مسمى الثقافة كما تمارسه وتجسده وزارة الثقافة

أعلمُ أن الإجابة عن السؤال: هل الاسم هو المسمى أم الاسم غير المسمى فيه خلاف؟ لذلك، وحتى لا أتطفل على أهل الاختصاص، فإني أكتفي بالإشارة إلى أن الأسماء والمسميات تربط بينها علاقة تلازم، بحيث إذا ذكر الاسم لزم استحضار المسمى، مع العلم بأن الاسم هو اللفظ الموضوع لتعيين معنى أو تمييزه. ومعلوم كذلك أن وضع الأسماء أو ما يسمى بالتسمية، له علاقة بمرجعية وثقافة المُسَمِّي، بل بالسياق الذي يتم فيه تحديد الاسم. فعلى سبيل المثال نجد اسم محمد غالب في أسماء أبناء المسلمين السُّنة، بينما يغلب اسم علي على أبناء الشيعة، وذلك ارتباطا بفترات ذات خصوصيات معينة، كما أن اسم جمال كثر في فترة جمال عبد الناصر، مثله مثل اسم صدام في فترة من فترات حكم صدام حسين، والأمثلة من هذا القبيل كثيرة، إلى الحد الذي أصبحت فيه مجموعة من الأسماء ترتبط في أذهاننا بتمثلات، تحيلنا بمجرد سماعها على صور لمسمياتها غالبا ما تكون نمطية، ومعبرة عن المسمى، بما يتماشى مع قول شاعر الحمراء محمد بن إبراهيم:

وكلما أَبْصَرَتْ عيناك ذا لقبٍ       إلا ومعناه إن فَكَّرتَ في لقبه

وقد تكون غير ذلك، بل قد تكون مناقضة له في بعض الأحيان، فعند سماعنا لأسماء وألقاب من مثل وزير العدل، وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية، وزير السياحة ووزير الثقافة على سبيل المثال لا الحصر، فإن التمثلات التي تنقدح في أذهاننا، انطلاقنا من ثقافتنا المغربية، ومرجعيتنا الدينية، سواء على المستوى الشعبي أو على المستوى الرسمي الذي يعبر عنه دستور المملكة، تحيلنا على مسميات لهذه الأسماء، يلتزم فيها أصحابها باحترام مرجعية الأمة وثوابتها، ومحاربة كل الأيديولوجيات المناهضة لها، لكن الواقع يبرهن على غير ذلك، من خلال تصرفات حاملي هذه الأسماء، أو الألقاب الذين يجتهدون في إعطائها مدلولا مستنبطا من مرجعية وثقافة لا تمت إلى المغرب والمغاربة بصلة.

فإذا كان وزير الأوقاف يجتهد في توقيف خيرة الخطباء، ويعمل على عرقلة الكتاتيب القرآنية بفرض شروط تعجيزية عليها، وأغمض عينيه على حذف درس المواريث من المقررات الدراسية، وسكت على تقنين القنب الهندي، وكان وزير العدل يستبسل في إشاعة الفاحشة بكل أنواعها، وكان (ت) وزير(ة) السياحة لا يبالي بالمحرمات والبوائق التي تُعتمد لجلب السواح، فيبدو أن علاقة التلازم بين الاسم والمسمى قد وقع فيها خلل، أو لنقل بأن هناك من يعمل على خلق علاقة تلازم تستمد عناصرها ليس من مرجعية الأمة المغربية وثوابتها كما يُفترض، وإنما من مرجعية غريبة عنها بل ومتناقضة معها كليا، ولعل المثال الأكثر وضوحا ودلالة، هو التمثل الذي يحيل عليه اسم الثقافة مقارنة مع المسمى الذي تجسده ممارسة وزير الثقافة في الواقع، ففي مقابل تشجيع الثقافة الجادة، التي تهدف إلى حث الشباب على الالتزام بالقيم والأخلاق الإسلامية، والاعتزاز بالنفس، والانفكاك من عُقدة التبعية، والشعور بالدونية أمام الآخر والاستلاب بثقافته، نجد السعي الحثيث نحو تشجيع التفاهة والميوعة. فهذه مهرجانات موازين والموسيقى الإفريقية بالرباط، وكازابلانكا والوبولفار بالدار البيضاء...أمثلة حية على قمة الميوعة والانحلال الخلقي، اللذان جسدهما الرابور السيء الذكر "طوطو" في مهرجاني الرباط والدار البيضاء، وسوف لن يجد كل من يرغب في التأكد بأن طبيعة الثقافة التي تعمل وزارة الثقافة على التطبيع معها، هي بالأساس ثقافة التفاهة وتدمير الحس الأخلاقي، اعتمادا على مدخل "الحريات الفردية"، وحقوق الإنسان "الكونية" وحرية التعبير، أية صعوبة في ذلك، فيكفيه سماع تصريحات كل من وزير الثقافة، ووزير العدل الموجودة على "يوتيوب" والمتعلقة بِرَدِّهِما على الانتقادات التي وُجِّهت لتصرفات "طوطو"، والممارسات التي سادت في مهرجاني الرباط والدار البيضاء، وحتى يكوِّن فكرة أوضح على طبيعة الثقافة المبتغاة للمغاربة، ما عليه سوى التدقيق في عدد المهرجانات الثقافية وطبيعتها، ولن يكلفه ذلك أكثر من نقرة أو نقرتين على لوحة مفاتيح حاسوبه أو هاتفه النقال. ولعل "مهرجان الحمار" المرتقب عودته في غضون شهر ماي المقبل بمدينة زرهون، بدعم من وزارة الشباب والثقافة والتواصل وجهة فاس مكناس ومسرح محمد الخامس، لخير مثال على أولويات هذه الوزارة وشركائها، في الوقت الذي لم نعد نسمع فيه شيئا عما آلت إليه أوضاع إخواننا المتضررين من زلزال الحوز، ولا عن مهرجانات لدعم إخواننا في غزة، ولا عن لقاءات لمعالجة أزمة تعليمنا التي هي في أصلها ثقافية...

في الأخير أرجو من السادة الوزراء، وعلى رأسهم وزير الثقافة أن يعملوا على تجسيد مسميات الوزارات التي يشرفون عليها، في توافق مع مرجعية الأمة المغربية وثوابتها، والحيلولة دون كل ما يمكن أن يساهم في ابتذالها، حفاظا على علاقة التلازم بينها وبين أسمائها التي لا يمكن إلا أن تكون علاقة انسجام وتناغم في إطار الثوابت الوطنية.

وسوم: العدد 1070