، بقدر ما يؤسف شديد الأسف عند سماع  هنا وهناك في تلك الأصقاع صوت نشاز غير متناغم مع صوت المليونيات العربية الإسلامية ، ولا حتى مع المليونيات في بلاد الغرب ، وغيرها في باقي المعمور ، وهو نعيق  مشئوم يكرس ما ترتب عن الإجهاز على ثورات الربيع العربي من سوء الوضع ، وقد نشدت من ورائها الشعوب العربية الحرية والديمقراطية ، والحياة الكريمة، والخلاص من الفساد ، والقمع، والاستبداد والشمولية ، وكان كل ذلك عبارة عن صفقة بين الغرب و بين أنظمة  تقايض به بقاءها  في سدة الحكم على حساب إرادة وكرامة شعوبها .

ومن أساليب الغرب للإجهازعلى ثورات الربيع العربي ، وقد تولى التخطيط لذلك ، وأوكل التنفيذ للأنظمة الشمولية شيطنة الأحزاب السياسية ذات المرجعية الإسلامية التي دخلت التنافس الانتخابي ، وفازت في انتخابات شهد لها  العالم بأنها نزيهة ونظيفة، ولم تشبها الشوائب المعتادة فيما مر من انتخابات، كانت دائما عبارة عن مسرحيات هزلية بنسب نجاح تتخلف عن نسبة  مئة في المئة بعدد أصابع اليد أو أقل  من ذلك ، وهو ما لم يحصل أبدا  في كل بلاد الديمقراطيات .

 ولقد كان فوز تلك الأحزاب ذات المرجعية الإسلامية مصدر قلق كبير لدى صناع القرار في بلاد الغرب ،لأنه كان بمثابة مؤشر على أن الشعوب العربية برهانها على تلك الأحزاب، إنما راهنت على الإسلام الذي لا صلاح لها إلا به كما صلح به أمر من كان قبلها . وكانت بداية التآمر على ما أفرزته تلك الانتخابات هو إعداد الغرب لعصابات إرهابية تحت مسمى " تنظيم الدولة "، أو " داعش " لصياغة مقولات " الإسلام السياسي "  ، والإسلاموفوبيا ، والإرهاب ، والتطرف ، والكراهية ... إلى غير ذلك من المقولات التي سوقها الإعلام الغربي على أوسع نطاق في المعمور . وتظاهر الغرب بمحاربة هذه العصابات الإجرامية التي وظفها لإبادة المسلمين  خصوصا السنة منهم في العراق ، وفي سوريا حيث توجه إجرامها ، وإجرام العصابات الشيعية لتنفيذ هذه الإبادة  الجماعية  كانتقام من ثورات الربيع العربي بسبب إفرازها ما سماه الغرب إسلاما سياسيا ، ووصف به الأحزاب التي فازت في الانتخابات ، وجعلها في كفة واحدة مع عصابات  " داعش "الإجرامية التي ركبت الإسلام وهو منها براء لتبرير جرائمها  وإرهابها الموجه غربيا ، والذي كان ضحيته من لم يحملوا سلاحا ضد أحد ، وكان ذنبهم الوحيد أنهم راهنوا على أحزاب سياسية ذات مرجعية إسلامية ، وهو رهان على الإسلام البريىء مما يلفق له ظلما وعدوانا.

 وبالربط بين تلك الأحزاب السياسية، وبين تلك العصابات الإجرامية أُعطي الضوء الأخضر للأنظمة المستبدة كي تجهز عليها ، وتقتل من تقتل من قادتها ومن مناضليها ، وتسجن من تسجن منهم  بسكوت الغرب عن ذلك سكوت الشيطان الأخرس ، مع تظاهره نفاقا بقلقه عن إجهاض تجارب ديمقراطية فتية نتجت عن ثورات الربيع العربي ، وهو الغرب  الذي يقيم الدنيا، ولا يقعدها عندما تجهض مثل تلك التجارب في  دول أخرى في المعمور إما عن طريق انقلابات عسكرية أو عن طريق  مؤامرات سياسية مفضوحة  .

وكانت الجهة الأكثر استفادة من  تسويق مقولة " الإسلام السياسي " الكيان الصهيوني المستنبت في قلب الوطن العربي من طرف الغرب ، حيث أصبحت حركات المقاومة الفلسطينية المتبنية للمرجعية الإسلامية حركات إرهابية " داعشية " ، وليست حركة تحرير يجيز لها القانون الدولي حمل السلاح من أجل استقلال أوطانها كباقي حركات التحرير في العالم على اختلاف مرجعياتها  وعقائدها ، وصادق الغرب على هذه المقولة الصهيونية ، وحشد للصهاينة كل الدعم من أجل إظهارهم كضحايا مع أنهم جلادون، وسفاك دماء ، ومجرمو حرب.

وشاء قدر الله تعالى أن يندلع طوفان الأقصى ، وكان كردة فعل على تكرار تدنيس المستوطنين العنصريين المتعصبين للمقدسات الإسلامية في القدس الشريف مع التنكيل بالمواطنين الفلسطينيين العزل  ، ومنعهم من ارتيادها للعبادة ، وهو ما كان الغرب يكتفي نفاقا منه بدعوة الكيان الصهيوني لتجنب  شدة العنف ضدهم دون اتخاذ قرار فعّال يمنع ذلك . ومع استمرار التعسف ، والعدوان المتكرر يوميا ، كان لا بد من ردة فعل قوية هي الطوفان الذي نسب للقدس من أجل لفت أنظار العالم إلى دوافعه وأسبابه ،لأن طبيعة أي طوفان سواء كان طبيعيا حقيقيا  أم كان  بشريا مجازيا أن تكون له أسباب . وتجاهل الغرب تلك الأسباب ، وبدأ حكاية الطوفان عنده من  حين مباغتة عناصر المقاومة الفلسطينية العدو الصهيوني في غلاف غزة ، واعتبر ذلك عدوانا إرهابيا، قامت به كائنات وصفها الكيان الصهيوني  بالوحوش بشرية وتابعه في هذا الوصف الغرب ، في حين اعتبر الرد عليهم بعدوان  صهيوني فاق كل حد ، وهو عبارة عن جرائم حرب محاكية لجرائم النازية والفاشية ، وعبارة عن إبادة جماعية ، ذهب ضحيتها  آلاف الأبرياء من أطفال، ونساء ، وشيوخ ، ومرضى ، وتابع العالم بأسره  ذلك عبر الوصف الإعلامي الحي ما يزيد عن شهرين كاملين ليل نهار وبلا هوادة ، والغرب يرفض وقف العدوان بالرغم من هول الدمار الشامل،  وضخامة عدد الضحايا الأبرياء الذين كان  جيش العدو الصهيوني ينتقم منهم كلما أوجعه رجال المقاومة الفلسطينية في مواجهات من مسافات الصفر ، وهو يفوقهم عددا وعتادا ، وتحميه الأساطيل الغربية ، وتساعده أقمارها الصناعية ، ومسيراتها ، وطائراتها  الحربية ، وقنابلها المدمرة  التي استعملت لأول مرة من أجل تدمير البيوت، والمساجد ، والمستشفيات ، والمدارس فوق رؤوس المستضعفين من أطفال ، ونساء ، وعجزة ، ومرضى  ، فضلا عن تدمير حاويات أو صوامع الحبوب ، وأفران المخابز ، وخزانات أو أبراج المياه ...  ولم ينج من ذلك الدمار بشر ، ولا شجر ، ولا حجر ، ولا طائر يطير بجناحيه.

ومن المثير للسخرية أن يسأل أحد الصحفيين في قناة الجزيرة مسؤولا كبيرا في الاتحاد الأوروبي عن رأيه في هذا الدمار الصهيوني أهو جريمة حرب في نظره ، فيجيبه بالقول : لست محاميا ، وهذا من اختصاص محكم العدل الدولية ، ولما سأله عن طوفان الأقصى  لم يعد محاميا ، فأجاب  للتو: ذلك إرهاب  في نظري، فعقب عليه الصحفي بالقول : أليست هذه ازدواجية  مكيال معيبة تعاب عليكم كأوروبي  ؟  فلم يجد ما يرد به ، وقد أقام على نفسه حجة شهدت به عليها المسيرات والمظاهرات المليونية في كل أرجاء المعمور خصوصا في العواصم الغربية التي تكيل إداراتها بمكيالين دون خجل أو وخز من ضمير ، وأني لمن يكيل بمكيالين أن يكون لديه  ذرة من ضمير ؟

وإذا كان المعهود في ساسة الغرب الذين يضللون شعوبهم ، ويقدمون لهم الكيان الصهيوني ككيان ديمقراطي وحيد ، وسط كيانات شمولية في منطقة الشرق الأوسط ، وكافة الوطن العربي ، وكضحية باعتماد طابو " معادة السامية " الذي يرتزق به هذا الكيان العنصري الدموي ، فإنه من غير المقبول أن تحاكي عناصر في البلاد العربية والإسلامية هذا الغرب، وتتلقف عنه مغالطاته التي تقلب معادلة الضحية والجلاد رأسا على عقب ، وهذا أمر مؤسف للغاية ، ووصمة عار على جبين هؤلاء  سيسجله التاريخ ، كما سجل وصمات عار سابقة حين كان الاحتلال الغربي جاثما على معظم بلاد العروبة والإسلام ، وكان الخونة من هذه البلاد، يرددون مغالطاته ، وكانوا دون حياء يصفون كل حركات المقاومة والتحرير بأقبح النعوت مع أن المحتلين كانوا مجرمي حرب ، وإبادات جماعية، لم يحاكموا على جرائمهم الشنيعة والوحشية  لحد الآن ، ولا زال بعضهم يحتفظ بجماجم لضحايا  تلك الفترة في متاحفهم، وهم يفاخرون بها  دون خجل ، كما يفاخرون بتحضرهم ، وأني لمجرمي الحرب أن يخجلوا مما اقترفوا من جرائم مخزية لهم؟

ولا شك أن من يحاكون الغرب المؤيد للكيان الصهيوني بلا حدود، قد سقط في أيديهم ، وهم في وضع شرود بلغة لعبة كرة القدم بسبب  حجم المظاهرات  والمسيرات المليونية  المنددة بجرائم الكيان الصهيوني ، ولا نقول في العالم العربي والإسلامي فقط  بل نقول  في  كل العواصم الغربية ، وكفى بالشهادة وثوقا أن تكون من أهل الغرب، فضلا عن شهادة  شعوب كل بلاد المعمور.

ولا شك أن من يظهرون التعاطف مع هذا الكيان العنصري تقربا من إرضائه ، وإرضاء الغرب المؤيد  له بلا حدود أو شروط ،بل والشريك له في الإجرام والعدوان من خلال تزويده بالآلة الحربية المدمرة، قد تنصلوا من هويتهم العربية والإسلامية ، ومن إنسانيتهم ، واختاروا لأنفسهم مزبلة التاريخ، وأنتن بها من مزبلة.  

وسوم: العدد 1060